محللون أتراك: تراجع قيمة الليرة التركية يعود إلى الأزمة مع الولايات المتحدة ويجب معالجة الأمر
نيو ترك بوست خاص/ يرى محللون سياسيون واقتصاديون أتراك، أن أسباب تراجع الليرة التركية أمام الدولار الأمريكي والعملات الأخرى هي الأزمة التي تشهدها العلاقات التركية الأمريكية.
ويقول هؤلاء، إن استمرار الأزمة وفرض مزيد من العقوبات الأمريكية على تركيا سيؤثر سلبا على الاقتصاد التركي، فيما نصح بعضهم بوجوب "تساهل" تركيا في بعض الملفات العالقة بين البلدين لتجنب المزيد من الضغط الأمريكي على تركيا.
وشهدت الليرة التركية تراجعا غير مسبوق أمام الدولار الأمريكي حيث خسرت أكثر من ثلث قيمتها خلال فترة قصيرة في ظل تصاعد حدة الأزمة مع الولايات المتحدة لتصل قيمة الدولار الواحد إلى 6.40 ليرة تركية.
ومنذ تجديد انتخاب الرئيس التركي رجب طيب اردوغان لفترة رئاسية جديدة في 24 يونيو الماضي تصاعدت حدة الأزمة التي كانت موجودة أصلا بين الولايات المتحدة الأمريكية وتركيا التي شهدت محاولة انقلاب في يوليو عام 2016 من قبل عناصر تنظيم فتح الله غولن المقيم في أمريكا.
وتطالب تركيا الولايات المتحدة بتسليم غولن، فيما فرضت السلطات القضائية التركية أخيرا الإقامة الجبرية على القس الأمريكي أندرو برانسون بعد أن سجن لنحو سنتين في إطار قضية إرهاب وتجسس ساهمت في توتر العلاقات الأمريكية التركية.
وأخيرا توجه وفد تركي إلى الولايات المتحدة لمحاولة حل الأزمة بين الجانبين لكنه عاد إلى بلاده من دون التوصل إلى حلول، فيما غرد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يوم أمس الجمعة على برنامج التواصل الاجتماعي تويتر قائلا "لقد وافقت للتو على الصلب والألومنيوم، في حين تنزلق عملتهم، الليرة التركية، متراجعة بسرعة مقابل دولارنا القوي جدا ستصبح رسوم الألومنيوم على تركيا 20% ورسوم الصلب 50%" وهو ما رفضته تركيا.
ويرى الكاتب والمحلل التركي يوسف كاتب اوغلو، أن الأزمة الحالية المقصود بها محاربة الرئيس أردوغان الذي قام بتحسين الوضع الاقتصادي للمواطن التركي، فرفع متوسط الدخل السنوي للفرد من 2900 دولار عام 2002 الى 11 الف دولار عام 2018، هو من استطاع الارتقاء بالصادرات من 30 مليار الى 167 مليار، وخفض الفائدة من 146 في المائة إلى 10 في المائة.
ويضيف أوغلو، أن هذه الأرقام تتحدث عن إنجازات، لذلك فإن الاقتصاد يمثل الورقة الفاعلة لأردوغان عند الناخب التركي وبالتالي تحاول الولايات المتحدة محاربة هذه الورقة للضغط على الرئيس التركي.
ويرجع أوغلو انخفاض سعر الليرة التركية، إلى ما وصفه "بالشائعات المالية، وكذلك خفض تصنيف المؤسسات الائتمانية الدولية للاقتصاد التركي من بي بي موجب إلى بي بي سالب ما يضعف الاستثمار في تركيا، وهو ما يعني تسييس هذه المؤسسات للضغط على الاقتصاد التركي".
ويعتبر أوغلو، أن ما يحدث يمثل "لعبة تعيها تركيا جيدا"، لافتا إلى أن الاقتصاد التركي "قوي بمضمونه لأنه مبني على اقتصاد حقيقي صناعي سياحي خدماتي زراعي تقني وليس مبنيا على ثروات تخرج من الأرض كالبترول والغاز".
ويرى أوغلو، أن ما يحدث بالنسبة لتراجع قيمة الليرة التركية "مجرد فقاعات"، مشيرا إلى أن السوق التركية "ستتأثر آنيا ولفترة محددة، لكن ليس هذا هو المقياس الحقيقي للاقتصاد التركي".
وقال المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالن على تويتر معلقا على تدهور سعر صرف الليرة التركية أمام الدولار خلال الأيام القليلة الماضية، إنه "لا يمكن لأي تهديد أو ابتزاز أن ينال من إرادة تركيا".
وأضاف قالن، أن "من يظنون أنهم سيتمكنون من إركاع هذا الشعب عبر التلاعب بالاقتصاد، فهم لا يعرفون هذا الشعب على الإطلاق".
وأردف قالن "من قالوا إن كل شيء انتهى بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة في 15 يوليو 2016 قد أخطؤوا، واليوم سيخطئون أيضا، تركيا ستنتصر في هذا النضال، وسننتصر سويا".
ويقول الكاتب والمحلل التركي إسماعيل كايا، إن الأزمة الحالية بين البلدين "هي الأصعب والاكبر والأخطر في السنوات الأخيرة رغم كل الخلافات الكبيرة التي مرت بها العلاقات بين الجانبين في السنوات الماضية".
وحول حدة الأزمة يستشهد كايا بتصريحات الرئيس اردوغان الذي قال "إنه سيبحث عن حلفاء جدد خلافا للولايات المتحدة، وأنه اتصل بالرئيس الروسي فلاديمير بوتن، إلى جانب تصريح الناطق باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالن بأن واشنطن أمام خطر حقيقي لفقدان تركيا كحليف بشكل نهائي".
ويعتبر كايا "أن هذه التصريحات تؤكد أن العلاقات بالفعل دخلت مرحلة حساسة وخطيرة، ويمكن أن تتصاعد بشكل كبير حتى القطيعة الكاملة بين الجانبين".
ويتوقع كايا، أن "تشهد الأيام المقبلة مزيدا من العقوبات الأمريكية على تركيا، وبالتالي فإن أنقرة ستكون أمام الرد على العقوبات الجديدة التي بكل تأكيد ستؤثر على الاقتصاد التركي بشكل أكبر".
ويضيف "كان هناك أمل بإيجاد حلول عندما زار الوفد التركي أمريكا، لكن عودته دون أي نتائج في ظل الابتزاز الأمريكي وفرض شروط من جانب واحد دون تقديم أي تنازلات قوض فرص الحل القريب".
ويعتقد كايا، أن هناك "خطرا كبيرا ربما يطال مجالات التعاون بين البلدين لينتقل من الأزمة السياسية والاقتصادية إلى التعاون العسكري بين البلدين فيما يتعلق بالقواعد العسكرية والتعاون في ملفات سوريا وشمال العراق وغيرها من الملفات المتعلقة بحلف شمال الأطلسي (الناتو)".
ويرى كايا، أن "الحلول منذ بداية الأزمة كانت متاحة حيث كان بإمكان تركيا الإفراج عن القس الأمريكي ضمن صفقة معينة تقوم بموجبها الولايات المتحدة بتسليم بعض عناصر منظمة غولين او زعيم التنظيم فتح الله غولن، أو الافراج عن نائب رئيس هالك بانك التركي المعتقل في الولايات المتحدة هاكان اتيلا، لكن يبدو أن واشنطن رفضت بشكل نهائي وتام تقديم أي تنازلات وبالتالي كان الموقف التركي أيضا في هذا الاتجاه".
ويلقي كايا باللوم على الولايات المتحدة إزاء الأزمة الحالية، معتبرا أن الولايات المتحدة "لو قدمت أي تنازلات ربما كانت تركيا ستفرج عن القس الأمريكي"، لافتا إلى أن "التعنت الأمريكي أدخل الأمور في منحى آخر وأصبح التصعيد سيد الموقف في الأيام المقبلة دون أفق قريب للحل في العلاقات بين الجانبين".
وتحدث الرئيس أردوغان في مقال نشرته صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، عن العلاقات التي جمعت بلاده مع الولايات المتحدة على مدى العقود الستة الماضية، مشيرا إلى أنهما كانتا شريكتان استراتيجيتان وحليفتان في الناتو، وقد وقفا جنبا إلى جنب ضد التحديات المشتركة خلال الحرب الباردة وفي أعقابها.
وأضاف الرئيس التركي، أنه على مر السنين هرعت تركيا إلى مساعدة أمريكا عند الضرورة، في حين فشلت الولايات المتحدة مرارا وتكرارا في فهم هموم الشعب التركي واحترامها.
وأشار إلى أن الولايات المتحدة اتخذت في الأسابيع الأخيرة سلسلة من الخطوات لتصعيد التوتر مع تركيا بحجة اعتقال الشرطة التركية لمواطن أمريكي بتهمة مساعدة منظمة إرهابية، وبدلا من احترام الإجراءات القضائية التركية أصدرت واشنطن تهديدات صارخة ضد دولة صديقة وشرعت في فرض عقوبات على العديد من أعضاء الحكومة التركية.
ودعا أردوغان واشنطن "قبل فوات الأوان إلى التخلي عن الفكرة المضللة التي مفادها أن علاقتنا يمكن أن تكون غير ندية، وأن تتصالح مع حقيقة أن تركيا لديها بدائل، وإن عدم معالجة هذا التوجه من الاحادية وعدم الاحترام يدفعنا للبحث عن أصدقاء وحلفاء جدد".
ويقول الكاتب والمحلل التركي مصطفى اوزجان، إن تركيا "منذ البداية ليست مع تفاقم الازمة مع الولايات المتحدة، وهي تسعى لنزع فتيل الأزمة، لكن كانت هناك بعض العقوبات فرضت من الولايات المتحدة على تركيا، وكردة فعل فرضت تركيا عقوبات رمزية على بعض الأشخاص في الوزارات الأمريكية".
ويشدد اوزجان، على أن تركيا "ليست مع التصعيد مع الولايات المتحدة لأن اقتصادها يتضرر إزاء ذلك وهذا ظاهر للعيان"، مشيرا إلى أنه "حال لم يتم تجاوز الأزمة الحالية بين البلدين ستأتي ازمة جديدة وتنقلب على العلاقات الثنائية بشكل أوسع".
وتحدث أوزجان عن قضايا شائكة بين الولايات المتحدة وتركيا غير قضيتي غولن وبرانسون أدت إلى تفاقم الأزمة بين البلدين مثل الخلاف حول الأزمة السورية واستيراد تركيا لمنظومة الدفاعية الروسية اس 400 وأيضا قضية امتناع الولايات المتحدة عن تزويد تركيا بطائرات اف 35 استيراد طائرات اف 35.
ويخلص أوزجان، إلى أن جميع هذه القضايا "تتطلب السعي الحديث إلى إيجاد حلول لها"، داعيا تركيا في الوقت ذاته إلى "التساهل في حل بعضها مثل قضية غو1لن الذي يمكن لتركيا نسيان قضيته".