
فوز تركي عالمي في مسابقة تلاوة القرآن بكرواتيا
المسابقات الخاصة بتلاوة وحفظ القرآن الكريم ليست وليدة اليوم، بل تعود جذورها إلى بدايات القرن العشرين، حين بدأت بعض الدول الإسلامية بتنظيم مسابقات محلية لتشجيع الشباب على حفظ القرآن وإتقان تلاوته. ومع مرور الوقت، أخذت هذه المسابقات طابعًا دوليًا، حيث كانت مصر من أوائل الدول التي احتضنت مسابقات كبرى في الخمسينيات، تلتها ماليزيا وإندونيسيا، ثم انضمت دول الخليج وتركيا في العقود الأخيرة.
اليوم، باتت هذه الفعاليات منصات عالمية كبرى، تجتمع فيها أصوات من أكثر من 70 دولة، ليتنافس المشاركون على شرف الفوز بلقب "أفضل قارئ للقرآن". هذه اللقاءات لا تمثل فقط منافسة صوتية، بل هي ملتقى ثقافي وديني يعزز أواصر الوحدة بين الشعوب الإسلامية.
تركيا، رغم أن لغتها الرسمية ليست العربية، لعبت دورًا مهمًا في تعزيز المسابقات القرآنية. وقد أسست خلال العقود الأخيرة العديد من المعاهد القرآنية والمراكز الإسلامية التي تهتم بالتجويد والمقامات الصوتية.
من أبرز إنجازات تركيا في هذا المجال أنها تمكنت من تخريج قراء شباب يجمعون بين الأصالة والتجديد. فجيل مثل ياسر جوهدار يعكس مدى اهتمام الدولة والمجتمع بدعم الأصوات القرآنية، وهو ما جعل تركيا تحتل موقعًا متقدمًا بين الدول المشاركة في مثل هذه الفعاليات.
لا يمكن إغفال البعد الإعلامي والثقافي لهذه المسابقات. ففي عالم يزداد فيه الجدل حول صورة الإسلام، تأتي أصوات القراء لتقدم صورة مختلفة: الإسلام دين جمال وسلام وروحانية.
المسابقات القرآنية، مثل تلك التي فاز فيها ياسر، تبث عبر قنوات فضائية ومنصات رقمية، ويتابعها ملايين من المسلمين وغير المسلمين. وبهذا تتحول التلاوة إلى رسالة دعوية غير مباشرة، تنقل صورة مشرقة عن الإسلام.
مع ثورة الإنترنت ومنصات التواصل الاجتماعي، لم تعد التلاوات مقتصرة على من يحضر المسابقة. بل بات بإمكان الملايين في مختلف أنحاء العالم متابعة القراء مباشرة عبر البث الحي.
وقد ساهم ذلك في بروز ظاهرة "القراء الشباب" الذين يحظون بجماهيرية واسعة عبر منصات مثل يوتيوب وتيك توك وإنستغرام، حيث تنتشر مقاطعهم بسرعة بين الجاليات الإسلامية في أوروبا وأمريكا.
فوز ياسر جوهدار لم يبقَ حدثًا محليًا تركيًا، بل تحول إلى "ترند" على المنصات الرقمية، مع مئات آلاف المشاهدات لمقاطع من تلاوته الفائزة.
المؤسسات الدينية الرسمية مثل رئاسة الشؤون الدينية في تركيا (ديانت) لعبت دورًا رئيسيًا في دعم مثل هذه المواهب. فهي لا تكتفي بتنظيم الدورات المحلية، بل تعمل أيضًا على إرسال القراء الأتراك للمشاركة في مسابقات دولية.
وبحسب مسؤولين في ديانت، فإن الهدف ليس فقط الفوز بالجوائز، وإنما أيضًا إبراز الهوية الإسلامية لتركيا وتعزيز روابطها الروحية مع العالم الإسلامي.
يرى مراقبون أن فوز ياسر جوهدار سيكون حافزًا لإنشاء مسابقات أكبر داخل تركيا، وربما استضافة مسابقات عالمية في إسطنبول أو أنقرة خلال السنوات القادمة.
كما يتوقع أن تستثمر تركيا في تدريب القراء على استخدام التقنيات الحديثة في التلاوة، مثل التطبيقات الرقمية التعليمية التي تساعد الأطفال والشباب على تحسين أصواتهم والتدرب على المقامات المختلفة.
إلى جانب بعدها الديني، تساهم هذه المسابقات في تعزيز القوة الناعمة التركية، حيث يتم النظر إلى نجاح القراء على أنه جزء من صورة تركيا الحديثة التي تجمع بين الحداثة والهوية الإسلامية.
كما أن مشاركة الشباب في مثل هذه الفعاليات تبني جيلاً أكثر وعيًا بقيمه وهويته الدينية، وهو ما ينعكس إيجابًا على التنمية الاجتماعية والثقافية في البلاد.
التعليقات التي جاءت من الجمهور المحلي والعالمي عقب فوز ياسر كانت مليئة بالفخر والإعجاب. بعض المتابعين كتبوا على تويتر:
"تلاوة ياسر تذكرنا بأصوات القراء العظام في التاريخ."
"إنه فخر لتركيا وللأمة الإسلامية جمعاء."
"جيل جديد يرفع راية القرآن عالياً."
هذه الردود تظهر أن تأثير مثل هذه الأحداث يتجاوز الأبعاد الفردية، ليشكل حالة جماعية من الفخر والانتماء.