دليلك قبل أن تهاجر إلى أوروبا!
هاجر الآلاف من العرب إلى الغرب طلبًا للأمن السياسي أو الأمان الاقتصادي، ويوجد لدي الغرب أعداد غير قليلة من هؤلاء المهاجرين، الذين حصلوا على حق الإقامة، عن طريق اللجوء السياسي.
هاجر الآلاف من العرب إلى الغرب طلبًا للأمن السياسي أو الأمان الاقتصادي، ويوجد لدي الغرب أعداد غير قليلة من هؤلاء المهاجرين، الذين حصلوا على حق الإقامة، عن طريق اللجوء السياسي أو الإنساني، أوعلى الإقامة عن طريق الزواج من امرأة غربية.
وكثيرون أيضا حصلوا على تلك الإقامات بمساعدة أحد المعارف أو الأقرباء، حيث يمكن أن يحصل الفرد على إقامة في الغرب، تحت عنوان "جمع الشمل الأسري"؛ المعمول به في بعض الدول الغربية سابقا والذي تم إلغاؤه حاليا في كل الدول الغربية بعد توحيد قوانين اللجوء السياسي والإنساني في دول الاتحاد الأوربي .
تشيرالتجارب إلى أن الكثير من العرب الذين لم يتمكنوا من الانخراط في أسواق العمل الأوربية والتي ضاقت ذرعًا بمواطنينها الأصليين، الذين باتوا يعانون من حالة بطالة – متفاوتة هبوطا وارتفاعا من دولة لأخرى-، وقد عجز كثير من الحكومات في مواجهتها، فوجد الكثير من شباب العرب أنفسهم على هامش الحياة بالدول الأوربية، فتمت معاملة بعضهم كمواطنين من الدرجة الثانية، يراهم الغالبية العظمي من الأوربيين، عالة يعيشون على الضرائب التي يدفعها المواطنون، والتي يتحول جزء منها إلى مساعدات ومعونات إجتماعية توجه لشريحة من هؤلاء الشباب المتعطلين، وأسرهم المقيمة معهم.
لماذا يفضلونه "أوربيا"؟
إن عدم انخراط العديد من العرب والمسلمين في الغرب في أسواق العمل الغربية بسهولة يرجع لعدة عوامل: من بينها العنصرية الشديدة من قبل بعض أصحاب العمل، الذين يفضلون توظيف مواطن غربي من بني جلدتهم يفهمهم ويفهمونه، فتكون الأولوية في بادئ الأمر للمواطن لإتقانه اللغة، ثم تأتى بعدها عوامل أخرى تصب في خانة العنصرية كالثقافة والدين والعادات والتقاليد، بل أحيانا تتضمن بعض مقابلات العمل أسئلة تتعلق بموقف طالب الوظيفة – إن كان عربيًا – من تعدد الديانات في المجتمع الواحد، أو حرية المرأة أو اعترفه بدولة إسرائيل وموقفه من السامية وقضية الهولوكوست (!)
وربما كانت هذه النزعة العنصرية هى الأساس عند بعض أصحاب الأعمال أو المسؤولون عن التوظيف في كبرى المؤسسات، ويكون لها الأولوية ومقدمة على قيم مهنية أخرى تتعلق بمدى الكفاءة أو الالتزام في الحضور والانصراف والعمل بجدية وإخلاص مطلق لكل سنت يدفعه له صاحب العمل.
لكن حتى نكون منصفين، هناك عوامل أخرى جعلت حظوظ بعض العرب في الحصول على فرصة عمل جيدة بالمجتمعات الأوربية قليلة، من بينها ما أشيع عن الموظف أو العامل العربي من عدم حرصه على الالتزام بمواعيد العمل ، واستنفاد جميع أرصدته من الأجازات، وأحيانا التغيب عن العمل بدون عذر قهري ، ثم يتوج ذلك كله بتقديم شتى المبررات للحصول على ما يعرف بـ"التقاعد المبكر"، لذلك نجد أن أرباب العمل يفضلون توظيف الغربيين، والذين يعرفون القوانين السائدة ، ولا يعملون على التلاعب بها، واستغلال كل ثغرة قانوينة لتحقيق مصالحهم المادية البحتة.
عناصر مستوردة
وعندما يتمعن الباحث في شؤون هؤلاء العرب الذين يتحول بعضهم للاجئين أو مهاجرين كما يحلو لكثيرين تسميتهم يجد أن هناك خللا كبيرا في إستيراتيجية إعادة دمجهم في الواقع الغربي في مختلف المجالات.
وإبقاء الوضع على ما هوعليه، دون إعادة النظر في هذه الإستراتيجية، جعل الكثيرمن المهاجرين يعتقدون أن السلطات الغربية لا تفكر مطلقا في طبقة المهاجرين، بقدر ما تفكر في ذريتهم التي يُعول عليها؛ أن تكون غربية ثقافة ولغة وسلوكًا، وبالتالي يضمن واضعو هذه الاستراتيجيات في الغرب، القضاء على الخلل السكاني بعناصر"مستوردة"، لكن غربية الهوى والهوية.
وهذا الإعتقاد الذي بدأ يتبلور لدى العديد من المهاجرين، مرده إلى إرتفاع نسبة البطالة بينهم، وعيش الآلآف منهم على المساعدات الاجتماعية؛ التي أدت إلى تبعات خطيرة، خصوصًا بالنسبة لعائلات، التي كان فيها الأب يسعى وراء قوت يومه من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، قبل استقراره في بلاد الغرب.
الطبيب الممرض
وإذا قمنا بدراسة موضوعية وتشريحية بشأن المهاجرين في الغرب، فيمكن القول إنهم ينقسمون إلى شريحتين:
شريحة مثقفة ومتعلمة.
شريحة أمية بالكلية أو من أنصاف المتعلمين.
ففي المدارس الغربية عندما يشرع الجميع بتعلم اللغة الغربية (ألمانية، إنجليزية، فرنسية، إلخ) يلتقي حامل الدكتوراه والحاصلين على شهادات عليا مع الذي لم يعرف معنى معهد تعليمي في بلده أو أقل قدر من القدرة على القراءة والكتابة بأي من لغاتهم الأم؛ فيجلسون جميعا في قاعة واحدة ليتعلموا لغة هذا البلد.
ويضطر المهاجر المثقف أن يهدر من خمس إلى سبع سنوات من عمره، في تعلم اللغة الغربية وخصوصا في ألمانيا، ولمسنا أهمية التعلم والدراسة في دولة كالنمسا والتي تتطلب مواصلة دائمة وإعادة تأهيل للموظف الوافد؛ ليصبح كما يريد الغربيون والذين ابتلوا في بعض الأحيان بوافدين يحملون شهادات مزورة، ولدى بعضهم موروث لا أخلاقي حتى في الحصول على قدرمن التعليم المكذوب.
ما إن تنتهى معركة العربي الوافد في إتقان لغة البلد المقيم بها، حتى تبدأ الحرب من أجل الحصول على فرصة عمل، قد تأتيه من خلال وظيفة لا تتوافق مع ميوله أو طموحاته أو ربما لا تتماشى في الأساس مع تخصصه على الإطلاق، وقد وجدت طبيبا عربيا يعمل ممرضا، ورأيت مهندسا صار سائق سيارة أجرة، بل أكثر من هذا قابلت باحثًا في حالة بائسة شديدة صاريعمل جامع قمامة!
وهذا لا يعني بتاتا أن العمل عيب، فالعمل في كل الفلسفات وعند كل المجتمعات أمر مقدس، لكنّ هذا المهاجر المثقف نظرا لغياب إستراتيجية تأهيله غربيًا فقد الكثير من طاقته، وبدل أن يتقدم عموديا وجدناه يزداد انبطاحا، وإذلالًا بما لا يحقق له أي تقدم ملموس، بل يصاب الكثير منهم بإحباط لاحد له من نيل قسط من التعليم الجيد وإستكمال دراسته بشكل أكاديمي يمكنه من العمل بوظائف تناسب ماتحصل عليه في وطنه الأصلي.
العمل المناسب
وحتى بعد نضاله المرير مع اللغة الغربية، وتحديدا تلك اللغات الصعبة كالألمانية أو لغات الدول الإسكندنافية، وسعيه للحصول على شهادة غربية، فإن الأمل قد يضعف في الحصول على عمل مناسب، وإذا كان محظوظا فإنه يظل يتنقل من عمل لآخر بشكل مؤقت، مما يصيبه إما بإحباط نفسي ينقله لأولاده الذين سيتذكرون دوما أن الغرب أعطى أباهم الأمن السياسي، ولكن لم يعطه الأمن الاقتصادي والمستقبلي ولم يعطه أيضا دوره المطلوب، وبسبب مكوثه في البيت كثيرًا بسبب البطالة، فإن هذا يتسبب في إندلاع مشاكل أسرية عنيفة ومستمرة بلا هوادة، لأن إحباط الرجل العربي في سوق العمل الأوربي يجعله متشبسًا بتعويض ذلك في بيته، تكفي إطلالة واحدة على إحصاءات الطلاق بين المهاجرين لنعرف خطورة الموقف والحياة الأسرية العربية بكل طوائفها وأعراقها ومواطنها الأصلية في الغرب.
وكان يفترض بالدوائر التي تخطط للمهاجرين أن تكون أكثر وعيًا بكل مقومات العقلية العربية والمداخل التي تعمل على تحفيزها للمشاركة في بناء العالم الغربي والتداخل في نسيجه بما يحفظ لهم ماء الوجه أمام أبنائهم وعائلاتهم بشكل يجعلهم فخورين بنجاحاتهم ولو البسيطة بدلًا من العيش على المساعدات وكسر النفس والتفرغ لمشاكل فرعية في الحياة الأسرية والتي لاتخدم في نهاية المطاف منظومة العمل والإندماج والتعايش السلمي بين أفراد المجتمع الواحد.