من ذاكرة التاريخ (4)-ج2 …برنارد لويس وسايكس بيكو الجديد
قراءة ودراسة التاريخ لا تعد مسألة ترف فكري إنما هي إضاءة للجوانب المنسية والمهملة من الذاكرة التاريخية لفهم الأحداث التي تدور من حولنا ،فمن الضروري دراسة مضامين الوثائق التاريخية ووقائع الأحداث الكبرى التي رسمت ملامح المنطقة خلال العصر الحديث ،فالأحداث التاريخية لها أسباب ومقدمات ونتائج علينا جميعا إن ندركها لنتعرف على موقعنا من حركة التاريخ ،فما يعرف باتفاقية سايكس بيكو التي طالما أثارت مشاعر من الغضب والإحباط لدى أجيال متعاقبة من العرب مازالت أقلام المفكرين والمؤرخين تتحدث عنها بالرغم من مضي ما يقارب مائة عام على توقيعها، فهي تعد اتفاقية سايكس بيكو تفاهما سريا أبرم في عام 1916، أثناء الحرب العالمية الأولى بين بريطانيا العظمى وفرنسا، بموافقة روسيا على تفكيك الإمبراطورية العثمانية.
وقد أدى الاتفاق إلى تقسيم المناطق التي كانت خاضعة للسيطرة العثمانية وهي سوريا والعراق ولبنان و فلسطين إلى مناطق تخضع للسيطرة الفرنسية وأخرى تخضع للسيطرة البريطانية.
وسميت الاتفاقية باسمي المفاوضين اللذين أبرماها، وهما سير مارك سايكس البريطاني و جورج بيكو الفرنسي.
وبالرغم مرور كل هذه السنين إلا أن تداعيات هذه الاتفاقية المشؤومة موجودة ،ومازال الإعلام يتناولها وتحوز على اهتمام وبحث الكثيرين،فقد كشف المؤرخ الأردني وأستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأردنية الدكتور سعد أبو دية في لقاء منتدى الفكر العربي ، أن اتفاقية سايكس - بيكو بين بريطانيا وفرنسا ومشاركة روسيا القيصرية، والمتعلقة بتقاسم النفوذ في بلاد الشام والعراق بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى لم تنفذ في المنطقة العربية، وإن ما نُفذ كان اتفاقاً عقد بعد ذلك بين رئيس الوزراء جورج كليمنصو ورئيس وزراء بريطانيا لويد جورج في ذلك الوقت، ويُعرف تاريخياً باتفاق (لويد - كليمنصو).
ويشير أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأردنية الدكتور سعد أبو دية إنه حسب رواية رئيس الحكومة الفرنسي كليمنصو، فإن رئيس وزراء بريطانيا حينذاك لويد جورج وافق في نوفمبر 1918 على أن يكون لفرنسا حقوق إدارة في سوريا كلها، وليس على الساحل فقط، مقابل أن يكون لبريطانيا حق في الموصل، وفي فلسطين، مما لم يرد ذكره في اتفاقية (سايكس- بيكو) عام 1916 كما يظن الناس.
وقال د. أبو دية إنه لإعطاء صورة واضحة عما حدث، ينبغي أن أشير إلى مؤامرات الحلفاء في أثناء الحرب العالمية الأولى، ذلك أن فرنسا وبريطانيا وروسيا كانت تتباحث خلال هذه الحرب في موضوع تقاسم البلاد العثمانية وبخاصة المنطقة العربية، وكان يمثل فرنسا في ذلك الحين فرنسوا جورج بيكو قنصل فرنسا السابق في بيروت والسكرتير الأول في السفارة الفرنسية في لندن، ومن الجانب البريطاني مارك سايكس.
وبين المؤرخ أن فرنسا بصعوبة وافقت أمام بريطانيا على إعطاء العرب الاستقلال في مناطق داخلية هي حلب وحمص وحماه ودمشق، فيما كانت بريطانيا تسعى لإيجاد منطقة تخضع لحكمها في البصرة وعكا وحيفا، بينما يخضع الساحل السوري وكليكيا للحكم الفرنسي المباشر وجزء آخر من سوريا يخضع للإشراف الفرنسي والبريطاني.
وكانت الموصل من حصة فرنسا، ولم تكن بريطانيا حتى ذلك الوقت تريد اتصالاً برياً مع روسيا، وقد صممت التقسيم على ذلك الأساس، وفي 5/1/1916 أسفرت اجتماعات بيكو وسايكس عن تفاهم وذهبا بعد ذلك إلى روسيا للتفاوض حول حصص الثلاث بعد انهيار السلطة العثمانية في البلاد العربية.
ويتابع المؤرخ أبودية سرده للتفاصيل في اشارة إلى أنه في 16/5/1916وافقت بريطانيا على نصوص الاتفاقية وهي إنشاء دولة عربية مستقلة في منطقة (أ) تضم الموصل وحلب وحماه وحمص ودمشق، وأما منطقة (ب) فتضم كركوك وشرقي الأردن والنقب والعقبة، ووفق ذلك يكون لفرنسا الأولوية في تقديم المستشارين في منطقة (أ) وبريطانيا في منطقة (ب)، ويخضع الساحل السوري للحكم الفرنسي المباشر من الأسكندرونه شمالاً وحتى صور جنوباً، وتخضع بغداد والبصرة للحكم البريطاني المباشر.
وبموجب الاتفاق مع روسيا القيصرية وبقية الحلفاء، قال المحاضر كان القرار أن تُنشأ دولة فلسطين، وتأخذ بريطانيا ميناءي حيفا وعكا. ولم يعرف بتفاصيل الاتفاقية أحد من العرب حتى نشرتها جريدة "المستقبل" الفرنسية في منتصف عام 1918، وهكذا حالت هذه الاتفاقية دون تأسيس دولة عربية كما كان يطالب به الشريف الحسين بن علي زعيم الثورة العربية الكبرى، ومع ذلك فإن تغييراً حصل على هذا الاتفاق بعد خروج روسيا القيصرية وأن المنطقة تقسمت على غير ما جاء في اتفاقية (سايكس- بيكو).
ومن أبرز ما اتفق عليه كليمنصو ولويد جورج ضم ولاية الموصل للعراق، وإخضاع فلسطين بأكملها للحكم البريطاني ما سهل إعطاء اليهود وعد بلفور، وكذلك أن يشمل الانتداب الفرنسي سوريا كلها عدا فلسطين، ما يتناقض أيضاً والوعود التي أعطيت للعرب بالحرية والوحدة والاستقلال خلال الحرب العالمية الأولى.
هذا كان اشاره لما خرج به المؤرخ الأردني أبودية في تحليله للاتفاقية ساكيس بيكو
ولكن بالرغم من هذا التحليل الجديد للمؤرخ الأردني إلا أن ما ترتب على كل هذه الاتفاقات كان في النتيجة أكبر تقسيم تعرضت له الأرض العربية نتيجة الأطماع الاستعمارية وخلف أكبر مأساة في فلسطين مازلنا نعيش فصولها حتى الآن
فاتفاقية ساكيس بيكو أو حتى اتفاق كليمنصو،تداعياته ونتائجه مازالت قائمة حتى يومنا هذا فالعبرة ليست بالأسماء ولكن العبرة في استخلاص الدروس ، فالمسؤولية تقع على الجميع كما تقع على مؤسسات الفكر والدراسات والأبحاث أن تنشط وتنبه الوعي العام، وتبدد ما تستطيع من الضباب الذي يحول دون إبصار الحقائق أو حتى أطرافها