الأجانب ومخاطر تجاوز "حدود السرعة" في قطاع التعليم العالي التركي
د. ياسين أقطاي
في تركيا، يتجاوز التطور في مجال إنشاء الجامعات حدود السرعة المعتادة. وقد أدت هذه "السرعة الزائدة" إلى أن تحتل تركيا المرتبة الأولى عالميا في مجال التعليم العالي في وقت قصير غير متوقع. فهي الدولة التي تضم أكبر عدد من طلاب الجامعات مقارنة بعدد سكانها، إن لم يكن البلد الذي يضم أكبر عدد من الجامعات.
في عالم يحتل فيه قطاع الخدمات موقعا مركزيا مقارنة بقطاعات الزراعة والصناعة، يمكن القول إن تركيا اتخذت موقفا سريعا ومناسبا. فالركيزة الرئيسة للتنافس في قطاع الخدمات هي التعليم الجامعي المتطور والمتنوع، أي أن الجامعة لا تتحقق من خلال نوع واحد من التعليم، بل يجب أن تكون كيانا متعددا متنوعا يتفاعل مع المتطلبات الخدمية والتعليمية المختلفة. المجتمع والعالم يتغيران ويتطوران بسرعة كبيرة والتشابك بين القضايا يزداد، وينبغي للجامعة وسط هذا العالم المتحرك المتغير ألا تعيش في حالة جمود، وتتحول إلى مجرد أرشيف للمعرفة البشرية، بل عليها أن تكون الماكينة التي تنتج الإجابات، وتقترح الإجراءات اللازمة لمواكبة التغيرات التي يشهدها المجتمع والعالم وترشيد ذلك التطور.
اليوم في تركيا، هناك هيئة تعليم عال تمتلك نهجا يستجيب للمتطلبات التي تفرض على الجامعة تنويع التخصصات، ولأداء هذه الإدارة مميزاته وعيوبه، وقد حققت الجامعات ذاتها، في هذه الأثناء، قدرا كبيرا من التنوع داخلها.
بالطبع، يمكن تفسير زيادة عدد الطلاب في تركيا مقارنة بالسكان من منظور آخر، إذ لا يزال عدد السكان الشباب أكبر مقارنة بالدول المتقدمة. ومع ذلك، لم تبلغ نسبة الطلاب الجامعيين في تلك البلدان أبدًا هذا المستوى حتى عندما كان لديها مزيد من السكان الشباب، وذلك لأن قطاع الخدمات لم يكتسب وزنًا كبيرًا في هذه الدول.
اليوم، هناك طلب عالمي متزايد على تدريب مزيد من الموظفين ذوي الياقات البيضاء. وهذا يتطلب مزيدا من الشباب للدراسة في الجامعات. ولا تزال تركيا قادرة على توفير هؤلاء الشباب.
ولكن هناك عائقًا، وهو أن التوسع في التعليم العالي له تأثير خطير على النسيج الاجتماعي؛ فمعه، يتغير نمط الحياة، ويتقدم سن الزواج كثيرا، لدرجة أن هذا المسار في مراحله المتقدمة يقلل من نسبة الشباب إلى عدد السكان الكلي بشكل كبير، ويضع البلاد في الحلقة المفرغة التي تعاني منها الدول الغربية حاليا؛ فالجامعات هناك يتناقص عددها اليوم، بدل أن يتزايد، وبدأت قضية الجامعات التي تغلق أبوابها في الولايات المتحدة وأوروبا تظهر على جدول أعمال تلك الدول. وسبب المشكلة أنه لا يوجد عدد كافٍ من الطلاب، لأن متوسط عمر السكان يرتفع، وتقل نسبة السكان في سن الدراسة.
"السرعة الزائدة" ترتبط بالخوف من خطر الحوادث والمضاعفات، وينطبق هذا على النمو الذي شهده قطاع التعليم العام التركي في مدة قصيرة، ومضاعفات هذه السرعة نعيشها بالفعل
الجامعات التي لديها رؤية أوسع تعتمد على الطلاب الأجانب لدعمها. ولكن هذا يقتضي أن يقبل المجتمع بأكمله الطلاب الأجانب ويعاملهم بحسن نية. وقد حدثت زيادة كبيرة في عدد الطلاب الأجانب في تركيا بالتوازي مع التوسع في التعليم العالي -وهو أمر يستحق تقييمًا منفصلًا- وأسهمت هذه الزيادة في وضع الجامعات التركية على الخريطة العالمية، وفي ربط الثقافة والاقتصاد والسياسة التركية بالعالم. ويبلغ عدد الطلاب الأجانب حاليًا أكثر من 300 ألف، والمخطط هو زيادتهم إلى 500 ألف ثم إلى مليون.
هيئة التعليم العالي تستعد لهذه الزيادة في عدد الطلاب الأجانب في الجامعات التركية، ولكن الاستعداد ينبغي ألا يقتصر على رفع تصنيفات الجامعات. فلسوء الحظ، لدينا مشكلة معاداة الأجانب التي تهدد تحقيق هذه الأهداف. إذ إن هناك نهجا "سطحيا، غبيا، جاهلا"، يرى الطلاب الأجانب الذين يدرسون في جامعاتنا عبئا على الاقتصاد الوطني أو البلاد ككل. وهذا في الواقع تخريب كامل لأهداف تركيا في النمو والقوة والتأثير في العالم. ووصف أصحاب هذا النهج بذلك إنما افتراض لحسن نيتهم، لأنه إن لم يكن "غباء" فهو خيانة واضحة.
يجب على هيئة التعليم العالي، بالتعاون مع مؤسسات أخرى، كوزارة الداخلية، وإدارة الهجرة، ووزارة العدل، ومنظمات حقوق الإنسان، ووزارة السياحة، ودائرة الاتصال التابعة لرئاسة الجمهورية، العمل معا على حل هذه المشكلة لخلق التوافق الاجتماعي الضروري لتحقيق هذا الهدف ولخلق بيئة مواتية للطلاب الذين يدرسون في تركيا. ينبغي ألا يتعرض طالب أجنبي -أقنعناه بالدراسة في تركيا- لنظرات تمييزية ومتشككة أو غير راضية، من قبل الموظفين، أو من زملائه في الصف، أو عند دخول البلاد في طابور جوازات السفر، أو في الشارع، أو في السكن الذي يقيم فيه، أو في المتجر الذي يتسوق فيه.
وصفنا التوسع الذي حدث في مجال التعليم العالي في تركيا بأنه يتسم بـ"السرعة الزائدة". وعندما نستخدم مثل هذا المصطلح، فإن الخوف من أخطار الحوادث والمضاعفات يقفز إلى أذهاننا قبل تصور الإيجابيات. واليوم، من المستحيل ألا يكون للتوسع فائق السرعة في التعليم العالي في وقت قصير مشاكل أو مضاعفات. ونحن نعيش هذه المضاعفات بالفعل.