تقرير مهن (12) “المسحراتي”.. مهنة رمضانية تراثية لا تندثر

تقرير مهن (12) “المسحراتي”.. مهنة رمضانية تراثية لا تندثر
تقرير مهن (12) “المسحراتي”.. مهنة رمضانية تراثية لا تندثر

تقرير مهن (12) “المسحراتي”.. مهنة رمضانية تراثية لا تندثر

تقرير:أمينة سعيد
المسحر، لفظًا مشتقًا من السحور، وهي مهنة يُطلقها المسلمون على الشخص الذي يوقظ الصائمين في ليل شهر رمضان لتناول وجبة السحور,فهي مهنة ارتبطت بشهر رمضان .
يطلق على المسحراتي عند الأتراك اسم””الضافونجو” وعلى الرغم من وجود أدوات التنبيه الحديثة لا زال مسحراتي رمضان يتجول في مدن تركيا قارعاً طبلته ومردداً عبارات وأشعار ليوقظ الناس قبل الفجر.
قد يظن البعض أن الطبلة أصبحت مصدر إزعاج للنائمين، ولكنها أصبحت موروثاً قديماً تجاوزه الزمن، لاسيما بعد التقدم الكبير في وسائل التنبيه الحديثة، كمنبه الساعة والهاتف الجوال، وغيرهما، إلا أن الأتراك لا يرون ذلك مطلقاً بل يصرون على التمسك بهذا الموروث العثماني، بالإضافة إلى تنظيم واهتمام الدولة بمهنة المسحراتي.
وتعد مهنة المسحراتي من المهن الخاصة المميزة خلال الشهر الفضيل  فعلى الرغم من مرور مئات الأعوام على مهنة المسحراتي في تركيا،إلا أن المسحراتي يبقى أحد أهم مظاهر الجمال الروحي في أيام رمضان.
وما يميز مهنة المسحراتي في تركيا أنها مهنة ليست عشوائية فمع كل رمضان تمنح المجالس البلدية في تركيا تصاريح لمن يمتهنون مهنة المسحراتي، لإيقاظ الناس من نومهم.
في رمضان يسارع المسحراتي قبل رفع أذان الفجر بنحو ساعة ونصف، للتجول في الأزقة والحارات والشوارع لإيقاظ الناس ويصدح صوته في مدن تركيا الرئيسة والتي تربطها علاقة تاريخية وطيدة مع الدولة العثمانية (1299- 1923)، مثل إسطنبول وآفيون (غرب) وقونيا (جنوب غرب) وبورصة (شمال غرب)، وهي مدن تشكل بدورها تحفة فنية رائعة لفن العمارة والهندسة الإسلامية الذي يتلاقى مع الأجواء الرمضانية.
والجميل في هذه المهنة أن المسحراتي لا يعمل بمفرده فعادة ما يرافقه شخص آخر ينادي بصوته من خلال تلحين عبارات وقصائد وأشعار محفوظة: منها “قوموا إلى سحوركم”، و”قوموا إلى صلاتكم واذكروا الله”، وذلك لتنبيه الناس بأن موعد السحور قد حان.
كما جرت العادة أن يأخذ المسحراتي أجرته من أصحاب الحي الذي يعمل فيه، فينتظر مجيء منتصف رمضان ويوم عيد الفطر، حتى يمر بطبلته من أمام المنازل، فينهال الناس عليه بالهدايا والمال والحلويات، مهنئين إياها بقدوم العيد.
وفي لقاء مع المسحراتي  “خالد كسكن” (18 عاما)  يقول:” أفتخر بعملي منذ أن كان عمري عشر سنوات مع والدي في مهنة المسحراتي بمنطقة أوسكدار في الطرف الآسيوي من إسطنبول”، معتبراً هذه المهنة هي جزء من الثقافة العثمانية التي يجب المحافظة عليها والافتخار بها”.
ويلفت كسكن أن هذه المهنة ميراث أجداده العثمانيين متأسفاً لقلة الاهتمام بها في الآونة الأخيرة مؤكداً أنهم يحيون هذه المهنة ويحافظون عليها هو ووالده
مضيفاً بقوله:” أن “الشعور بأنك تنتمي إلى ثقافة وتحافظ عليها شيء جميل جداً، ويعطينا سعادة كبيرة للغاية”.
وبين خلال حديثه أنه بالرغم من وجود بعض المشقة في مهنة المسحراتي إلا أنه يجب المحافظة عليها من الاندثار ويتابع كسكن عن حياته اليومية في رمضان يقول:””لدي يوميا أعمال متنوعة في التجارة والنقل وغيرهما، وبالليل أخرج لإيقاظ الناس من خلال الطبلة الخاصة بي”
وبالعودة إلى التاريخ سنجد أنه في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام،كانوا يعرفون وقت الصلاة بأذان “بلال بن رباح”، ويعرفون الامتناع عن الطعام بأذان “عبد الله ابن أم مكتوم”.
وفي مكة المكرمة كان “الزمزمي” ينادي من أجل السحور، وكان يتبع طريقة خاصة بحيث يرخي طرف حبل في يده يتدلى منة قنديلان كبيران حتى يرى نور القنديلين من لا يستطيع سماع ندائه من فوق المسجد.
ويذكر المؤرخون أيضاً أن ظهور المسحراتي وجد حين لاحظ والي مصر “عتبة بن إسحاق”عدم انتباه الناس إلى وقت السحور، ولا يوجد من يقوم بهذه المهمة آنذاك؛ فتطوع هو بنفسه لهذه المهمة فكان يطوف شوارع القاهرة ليلاً لإيقاظ أهلها وقت السحر، وكان ذلك عام 238 هجرية، حيث كان يطوف على قدميه سيراً من مدينة العسكر إلى مسجد عمرو بن العاص في الفسطاط منادياً الناس: “عباد الله تسحروا فإن في السحور بركة”.

مشاركة على: