أطباء غزة بين التهجير والاعتقال والموت
طوال فترة عمله الطويلة كطبيب تخدير، وبعد مضي أربعة أشهر من الجهد الشاق والأحداث المروعة، لم يكن يرغب طبيب التخدير في مغادرة عمله في مستشفى ناصر في الشهر الماضي.
حينما اقتربت الدبابات الإسرائيلية. ومع ذلك، كان يعلم تمامًا أن الأطباء في غزة كانوا سيواجهون، في زمن الحرب، إما التهجير أو الاعتقال أو حتى الموت.
وفي تقرير نشرته صحيفة واشنطن بوست، بتأليف ميريام بيرغر، تمثل هذه الجمل الملخص العميق لمخاوف طبيب التخدير الذي قرر الفرار من خان يونس. كان يخشى أن يُتهم بدعم حماس، ويجد نفسه مضطرًا إلى خلع ملابسه والجلوس معصوب العينين، متعرضًا لما شاهده وسمعه عن الإذلال والانتهاكات التي تعرض لها الفلسطينيون في مواقع الاحتجاز الإسرائيلية. كل هذا في ظل وجود عائلة كبيرة يعول عليها.
وصف الطبيب تجربته للصحيفة، ملتزمًا بعدم الكشف عن هويته لأسباب أمانه الشخصي. هرب من المستشفى في يناير وانضم إلى الكادر المتنامي من العاملين الطبيين النازحين في قطاع غزة، حيث يعيش الآن في خيمة من النايلون.
كان طبيب التخدير يعمل مع ثلاثة آخرين، ولكنه كان الوحيد الذي وصل إلى رفح بينما عاد رفاقه خوفًا إلى المستشفى. وأوضح قائلًا: "كان هناك الكثير من الطلقات النارية والدمار، واضطررت إلى المغادرة لأن لدي عائلة كبيرة أنا مسؤول عنها".
يعتقد طبيب التخدير أن زملاءه الثلاثة قد أخذتهم القوات الإسرائيلية من مستشفى ناصر واحتجزتهم. يشير إلى أنه ربما نجح في تجاوز نقاط التفتيش بسبب وجوده مع طفل وحيد خلال الهروب.
يوجد أكثر من 100 من العاملين في المجال الطبي في السجون الإسرائيلية، ومكان وجودهم وحالتهم غير معروفين. يرجح مسؤولون في وزارة الصحة في غزة أن يكون الباقون نازحين، حيث يعيشون في خيام ويحاولون البقاء على قيد الحياة في ظل نقص الغذاء والمياه.
يخشى العديد من الأطباء من العودة إلى القطاع الطبي بسبب الأزمات الحادة، خاصة وأن سكان غزة يقفون على حافة المجاعة وتنتشر بينهم الأمراض المعدية. تحذر المحللين وعمال الإغاثة من أن الجوع والأمراض يمكن أن يؤديا إلى خسائر بشرية أكبر من الهجمات الإسرائيلية.
تشير الصحيفة إلى أنه لا يوجد نظام صحي فعّال في غزة، حيث تم تفكيك المستشفيات من قبل الجيش الإسرائيلي. وفي ظل هذه الظروف، طرح كريستوفر لوكيير، الأمين العام لمنظمة أطباء بلا حدود، سؤالًا على مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة حول كيفية الحفاظ على استجابة فعّالة في مثل هذه الظروف.
تشير معلومات إلى وجود أكثر من 100 عامل في القطاع الطبي في السجون الإسرائيلية، والتي تحتفظ إسرائيل بسلطة احتجاز السكان دون تهمة محددة وبموجب قانون المقاتلين غير الشرعيين لعام 2002، ما يعتبر انتهاكًا للقانون الدولي. تؤكد جماعات حقوق الإنسان أن اعتقالات الأطباء والهجمات على المرافق الطبية تشكل انتهاكًا للقانون الدولي.