
أنقرة تفتح جنّتها الخفية أمام الزوار
في خطوة ثقافية مهمة وغير مسبوقة تستعد العاصمة التركية أنقرة يومي العشرين والحادي والعشرين من سبتمبر 2025 لاستقبال سكانها وآلاف الزوار المحليين والأجانب ضمن فعالية واسعة النطاق تقام تحت عنوان الأيام الأوروبية للتراث وتهدف هذه الفعالية إلى فتح المباني التاريخية والسفارات والمتاحف التي كانت مغلقة في وجه الجمهور لفترات طويلة وذلك في إطار تعزيز الانفتاح على التراث المعماري والثقافي في العاصمة وإبراز قيمة الكنوز المخفية التي تحتضنها المدينة منذ عقود وتأتي هذه الخطوة ضمن جهود شبكة المعاهد الوطنية الثقافية الأوروبية بالتعاون مع بلدية أنقرة وعدد من المؤسسات الثقافية والدبلوماسية التركية والأوروبية وتعد استمرارًا لمبادرة أطلقها مجلس أوروبا عام 1985 ثم انضم إليها الاتحاد الأوروبي لاحقًا لتصبح مشروعًا مشتركًا يحتفل بالتراث الثقافي كل عام في مدن مختلفة من أوروبا وخلال يومي الفعالية سيتمكن الزوار لأول مرة من دخول مواقع ومبانٍ تاريخية مميزة كانت مغلقة أو محدودة الوصول ومن أبرزها متحف بنك الزراعة الذي يضم وثائق وصورًا ومقتنيات تروي
تاريخ الزراعة والاقتصاد في تركيا منذ العهد العثماني وحتى اليوم ومتحف استقلالية بنك الأعمال الذي يعرض مسار تطور القطاع المصرفي التركي ودوره في بناء الاقتصاد الوطني ومتحف الدولة للفنون والتصوير الذي يضم مئات اللوحات والمنحوتات النادرة لفنانين أتراك وأجانب ويعد من أبرز معالم الفنون الجميلة في أنقرة ومتحف إريمتان المتخصص في عرض قطع أثرية وفنون قديمة والمعروف بتصميمه المعماري العصري المدمج بالتراث إضافة إلى ذلك ستفتح عدة سفارات أجنبية أبوابها أمام الجمهور لأول مرة في هذه المناسبة بما في ذلك سفارات فرنسا وألمانيا والسويد وبولندا وسويسرا والنمسا والمجر والدنمارك وإيطاليا وأوكرانيا وهولندا وهذا الانفتاح يتيح للزوار فرصة نادرة للتعرف على الطراز المعماري لهذه المباني الدبلوماسية واستكشاف تاريخ العلاقات الثقافية والسياسية بين تركيا وهذه الدول من داخل مقراتها الرسمية ولن تقتصر الفعالية على فتح أبواب المباني التاريخية فحسب بل ستتضمن أيضًا تنظيم جولات إرشادية ومعارض فنية وعروض موسيقية تقليدية في الساحات العامة كما ستقام
ندوات وحلقات نقاش يشارك فيها أساتذة جامعات وخبراء تراث لتسليط الضوء على أهمية الحفاظ على المباني التاريخية ودورها في تعزيز الهوية والانفتاح الثقافي ومن بين الأنشطة اللافتة أيضًا إعداد مسارات خاصة للمشي تمر بمحطات تاريخية مهمة في وسط أنقرة مثل حي أولوس الذي يعد قلب المدينة القديم ويضم مباني حكومية وتجارية ذات طابع معماري مميز وأوضحت سارة جمريبينار ممثلة شبكة المعاهد الوطنية الثقافية الأوروبية في أنقرة أن الهدف من هذه الأيام هو تعزيز الانتماء إلى التاريخ المشترك وإبراز قيمة التراث الثقافي الأوروبي والتركي على السواء مؤكدة أن هذه الفعالية ليست مجرد جولات سياحية بل هي فرصة تعليمية وتوعوية لتعزيز فهم الجمهور لأهمية الحفاظ على التراث وحمايته للأجيال القادمة وتشير جمريبينار إلى أن فكرة الأيام
الأوروبية للتراث تقوم على إشراك المجتمع المحلي في اكتشاف الكنوز المعمارية والفنية التي عادة ما تكون مخفية خلف الجدران الرسمية وهو ما يعزز الفخر بالهوية الثقافية المشتركة ويدعم الحوار بين الثقافات ويتوقع خبراء السياحة أن تسهم هذه الفعالية في تنشيط الحركة السياحية الداخلية والخارجية في أنقرة إذ إنها تتيح للسكان والسياح فرصة نادرة لاكتشاف وجه آخر للعاصمة بعيدًا عن الصورة النمطية المرتبطة بالمكاتب الحكومية كما قد يؤدي الحدث إلى زيادة إيرادات المطاعم والمقاهي والمتاجر المحيطة بالمواقع المشاركة ما ينعكس إيجابيًا على الاقتصاد المحلي ويحفز المستثمرين على دعم مشاريع مماثلة مستقبلًا ويرى المهتمون بالتراث أن فتح هذه المباني التاريخية أمام الجمهور يعزز الوعي المجتمعي بقيمتها ويحرك الرأي العام نحو دعم مشاريع ترميمها
وصيانتها خاصة أن كثيرًا منها يعود تاريخها إلى القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين وتمثل شواهد حية على مراحل التحول الاجتماعي والسياسي في تركيا كما تستهدف الفعالية طلاب المدارس والجامعات حيث تخصص أوقات محددة لزيارات المجموعات الطلابية مع توفير كتيبات تعريفية باللغتين التركية والإنجليزية عن المواقع المشاركة لترسيخ حب التراث لدى الأجيال الشابة وتعزيز الشعور بالفخر بالهوية الثقافية المشتركة مع أوروبا ورغم أن الأيام الأوروبية للتراث تقام في عدة مدن أوروبية كل عام فإن ما يميز نسخة أنقرة هذا العام هو حجم المشاركة ونوعية المواقع المفتوحة أمام الجمهور إضافة إلى التعاون الوثيق بين مؤسسات تركية وأوروبية حكومية وخاصة وهو ما يعكس مستوى جديدًا من الشراكة الثقافية والدبلوماسية كما أن شعار هذا العام ستحب أنقرة
يعكس الرغبة في تقديم العاصمة للجمهور بصورة جديدة تجمع بين الأصالة التاريخية والحيوية الثقافية وفي نهاية المطاف تحمل هذه الفعالية رسالة مزدوجة فمن جهة تمنح سكان أنقرة وزوارها فرصة للانغماس في التاريخ والثقافة ومن جهة أخرى تعزز الحوار الثقافي بين تركيا والدول الأوروبية ومع التوقعات بحضور آلاف الزوار على مدى يومين تأمل الجهات المنظمة أن تترك هذه التجربة أثرًا مستدامًا على المجتمع وأن تشجع على المزيد من المبادرات المماثلة في المستقبل بحيث تتحول أنقرة إلى نموذج يحتذى به في مجال الانفتاح الثقافي وإحياء التراث