
تركيا تطلق مرحلة جديدة من الرقابة على التجارة الإلكترونية
تشهد تركيا تحولًا مهمًا في تنظيم قطاع التجارة الإلكترونية، مع إعلان وزارة التجارة عن بدء تطبيق نظام رقابي شامل يهدف إلى ضبط السوق الرقمي، حماية المستهلكين، وضمان الالتزام الضريبي. القرار الجديد يأتي بعد ارتفاع غير مسبوق في حجم المعاملات عبر المنصات الإلكترونية خلال السنوات الأخيرة، ما استدعى تدخّلًا حكوميًا أكثر صرامة لضمان الشفافية والعدالة بين جميع الأطراف.
وزير التجارة التركي أومر بولات أوضح أن المنصات الإلكترونية التي شهدت نموًا هائلًا في أنشطتها التجارية باتت بحاجة إلى ضوابط تنظيمية أدق، تضمن أن المنتجات المعروضة على الإنترنت تتوافق مع المعايير المتبعة في المتاجر الفعلية. وأكد أن هذا الإجراء ليس موجّهًا لتقييد التجارة، بل لحماية حقوق المستهلكين ومنع أي محاولات غش أو تضليل قد تحدث عبر البيئة الرقمية.
بموجب الإجراءات الجديدة، ستصبح منصات التجارة الإلكترونية ملزمة بتوفير عرض واضح ودقيق للمنتجات، بحيث تتضمن الصور تفاصيل حقيقية وتمثل المنتج كما هو على أرض الواقع. كما يتوجب أن تتضمن صفحة كل منتج معلومات مفصلة تشمل اسم البائع، الشركة المصنعة أو المستورد، بيانات التواصل، وعنوان النشاط التجاري بشكل شفاف. هذا الإجراء يسهل على المستهلكين تقديم الشكاوى أو التواصل مع البائع عند الحاجة، ويمنح السوق مزيدًا من الموثوقية.
وتشير الأرقام الرسمية إلى أن الواردات الفردية عبر التجارة الإلكترونية بلغت خلال الأشهر الأربعة الأولى من عام 2024 نحو 504 مليون دولار، وهو رقم يعكس حجم النشاط المتزايد على هذه المنصات. وقد نتج عن هذه العمليات تحصيل ضرائب بقيمة تقارب 6.54 مليار ليرة تركية. أما في نفس الفترة من عام 2025، فقد بلغت قيمة الواردات حوالي 158 مليون دولار مع تحصيل ضرائب بنحو 4.85 مليار ليرة. ورغم أن الأرقام تشير إلى تراجع جزئي في حجم الواردات، إلا أن الوزارة ترى أن هذا القطاع بحاجة إلى متابعة دقيقة لضمان استمرارية الامتثال الضريبي ومنع أي تجاوزات.
وتشمل الخطط الحكومية أيضًا وضع إطار قانوني يحدد مسؤوليات كل طرف في العملية التجارية الرقمية، سواء كان منصة، بائعًا أو مستهلكًا. وسيتم تعزيز آليات الرقابة التقنية بحيث يمكن تتبّع مصدر كل عملية بيع أو استيراد، مع توفير قاعدة بيانات موحدة تمكّن الدولة من رصد النشاط التجاري بشكل لحظي. كما ستتيح هذه اللوائح للمستهلكين حق الاعتراض أو الإبلاغ عن أي مخالفات بطريقة أكثر سهولة.
ويرى خبراء الاقتصاد أن هذه الإجراءات قد ترفع من مستوى الثقة بالتجارة الإلكترونية في تركيا، وتشجع الشركات الصغيرة والمتوسطة على دخول السوق الرقمية بطريقة منظمة. كما يمكن أن تسهم في جذب استثمارات أجنبية جديدة، نظرًا لأن البيئة التنظيمية الواضحة تعد من أبرز عوامل جذب المستثمرين.
وبالمقابل، يُتوقع أن تواجه بعض المنصات الصغيرة تحديات في التكيّف مع المتطلبات الجديدة، خاصة فيما يتعلق بتوفير بنية تحتية تقنية قادرة على تلبية المعايير المفروضة. إلا أن الوزارة أكدت أنها ستمنح فترة انتقالية كافية للشركات من أجل الامتثال قبل بدء تطبيق العقوبات.
في المحصلة، يمثل هذا التوجّه خطوة استراتيجية نحو بناء سوق رقمي أكثر أمانًا وتوازنًا، حيث يحصل المستهلك على حقه في الشفافية والمعلومة الدقيقة، وتضمن الدولة حصتها من الضرائب، وتستفيد الشركات من بيئة تنافسية صحية تعزز الابتكار والنمو.