
بعد زلزال2023 .قرارات مصادرة الأراضي جنوب تركيا تشعل المخاوف
أثار تقرير صحفي حديث موجة واسعة من الجدل في الأوساط الحقوقية التركية والدولية بعد كشفه عن استمرار عمليات مصادرة أراضٍ في بعض القرى التابعة لولاية هطاي جنوب تركيا، وذلك في إطار مشاريع إعادة الإعمار التي أُطلقت عقب الزلزال المدمّر الذي ضرب البلاد في فبراير 2023.
وبحسب صحيفة "لوموند" الفرنسية، فإن وزارة البيئة والتخطيط العمراني بدأت بإرسال إشعارات استملاك جديدة إلى سكان قرى مثل فَكْفَلِي (Vakfıköy) وحيدر بك (Haydarbek) وسامانداغ (Samandağ)، وهي مناطق تقطنها منذ عقود عائلات عربية ومسيحية، بزعم تحويلها إلى مناطق “إسكان آمن” ضمن خطة الدولة لإعادة بناء المناطق المتضررة.
بعد الزلزال الذي أودى بحياة أكثر من 50 ألف شخص في 2023، أطلقت الحكومة التركية خطة طموحة لإعادة الإعمار، تضمنت إنشاء مساكن جديدة على أراضٍ مصنفة “خطرة” أو “غير مستقرة زلزاليًا”. غير أن بعض الأهالي أكّدوا أنهم تلقّوا قرارات استملاك دون موافقتهم، رغم أن منازلهم لم تُدرج رسميًا ضمن مناطق الانهيار أو التهديد الزلزالي المباشر.
وقال أحد سكان قرية سامانداغ في تصريحات نقلتها الصحف المحلية:
“نحن لا نرفض إعادة الإعمار، ولكن نطالب فقط بأن تُنفَّذ بطريقة عادلة وشفافة، وأن لا يُصادر تراث عائلاتنا الممتد منذ مئات السنين”.

وزارة البيئة التركية أوضحت في بيان رسمي أن قرارات الاستملاك تأتي ضمن قانون الكوارث الطبيعية رقم 7269، وأن الهدف الأساسي منها هو نقل السكان من المناطق عالية الخطورة إلى مساكن آمنة، مشيرة إلى أن جميع المتضررين سيُعوَّضون ماليًا أو إسكانياً وفق اللوائح.
كما أكّدت الوزارة أن أعمال البناء في هطاي تمضي “وفق معايير السلامة الزلزالية الجديدة”، وأنها لا تميّز بين المواطنين على أساس الدين أو العرق.
رغم تلك التطمينات، أبدت منظمات مدنية وحقوقية محلية قلقها من أن تؤدي عمليات الاستملاك إلى تغيير ديموغرافي تدريجي في بعض القرى ذات الطابع العربي والمسيحي، التي تُعد من آخر التجمعات التاريخية المتبقية للأقليات الدينية في المنطقة.
وأفاد ناشطون أن بعض الأسر رفضت التوقيع على وثائق نقل الملكية، ما أدى إلى إصدار أوامر استملاك قسري، وهو ما أثار الجدل حول مدى التزام السلطات بمبادئ العدالة في عمليات إعادة الإعمار.
تُعد محافظة هطاي من أكثر الولايات التركية تنوعًا من حيث التركيبة العرقية والدينية، إذ يعيش فيها عرب سنة وعلويون ومسيحيون، وقد عانت بشكل كبير خلال زلزال 2023 بسبب قربها من مركز الهزة.
ويرى مراقبون أن التعامل مع هذه القضية يتجاوز البعد المحلي، لأنه يمسّ تعايش المكونات الدينية والثقافية في جنوب تركيا، وهو ما يجعلها ملفًا حساسًا بالنسبة للحكومة التركية والمجتمع الدولي على حد سواء.
جمعيات تركية مثل “منصة العدالة من أجل هطاي” طالبت الحكومة بإصدار تقارير تفصيلية حول معايير اختيار المناطق المنزوعة الملكية، ونشر لوائح التعويضات بشكل علني، مؤكدة أن “إعادة الإعمار لا يمكن أن تُبنى على الظلم أو مصادرة التاريخ”.