
فضيحة في سكن طالبات ساكاريا تحقيق واتهامات خطيرة
في إسطنبول، العاصمة الاقتصادية لتركيا، تفجرت خلال الأيام الماضية قضية مثيرة للجدل هزّت الرأي العام وأثارت مخاوف واسعة بين الطالبات والأهالي، بعدما انتشرت مقاطع وصور من داخل سكن الطالبات التابع لمؤسسة التعليم العالي والمعروف باسم KYK Cevizlibağ Atatürk Kız Öğrenci Yurdu. هذه الصور التي شاركتها طالبات عبر وسائل التواصل الاجتماعي أظهرت مشاهد صادمة تمثلت في بعثرة الحقائب داخل الغرف، فقدان بعض الأغراض الشخصية، اختلاط المتعلقات بين الطالبات، ووجود دلائل على دخول أشخاص غرباء إلى الغرف خلال فترة عطلة الصيف. وزارة الشباب والرياضة التركية لم تتأخر في الرد على هذه الاتهامات، فأعلنت فورًا عن فتح تحقيق إداري عاجل بالتوازي مع إحالة القضية إلى السلطات القضائية المختصة، مؤكدة أنها تتعامل مع الوضع بأقصى درجات الجدية نظرًا لما يحمله من دلالات تمس خصوصية الطالبات وحقهن في بيئة سكنية آمنة.

الواقعة بدأت عندما عادت الطالبات إلى السكن مع بداية الموسم الدراسي الجديد بعد عطلة طويلة استمرت قرابة الثلاثة أشهر، ليتفاجأن بأن بعض الأغراض اختفت بينما ظهرت أشياء غريبة لم تكن في غرفهن، كما أن بعض الحقائب وُجدت مفتوحة أو نُقلت من مكانها. إحدى الطالبات قالت لوسائل الإعلام المحلية إنها عثرت على حقيبة ملابسها في غرفة أخرى، بينما لم تجد بعض الأدوات الشخصية مثل الإكسسوارات والكتب. طالبة أخرى أكدت أنها لم تجد أيًا من أدواتها المطبخية البسيطة، بل وجدت بدلاً منها أدوات مختلفة تخص شخصًا آخر، في حين أن زميلتها عثرت على ملابسها الداخلية في حقيبة طالبة أخرى. هذه الشهادات أثارت موجة من الغضب بين مئات الطالبات اللواتي بدأن في نشر صور ومقاطع فيديو توثّق الوضع على الإنترنت، الأمر الذي حوّل القضية من مشكلة داخلية إلى أزمة رأي عام.
الوزارة من جهتها أصدرت بيانًا رسميًا قالت فيه إن السكن كان مغلقًا خلال العطلة الصيفية لأغراض الصيانة والترميم، وإنه خلال هذه الفترة لم يكن هناك أي طالبات مقيمات، وإنه سيتم التحقيق في ملابسات دخول العمال إلى الغرف وتفاصيل الإجراءات الأمنية المتبعة، مشيرة إلى أن النتائج ستُعلن للناس بكل شفافية. وأضاف البيان أن أي خلل في حماية خصوصية الطالبات أو ممتلكاتهن غير مقبول، وأنه في حال ثبوت مسؤولية أي شخص سيتم اتخاذ الإجراءات القانونية بحقه فورًا.
لكن هذه التطمينات لم تهدّئ كثيرًا من غضب الطالبات، فقد طالبت مجموعات طلابية بضرورة التعويض عن الأغراض المفقودة، وتقديم اعتذار رسمي للمتضررات، بل ودعت بعض الأصوات إلى تغيير الإدارة المسؤولة عن السكن بالكامل باعتبارها قصّرت في حماية الحقوق الأساسية للمقيمات. الجمعيات الحقوقية بدورها دخلت على الخط، وأكدت أن ما حدث يعد انتهاكًا صريحًا للحق في الخصوصية الذي تكفله القوانين التركية والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان.
من الناحية القانونية، يرى بعض الخبراء أن الواقعة قد تفتح الباب أمام دعاوى قضائية جماعية من قبل الطالبات ضد إدارة السكن، حيث أن القانون التركي يمنح الأفراد الحق في المطالبة بالتعويض إذا ثبت تقصير المؤسسة في واجباتها. وفي حال ثبت أن دخول العمال إلى الغرف تم دون إشراف أو إذن قانوني، فقد يواجه المسؤولون تهمًا تتراوح بين الإهمال الجنائي وانتهاك الخصوصية، وهي تهم خطيرة قد تصل عقوبتها إلى الغرامة المالية أو حتى السجن.

القضية أيضًا أعادت النقاش حول البنية التحتية للسكن الطلابي في تركيا ومدى جاهزيته لاستيعاب مئات الآلاف من الطلبة القادمين من مختلف الولايات، خاصة أن الحكومة التركية خلال السنوات الماضية استثمرت مليارات الليرات في إنشاء وتجديد مساكن جامعية. ورغم ذلك، لا تزال شكاوى الطلبة مستمرة بشأن الاكتظاظ، ضعف الخدمات، وغياب الرقابة الكافية على الموظفين والعمال. ويشير محللون إلى أن ما جرى في سكن إسطنبول ربما ليس حادثة معزولة، بل مجرد انعكاس لمشاكل أعمق في منظومة السكن الجامعي الرسمي التي تحتاج إلى إصلاح جذري.
من جانب آخر، أثارت الواقعة حالة من القلق لدى أولياء الأمور الذين بدأوا يطالبون بضمانات إضافية لحماية بناتهم داخل السكن، مثل تركيب كاميرات مراقبة إضافية، توثيق عمليات الدخول والخروج بدقة، وتفعيل قنوات شكاوى فورية مع إمكانية متابعة الشكوى لحين حلها. بعض الأهالي أعربوا عن خشيتهم من أن تتكرر مثل هذه الحوادث في المستقبل، وهو ما قد يدفعهم للتفكير في سكن خاص رغم ارتفاع تكاليفه مقارنة بالسكن الحكومي، الأمر الذي يزيد من الأعباء المالية على الأسر خصوصًا في ظل ارتفاع تكاليف المعيشة.

ردود الفعل على وسائل التواصل الاجتماعي كانت سريعة وعنيفة، حيث تصدر وسم “Cevizlibağ” قوائم الأكثر تداولًا في تركيا، وامتلأت المنصات بآلاف التعليقات التي تنتقد إدارة السكن وتطالب بعقوبات صارمة. البعض شبّه ما حدث بفضيحة إدارية كبرى تهز الثقة في المؤسسات التعليمية، بينما رأى آخرون أن الأزمة فرصة لإعادة النظر في اللوائح التي تنظم السكن الطلابي.
سياسيون أيضًا لم يترددوا في التعليق، حيث دعا نواب من المعارضة إلى تشكيل لجنة برلمانية للتحقيق في ظروف الحادثة، معتبرين أن وزارة الشباب والرياضة مسؤولة بشكل مباشر عن أي تقصير. في المقابل، حاول نواب من الحزب الحاكم تهدئة الأجواء مؤكدين أن التحقيقات ستسير بشفافية وأن الدولة لن تتسامح مع أي تجاوز.
التحقيقات الإدارية والقضائية ستحدد في نهاية المطاف حجم المسؤوليات والإجراءات الواجب اتخاذها، لكن الأكيد أن هذه الفضيحة ستترك أثرًا طويل المدى على صورة السكن الجامعي في تركيا. فالثقة التي اهتزت بين الطالبات وأسرهن والمؤسسات الحكومية لن تعود بسهولة إلا إذا تم التعامل مع الملف بجدية وشفافية وجرأة في محاسبة المسؤولين.
ما حدث في سكن الطالبات بإسطنبول ليس مجرد قصة عن فقدان أغراض أو بعثرة حقائب، بل هو قصة تمس جوهر العلاقة بين المواطن ومؤسسات الدولة، قصة تعكس مدى الحاجة إلى رقابة حقيقية وإدارة رشيدة، وتفتح الباب لنقاش واسع حول حقوق الطلبة وواجبات الدولة. وفي انتظار ما ستكشفه التحقيقات المقبلة، يبقى السؤال مطروحًا: هل ستكون هذه الحادثة نقطة تحوّل نحو إصلاح شامل يضمن سلامة وأمن الطلبة، أم ستضاف إلى سجل طويل من الأزمات التي لم تجد حلولًا جذرية؟