اغتيال الحريري طوى مشروعاً.. وحُكم المحكمة يطوي الاغتيال

اغتيال الحريري طوى مشروعاً.. وحُكم المحكمة يطوي الاغتيال
اغتيال الحريري طوى مشروعاً.. وحُكم المحكمة يطوي الاغتيال

اغتيال الحريري طوى مشروعاً.. وحُكم المحكمة يطوي الاغتيال

كتب منير الربيع في "المدن": اليوم الثلاثاء 18 آب 2020 ضُحّي برفيق الحريري. دُفنت القضية والمحكمة الدولية معاً. لا حاجة للدخول في تفاصيل وسرديات الحكم ومقدّمته. ولا للجدال في عدم محاكمة التنظيم بل أفراد، وسياق الجهل والتجهيل وعدم العلم أو عدم تحديد الهويات وما يرتبط بها. وحتماً من دون الوقوع في أفخاخ نظرية المؤامرة أو المكائد المضادة.

خيبة 15 سنة

15 سنة أُريد لها أن تطوى، بلا حكم واضح، أو بلا كفاية أدلّة، وبما لا يشفي غليل من شُحن عاطفياً وسياسياً في انتظار حكم وقرار كبيرين، ستكون تداعياتهما أكبر. ليست المحكمة الدولية من يتحمّل المسؤولية. بل من خاض المعركة منذ اليوم الأول في ظل التصعيد والانقسام الكبير، حتى مرحلة التسويات والتهدئة وتغيير الاتهامات السياسية أو القضائية.

حقبة وهج المحكمة الدولية طُويت بعد مرور 15 سنة على الجريمة، وطويت معها حقبة سياسية متكاملة في المشرق العربي كلّه. من اغتيال الحريري، وما سبقه من أحداث وتطورات كبرى في المنطقة كلها.

ومن أدار المعركة يتحمّل جزءاً كبيراً من المسؤولية في سوء إدارته أو طفوليته، تقنياً وسياسياً. أما استراتيجياً فللقضية حديث آخر وتداعيات أخرى. ولا يمكن لأي حكم صادر عن أية جهة دولية أن يؤسس إلى تغيير أو يغيّر في مسارات هدف الاغتيال وتداعياته.

شرق أوسط إيراني

لم يكن رفيق الحريري شخصاً ولا فرداً من عائلة، ولا رئيساً للحكومة كغيره. كان اسماً لمشروع، بدأت ملامحه بالظهور في المنطقة العربية ما قبل التسعينيات واتفاق الطائف: "الأرض مقابل السلام" في فلسطين. وهذا المشروع بدأت معالم انتهائه منذ ما بعد 11 أيلول والحرب على الإرهاب، والذي سمّي في ما بعد "مشروع الشرق الأوسط الجديد".

والمشروع هذا يتناقض مع مشروع "الأرض مقابل السلام". وباجتياح العراق، وسقوط صدام حسين، بدأت ترتسم معالم المشروع الجديد، وأُسِّس لتوسع دور إيران واستحواذها على المنطقة العربية. وامتد المشروع إلى فلسطين ما بعد تصفية ياسر عرفات، ودخلت الساحة الفلسطينية في صراعات وتجاذبات أجهضت القضية وأجهزت عليها، ترتيباً للوصول إلى ما يعرف اليوم بصفقة القرن.

صناعة الإرهاب السُّني

بعد عامين على اجتياح العراق، واغتيال ياسر عرفات، جاء اغتيال رفيق الحريري في وسط بيروت. خرج الجيش السوري من لبنان، لكن الوصاية انتقلت إلى إيران وصنيعتها الاستراتيجية، حزب الله. في عملية الاغتيال ارتسمت معالم التأسيس لما يعرف في ما بعد بالتنظيمات الجهادية المتطرفة في سوريا: جبهة النصرة وتنظيم داعش مثلاً.

ففي الشريط الذي يتبنى زوراً اغتيال الحريري، وعرف باسم شريط أبو عدس، ظهرت للمرة الأولى تسمية النصرة. وفي حيثيات الحكم الصادر عن المحكمة، وإشارته إلى المتهمين المنتمين إلى حزب الله، وثبوت تورط سليم عياش ومصطفى بدر الدين عن سابق تصور وتصميم في اغتيال الحريري، إقرار بشراء شاحنة الميتسوبيشي والأجهزة الخلوية والخطوط الهاتفية من طرابلس، المدينة السنية الأكبر، حيث بدأ تشغيل الخطوط. وهذا فيما بعض المنفذين، سجلات قيدهم في بيروت.

السيناريو واضح، اتهام "التطرف السنّي" باغتيال الزعيم السنّي الأبرز. كأنما هذا كان التأسيس الأولي لطريقة التصرف مع الثورة السورية وتخريبها بواسطة الجماعات الإرهابية المتطرفة.

المفاوضات الأميركية - الإيرانية

وهذان الإرهاب والتطرف شهدا تكاملاً وتقاطعاً للمصالح في صناعتهما بين النظامين الإيراني والسوري أولاً. ثم بين والأميركيين والإيرانيين لمواجهتهما في العراق، حيت حصل في القتال المشترك بين الطرفين ضد تنظيم داعش.

وهذه الرواية تأسست عليها المفاوضات الإيرانية – الأميركية، وأنتجت الاتفاق النووي. وفي هذا السياق السياسي كلّه نشأ مشروع الشرق الأوسط الجديد، والذي يقوم على تفتيت دول المنطقة وإسقاط بنيانها، على أسس الصراعات المذهبية والطائفية والعرقية.

ولقد تحقق هذا المشروع في العراق وسوريا واليمن، وهو بلغ لبنان، بفعل ما يعيشه منذ سنوات وصولاً إلى استفحال أزمته منذ أشهر.

وفي هذا السياق المدمر تصبح المحكمة وحكمها تفصيلاً في المعطى السياسي، بمعزل عن الحكم وماهيته. ولو صدر الحكم فرضاً بإدانة حزب الله كتنظيم، لما كان في وسع المحكمة تنفيذ حكمها، لأسباب سياسية أيضاً. وما كان يمكن الرهان على أن المحكمة ستكون مقدمة لحلّ حزب الله مثلاً، وفق ظن بعض المتحمسين.

اغتيال الحريري طوى صفحة مشروع. وحكم المحكمة يطوي صفحة الاغتيال، ولن يسهم في استعادة المشروع، بل في الإمعان بنسيانه.

المصدر: المدن

* الآراء الواردة تعبر عن راي الكاتب، ولا تعبر عن رأي " وكالة نيو ترك برس الاخبارية".

مشاركة على: