القدس لم تخسر معركة قط.. فماذا عنا؟
تسعى "منظمات المعبد" اليهودية المتطرفة، لحشد المستوطنين المتطرفين، للمشاركة في اقتحام المسجد الأقصى المبارك، في 28 من رمضان، الموافق 10 من أيار (مايو) الجاري، بالتزامن مع ما يسمى "يوم القدس"، في التقويم العبري.
يقول المقدسيون إن استفزازات جيش الاحتلال والمستوطنين، بدأت باقتحام جنود الاحتلال لمئذنتي المغاربة والسلسلة، في الجهة الغربية للمسجد الأقصى المبارك، وقطع الأسلاك الكهربائية؛ لئلا يبلغ صوت صلاة التراويح إلى احتفالات المستوطنين، في تلك الناحية من المسجد، أما الاستفزاز الأكبر، فكان بوضع الحواجز عند ساحة باب العامود، وهي ساحة رئيسة، ينظم فيها المقدسيون بعض أنشطتهم الثقافية، والمتضامنة مع القدس والأقصى.
وبعد أسبوعين من ثبات المقدسيين، أجبروا قوات الاحتلال الإسرائيلي، على رفع الحواجز في 14 رمضان، بعد هبة جماهيرية مقدسية، اشتبكت مع جيش الاحتلال والمستوطنين، أسندها عمل شعبي في الضفة المحتلة، وحملات الرباط في الأقصى من الداخل الفلسطيني المحتل، وعمل شعبي وعسكري من قطاع غزة، وهي الجولة الثالثة التي تنتصر فيها القدس، بعد جولتي البوابات الالكترونية عام 2017، ومصلى باب الرحمة عام 2019.
ومع ذلك الانتصار المرحلي، فإن معركة القدس لم تنته بعد، بل أخذت ثلاث مسارات، الأول: إعادة الحواجز الحديدة في ساحة باب العامود، والثاني: مخطط تهجير (500) مقدسي، يقطنون (28) منزلا، في حي الشيخ جراح، والثالث: استمرار الاستفزازات اليهودية والاقتحامات للمسجد الأقصى.
يهدف المسار الأول، إلى تحقيق السيادة الإسرائيلية على المسجد الأقصى المبارك، والتحكم بأعداد المصلين داخل المسجد، وذلك بمنع من شاء وقتما شاء.
ويسعى الاحتلال الإسرائيلي من خلال المسار الثاني، إلى بناء مستوطنة على أنقاض البيوت الفلسطينية؛ لتغيير الطبيعة الديمغرافية للمدينة.
أما الثالث، فمبتغاه فرض التقسيم الزماني والمكاني للمسجد، وذلك بتثبيت مواعيد للمستوطنين؛ لأداء طقوسهم التلمودية في المسجد، وهذه الاقتحامات متكررة وفي أوقات محددة، لكن دون أداء طقوسهم داخل المسجد. أما الأخرى وهي التقسيم المكاني، فهي الأخطر؛ إذ ترمي الجماعات اليهودية المتطرفة بالتعاون مع جيش الاحتلال، إلى تخصيص جزء من المسجد الأقصى للمستوطنين، يحرم على المسلمين الوصول إليه، وهذه آخر مرحلة لإقامة هيكلهم على أنقاض المسجد الأقصى المبارك.
هذه المعركة يقاتل فيها أهل القدس بشجاعة، على جبهاتها الثلاث، لكن وحدة صفهم، وتمسكهم بحقوقهم، لا يكفيان للحفاظ على الحقوق المقدسية، فهم بحاجة إلى إسناد عالمي؛ لإسقاط مشاريع تهويد تاريخ القدس وتراثها الإنساني.
إن هذه المرحلة من المواجهة في القدس، تستدعي جرأة عربية وإسلامية ودولية، في الدفاع عن الوجود الإسلامي والمسيحي في المدينة، فمتى يعزل الاحتلال الإسرائيلي ويقاطع؟ ومتى تخطو دول العالم والمؤسسات الحقوقية خطوة جادة لمحاكمة القادة الإسرائيليين؟ ومتى تضع الأمة آليات عمل لإسناد الصمود المقدسي؟
وما لم يجد الاحتلال الإسرائيلي رادعا، فليس واردا أن تتوقف إجراءاته التعسفية، في القدس والضفة المحتلة، وما يعزز فرضية استمرارها، الأزمة السياسية التي تواجه نتنياهو، فقد يجد ضالته في تسخين المشهد؛ للهروب من عقدة تشكيل الحكومة، والملاحقة القضائية له.
وباختصار فإن استمرار تلك السياسة، هو أفضل وصفة لانتفاضة جديدة، سيما مع حالة انسداد الأفق التي تشهدها الساحة الفلسطينية، عقب تأجيل الانتخابات الفلسطينية، وليس مستبعدا أن تتحول إلى تصعيد عسكري، أو عدوان إسرائيلي على قطاع غزة، في حال انفلات الأمور الأمنية في الضفة المحتلة.
وقد بدأت هذ الصورة بالتشكل في الضفة المحتلة، بعملية إطلاق النار على جنود الاحتلال عند حاجز زعترة قرب نابلس، والتوقعات الأمنية الإسرائيلية، تفيد بتكرار هذه العملية، وهذه نتيجة طبيعية لاستمرار الاستيطان، حتى استولت المستوطنات على (2.2) مليون دونم، من أراضي القدس والضفة المحتلة، وعمليات التهجير، وهدم البيوت، وانتشار الحواجز، التي بلغت (705) حاجزا، حسب إحصاء مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA) في شهر تموز (يوليو) 2018.
السياسة الإسرائيلية أحبطت حتى المؤمنين بعملية التسوية، فبعد أكثر من (27 عاما) من المفاوضات، يجد الفلسطينيون أنفسهم صفر اليدين، في مقابل التوسع الإسرائيلي، وذلك سيعني تحولا في القناعات وبرامج العمل، والاختبار القادم للقدس والضفة، هو التصدي للاقتحام المرتقب للأقصى، ولابد للدفاع الفلسطيني عن ثالث مساجد المسلمين، من دعم وتأييد عربي وإسلامي.
القدس لم تخسر معركة قط، سيما في رمضان، لكن قد نخسر نحن عروبتنا وإسلامنا وإنسانيتنا، إن تركناها وحيدة تصارع من أجل ألا يموت الحق والعدل في عالمنا.