تاريخ قطاع غزة.. وسبب التسمية
قطاع غزّة هو المنطقة الجنوبية من السهل الساحلي الفلسطيني على البحر المتوسط؛ على شكل شريط ضيّق شمال شرق شبه جزيرة سيناء.
وهي إحدى منطقتين معزولتين (الأخرى هي الضفة الغربية) داخل حدود فلسطين الإنتدابية لم تسيطر عليها القوات الصهيونية في حرب 1948، ولم تصبح ضمن حدود دولة إسرائيل الوليدة آنذاك، وتشكل تقريبا 1,33% من مساحة فلسطين.
سُمّي بقطاع غزة نسبةً لأكبر مدنه وهي غزة. تحد إسرائيل قطاع غزة شمالًا وشرقًا، بينما تحده مصر من الجنوب الغربي.
وهو يشكل جزءا من الأراضي التي تسعى السلطة الفلسطينية لإنشاء دولة ضمن حدودها عبر التفاوض منذ ما يزيد على 30 عامًا في إطار حل الدولتين.
يبلغ طول قطاع غزة 41 كم، وعرضه من 6 إلى 12 كم، وتبلغ مساحته الإجمالية 365 كم مربع، وله حدود مع فلسطين بطول 51 كم، وحدود مع مصر بطول 11 كم بالقرب من مدينة رفح.
"من بين أقدم المدن في التاريخ، غزة ليست مجرد نتاج لقرن معين أو مرحلة زمنية معينة، بل هي نتاج جميع الأجيال التي مرّت بها ورفيقة لكل العصور التي مضت، منذ بداية سطر التاريخ أولى صفحاته إلى يومنا هذا".
بهذه العبارات، وصف المؤرخ الفلسطيني المقدسيّ، عارف العارف، مدينة غزة في كتابه الذي نُشر عام 1943، حيث جمع فيه أهم المعلومات عن هذه المدينة الساحلية من مصادر مختلفة بما في ذلك الكتب العربية والإنجليزية والفرنسية والتركية.
وفي كتابٍ آخر نُشر في عام 1907 من تأليف الحاخام الأمريكي مارتن ماير عن غزة، وصفها المستشرق الأمريكي ريتشارد غوتهيل في مقدمته قائلاً إنها "مدينة مثيرة للاهتمام لكل مهتم بدراسة التاريخ".
أوضح غوتهيل أهمية غزة الاستراتيجية قائلاً إنها "نقطة تقاء للقوافل التجارية التي كانت تنقل البضائع من جنوب الجزيرة العربية والشرق الأقصى إلى البحر الأبيض المتوسط، وكانت مركزاً لتوزيع هذه البضائع إلى سوريا وآسيا الصغرى وأوروبا، وكانت همزة الوصل بين فلسطين ومصر".
ومن الملفت للانتباه، أن موسوعة "معجم البلدان" للأديب والرحالة ياقوت الحموي، ذكرت ثلاث مدن تحمل هذا الاسم في المنطقة، الأولى "جزيرة العرب" التي ذكرها "الأخطل" في شعره.
والثانية "إفريقيّة" وهو الاسم القديم لتونس، وقال الحموي إن القافلة التجارية تستغرق ثلاثة أيام لتسافر منها إلى الجزائر.
أما غزة المشهورة عبر التاريخ، وصفها الحموي بأنها "مدينة في أقصى الشام من جهة مصر، وهي إحدى نواحي فلسطين غربي عسقلان".
منذ القدم، يُطلق العرب على غزة اسم "غزة"، وفي العصر الإسلامي أُطلِق عليها "غزة هاشم" تيمناً بجد النبي محمد (عليه الصلاة والسلام) "هاشم بن عبد مناف" الذي توفي فيها، وهي التي وُلِد فيها "الإمام الشافعي" مؤسس المذهب الإسلامي الشهير، الذي قال عنها:
"وإني لمشتاق إلى أرض غزة * وإن خانني بعد التفرق كتماني"
أما في اللغة العبرية، يُطلق عليها اسم "عزة" بالعين أو بالهمزة بدلاً من الغين.
وقال العارف في كتابه "تاريخ غزة" إن الكنعانيين كانوا يُطلقون عليها "هزاتي"، والمصريون القدماء يسمونها "غازاتو" أو "غاداتو".
وذُكر في المعجم اليوناني أنها كانت تُسمى بأسماء مختلفة عبر العصور، منها "إيوني" و"مينووا" و"قسطنديا"، وصليبيون يُطلقون عليها "غادريس".
يقول يوسابيوس القيصري الذي أطلق عليه "أبو التاريخ الكنسي"، وقد عاش في القرن الرابع بعد الميلاد، إن "غزة" تعني العِزة والمَنَعة والقوة. وانضم إليه في ذلك، بحسب "العارف"، السير وليام سميث في قاموس العهد القديم الذي صدر عام 1863.
وأرجع الفريق السبب في ذلك إلى الحروب الكثيرة التي دارت رحاها في المدينة وحولها، والتي صمدت غزة خلالها، وهو المعنى الذي يميل إليه المؤرخ الفلسطيني.
أما صفرونيوس صاحب قاموس العهد الجديد الذي صدر عام 1910، فيقول إن "غازا" كلمة فارسية تعني الكنز الملكي، وهو معنى لا يبتعد كثيراً عمن يقول إن "غزة" كلمة يونانية تعني الثروة أو الخزينة.
ويُقال إن ملكاً من ملوك الفرس دفن ثروته فيها وغاب عنها، ثم رجع إليها فوجدها على حالتها. وقيل إن تلك الرواية تكررت في عهد الرومان.
وفي المعاجم العربية، يقال "غزَّ فلان بفلان" أي اختصه من بين أصحابه، وهو المعنى الذي أورده الحموي في معجمه وهو يتحدث عن مدينة غزة، ويشرح "العارف" المعنى قائلاً إن ذلك يعني أن الذين بنوا غزة، اختصوها من بين المواقع الأخرى على البحر المتوسط.
كما ذكر ياقوت الحموي أن "غزة" كان اسم زوجة "صور" الذي بنى مدينة صور الفينيقية التي تقع في لبنان حالياً.
ويقول عالم الآثار الإنجليزي السير فلندرس بتري إن غزة القديمة أنشئت قبل الميلاد بثلاثة آلاف عام، فوق التل المعروف بـ "تل العجول"، وإن سكانها تركوها بسبب الملاريا التي اجتاحتها في ذلك الوقت.
وعلى بعد ثلاثة أميال، حط سكانها رحالهم و أنشأوا غزة الجديدة الموجودة في موقعها الحالي. ويقال إن ذلك حدث في عهد الهكسوس الذين سيطروا على هذه المنطقة قبل ألفي عام من ميلاد المسيح.
وهناك من ينفي هذه الرواية ويقول إن غزة ما زالت حتى اليوم في موقعها القديم، وإن "تل العجول" كانت ميناء غزة التجاري. وهناك من قال إن غزة القديمة خربت على يد الإسكندر الأكبر، وإن غزة الحديثة ليست ببعيدة عنها كما قال السير بتري.
ويقول "العارف" في كتابه إن "المعينيين" الذين يقال إنهم أقدم شعب عربي حمل لواء الحضارة في الألفية الأولى قبل الميلاد، هم أقدم من ارتاد مدينة "غزة"، وأسسوها كمركز يحملون إليه بضائعهم.
وتنبع أهمية "غزة" لدى العرب من كونها تربط بين مصر والهند، فكانت الطريق التجاري الأفضل لهم مقارنة بالملاحة في البحر الأحمر، ومن هنا تأسست مدينة غزة واكتسبت شهرتها التاريخية.
وكانت التجارة تبدأ من جنوب بلاد العرب في اليمن، التي يجتمع فيها تجارة البلاد وتجارة الهند، ثم تسير شمالاً إلى مكة ويثرب "المدينة المنورة حالياً" والبتراء، قبل أن تتفرع إلى فرعين؛ أحدهما في غزة على البحر المتوسط، وثانيهما في طريق الصحراء إلى تيماء ودمشق وتدمر.
ومن هنا استنتج مؤرخون أن مملكة معين وسبأ أولى الممالك العربية التي أسست مدينة غزة. كما كان "العويون" و "العناقيون" الذين يقال إنهم الفلسطينيون القدماء، وجاء ذكرهم في أسفار العهد القديم، هم أول من استوطن غزة، بحسب "العارف".
كما استوطنها "الديانيون" أحفاد النبي إبراهيم، و"الآدوميون" وهي قبائل بدوية كانت تقطن جنوب الأردن، و"العموريون" و"الكنعانيون" الذين اختُلف في أصلهم.