ماذا يعني اتفاق "ممر السلام"؟
أكتب منذ أسبوعين حول أهمية مراعاة حساسية تركيا تجاه مكافحة تنظيم ي ب ك/بي كا كا الإرهابي، هذا الأمر الذي لا بديل عن الاعتراف به لصالح مستقبل العلاقات التركية الأمريكية. وبناءً عليه، قد يكون اتفاق "ممر السلام" الذي أُعلن عنه يوم الأربعاء الماضي دلالة على تحول مهم، إذا قُدّر له أن يصمد ويستمر. تؤكد تصريحات وزير الدفاع خلوصي أقار أن المحادثات حول المنطقة الآمنة قاربت بين وجهات النظر التركية والأمريكية.
وقد أرسى بيان وزارة الدفاع التركية، الذي أعقب المحادثات مع الوفد العسكري الأمريكي التي استمرت لمدة ثلاثة أيام في أنقرة، قواعد التعاون والأسس المرجوة منه، حول المنطقة الآمنة. ووفقاً للبيان، يتعين في المرحلة الأولى اتخاذ تدابير تعالج المخاوف الأمنية التركية في أقرب وقت ممكن. لا شك أن المخاوف الأمنية الرئيسية تتمثل في وجود إرهابيي "ي ب ك" على حدودنا الجنوبية، وتمركزهم إلى الشرق من نهر الفرات. وبالرغم من الغموض الذي استخدم في صياغة البيان، إلا أنه يمكننا القول إن انسحاب تنظيم "ي ب ك" الإرهابي من الحدود، هو شرط أساسي.
ووفقاً لما جاء في البيان، سيتم إنشاء مركز للعمليات المشتركة في تركيا، بحيث يمكن لتركيا والولايات المتحدة تنسيق وإدارة تأسيس المنطقة الآمنة، بشكل مشترك.
وبالتالي، تم الاتفاق أن تكون المنطقة الآمنة ممراً للسلام، وأن تتخذ، بعدها، كل التدابير الإضافية لضمان عودة إخواننا السوريين المهجّرين إلى بلادهم.
وقد تركز الخلاف الأكبر بين تركيا والولايات المتحدة فيما يتعلق بتأسيس ممر السلام، حول مدى عمق المنطقة المختارة. الجواب على هذا التساؤل ليس واضحاً بعد. لكن البيان ذكر أن التحكم في هذا الأمر سيتم بالتعاون مع الولايات المتحدة، مع أن كيفية تنسيق ذلك ليست واضحة. إذا تم التغلب على هاتين المسألتين الرئيسيتين بسلاسة في الأيام المقبلة، فقد يكون هناك بصيص أمل في إيجاد حل مستدام لمشكلة شمال سوريا، واللاجئين السوريين الذين يرغبون في العودة إلى ديارهم.
وقد قامت تركيا بالفعل بإرسال الشحنات العسكرية اللازمة إلى المناطق الحدودية. ولعل التوصل إلى هذا الحل من خلال الوسائل الدبلوماسية ما كان ليتم لولا الرسالة الحازمة التي أرسلتها تركيا للولايات المتحدة بأن هذه القضية لن يتم التغافل عنها، إلى أن تصبح الحدود الجنوبية آمنة تماماً.
ومع ذلك، إذا استخدمت الولايات المتحدة هذا الاتفاق للمماطلة وتمطيط الوقت لفترة أطول، بهدف تأخير التدخل العسكري التركي في المنطقة، فقد تواجه العلاقات بين البلدين صعوبات أكبر.
سبق للرئيس السابق باراك أوباما أن تعهد أنهم لن يعبروا إلى منطقة غرب الفرات، لكنهم لم يفوا بعهودهم تلك. كما نكثوا بوعودهم بعدم العمل مع ميليشيا "ي ب ك" بعد انتهاء معركة الرقة. كما لم يتم الالتزام بعدم منح أسلحة ثقيلة لتنظيم "ي ب ك". وتم التراجع أيضاً عن التعهد بانسحاب "ي ب ك" من منبج. وعلى النقيض مما تعهد به الرئيس دونالد ترامب، فإن القوات الأمريكية في سوريا لم تنسحب.
لكل ما ذكر آنفاً، ربما يكون هذا الاتفاق بمثابة الفرصة الأخيرة للولايات المتحدة كي تحافظ على مصداقيتها بنظر تركيا في الشأن السوري