أزمات العالم تدور في حلقة مفرغة
تدل التطورات الأخيرة التي تسود أنحاء مختلفة من العالم على نشوء نظام دولي متزعزع وغير مستقر، الأمر الذي من شأنه أن يولد مخاطر سياسية وأمنية خطيرة في المستقبل. في الواقع، لم يشهد تاريخ البشرية في أي عصر من عصوره سلاماً واستقراراً تامين، لكن الأحداث المتلاحقة التي وقعت في فترة زمنية قصيرة للغاية تظهر أن النظام الدولي الحالي يشكل تحدياً أكبر مما سبق، نظراً إلى القدرات التدميرية المتزايدة التي تمتلكها دول العالم وازدياد تأثير الجهات الفاعلة الحكومية منها وغير الحكومية.
علاوة على ذلك، فإن تزامن نشوب عدة أزمات في أنحاء مختلفة من العالم في نفس الوقت، يمنع المجتمع الدولي من تركيز جهوده لحل كل أزمة على حدة. وفي وقتنا الحاضر تبرز الحرب التجارية بين أكبر اقتصادين في العالم على واجهة الأحداث. فقد انخرطت الصين والولايات المتحدة في مواجهة اقتصادية من المتوقع أن تمتد إلى السنوات المقبلة. في عهده اعتبر الرئيس الأمريكي "بيل كلينتون" النهوض الاقتصادي للصين وعضويتها في منظمة التجارة العالمية، فرصة لظهور شريك قوي للولايات المتحدة خلال ما يقرب من عقدين من الزمن. لكن اليوم، يعتبر الرئيس دونالد ترامب صعود الصين بمثابة التهديد الأكثر إلحاحاً لمصالح الولايات المتحدة القومية ورفاهية الشعب الأمريكي.
تعكس مثل هذه المواجهة تداعيات مؤكدة على الاقتصاد العالمي، والأخطر من ذلك أن مخاطر هذه المواجهة تطغى أحياناً على التهديدات المحتمل نشوؤها في مناطق مختلفة.
والقرار الأخير الذي اتخذته الحكومة الهندية بإلغاء الحكم الذاتي في ولاية كشمير يمثل أحد هذه القضايا. فقد أدى القرار بحد ذاته والحصار التالي له الذي فرضته الحكومة الهندية على المنطقة، إلى مواجهات عنيفة بين الكشميريين والحكومة الهندية، فضلاً عن مواجهات محتملة بين قوتين نوويتين هما باكستان والهند. وبالرغم من خطورة الوضع، لم يول المجتمع الدولي هذه القضية ما يكفي من الاهتمام لاحتواء الأزمة وحلها. وبالمثل، ظهرت مؤخراً بوادر أزمة في بحر الصين الجنوبي بسبب مطالبات دول متعددة بجزر "سبراتلي"، مما أدى إلى تزايد التوتر الذي يولد مخاطر كبيرة على مستقبل المنطقة.
في الأسبوع الماضي، نشأ توتر بين الصين والولايات المتحدة بسبب الاتهامات المتبادلة بانتهاك المياه الإقليمية، فاتهمت بكين البحرية الأمريكية بمحاولة فرض "الهيمنة الملاحية" في بحر الصين الجنوبي.
وفي خضم كل هذا، تبدو التطورات في الشرق الأوسط أكثر تعقيداً. فمن مزاعم قيام المتمردين الحوثيين بالهجوم على منشآت النفط السعودية، والتوتر المتزايد في منطقة الخليج، والحملة الانتخابية الإسرائيلية، ووعود رئيس الوزراء الإسرائيلي بضم مناطق إضافية من الأراضي الفلسطينية، تشير كلها إلى تصعيد خطير في الشرق الأوسط.
في غضون ذلك، تستمر الأزمات في سوريا وعدم الاستقرار في العراق بتشكيل تحدياً متكرراً للأمن الدولي في العقد الأخير.
لقد أصبحت هذه التصعيدات الخطيرة مثيرة للقلق بشكل متزايد خصوصاً عندما ينظر المرء إلى جدل أصحاب المصلحة المحتملين.
غالبًا ما تستخدم الإدارة الأمريكية عبارة "عدم اليقين" و"عدم القدرة على التنبؤ" عندما يتعلق الأمر بالسياسة الخارجية. خصوصاً في الأمور التي لن يتم حلها أبداً.
بينما يتعامل الاتحاد الأوروبي مع مشاكله الداخلية الخاصة مثل صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة والمناقشات التي لا تنتهي بشأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
كذلك تعكس الاحتجاجات التي جرت في هونغ كونغ الشهر الماضي المشاكل التي من المحتمل أن تواجهها الصين في المستقبل. الأمور تزداد صعوبة وتبدو الصورة أكثر قتامة مما كانت عليه في أعقاب الحرب الباردة مباشرة. يبدو أننا ندخل حقبة جديدة، قد تكون بداية نهاية العالم الذي عرفناه.