إنما الأمم الأخلاق ما بقيت
في حياتنا الخاصة لسنا معفيين من الأخلاق الحميدة مهما كانت الأسباب والمبررات ، التعامل مع الوالدين مع الأصدقاء مع الأولاد مع الزوجة مع الموظفين مع من لدينا معهم اتصالات متكررة وحياة يومية ألا يستحق منا هؤلاء نفس الاحترام والأخلاق التي نبادل فيها الغريب اعتقد اننا نحتاج إلى أكثر من ذلك مع من نعيش ونتبادل معهم في كل يوم أطراف الحديث والتعامل .
وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه وسلم أحاديث وآثار كثيرة تبين أهمية الأخلاق وضرورة تحلي المجتمع بهذه الأخلاق لينال الأجر أولاً من الله سبحانه وتعالى ثم ليستمر التعايش والحياة الجميلة بين الناس .
ففيما يرويه أبو هريرة رضي الله عنه " إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق" رواه البخاري و في الأخلاق عامة قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( خياركم أحاسنكم أخلاقا ) رواه الترمذي وفي معاملة الوالدين وبرهما، والاهتمام بهما وتقديمهما على غيرهما
: جاء رجل إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال : ( يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال : أمك، قال : ثم من؟ قال : أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أبوك ) رواه مسلم .
وفي معاملة الزوجة خاصة، والمرأة عامة ـ سواء كانت أماً أو أختاً أو بنتا أو زوجة ـ يقول ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي ) رواه الترمذي. و قال عليه الصلاة و السلام : ( استوصوا بالنساء خيراً ) رواه البخاري .
وحفاظاً على المجتمع من انتشار الرذيلة واعتيادها : كان ـ صلى الله عليه وسلم ـ يأمر بالستر وينهى عن الفضيحة فيقول: ( من ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة ) رواه البخاري .
ويفتح طريق التوبة للمذنب، بل ويأمر صاحب المعصية أن يستر على نفسه، ولا يجهر بمعصيته أو يفتخر ويُحَّدِّث بها، فيقول ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( كل أمتي معافى، إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملاً، ثم يصبح وقد ستره الله، فيقول: يا فلان عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه، ويصبح يكشف ستر الله عنه ) رواه البخاري . وفي مراعاة أحوال الكبار وإكرامهم،
والرفق بالصغار ورحمتهم، يقول ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( ليس منا من لم يعرف حق كبيرنا، ويرحم صغيرنا ) رواه أحمد .
ويهتم بأمر الجار والضيف فيقول ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذِ جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الأخر فليكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت ) رواه البخاري .
ويحث على الأمانة وعدم الخيانة فيقول ـ صلى الله عليه وسلم ـ ( أدِّ الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخُن من خانك ) رواه البخاري . وفي التقاضي: ( إن خياركم أحسنكم قضاء ) رواه البخاري . وفي البيع والشراء: ( مَن غَشَّنا فليس منا ) رواه مسلم .
وقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( رحم الله رجلاً سمحاً إذا باع ، وإذا اشترى ، وإذا اقتضى ) رواه البخاري . ويرسخ قيمة وخلق العدل ـ لأهميته في بناء المجتمع والأمة ـ في كلمته ووصيته التي خلدها التاريخ، حينما رد شفاعة حِبه أسامة بن زيد في العفو عن المرأة المخزومية التي سرقت، فقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( أيها الناس، إنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وايـم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها ) رواه البخاري .
ولاشك أننا وبعد النظر والمقارنة فيما سردناه من أحاديث للنبي صلى الله عليه وسلم ومقارنته بما يحصل اليوم وما نشاهده من حالات غريبة وعجيبة من انسلاخ عن الأخلاق وبعد عن مكارمها بل وانخارط في أسوء الأخلاق وأرذلها نجد اننا أفراداً وجماعات بحاجة ماسة إلى أن نعيد صياغة منظومة الاخلاق اليومية ونراجع انفسنا في مدى تطبيقنا لهذه المنظومة الحياتية اليومية مع أنفسنا أولاً ثم مع أولادنا وأسرنا ثم مع مؤسساتنا وإداراتنا
فكم نرى من الظلم وحب الأنا والبعد عن الأخلاق السوية في مجتمعاتنا ولذا فإن المسؤولية الملقاة على عاتق كل قادرٍ على تغيير الأخلاق الغير حميدة مسؤولية كبيرة فالذين يجعلون سوء الأخلاق والكذب والظلم وأكل أموال الناس بالباطل وإراقه الدماء نظامهم لن يفلحوا ولن ينجحوا ولن يتقدموا ولن تنهض بهم الأمة والمجتمعات ولنعلم جميعاً ان الحياة والنهضة لن تستمر إلا بالاخلاق الحمية والتعاملات العادلة .
إنما الأمم الأخلق ما بقيت فإن همُ ذهبت أخلاقهم ذهبوا