ترحيل العرب في تركيا... بين الواقع والشائعات

ترحيل العرب في تركيا... بين الواقع والشائعات
ترحيل العرب في تركيا... بين الواقع والشائعات

ترحيل العرب في تركيا... بين الواقع والشائعات

أنقرة-نيو ترك بوست

تشكّل مسألة ترحيل الأجانب المقيمين في تركيا والمخالفين لشروط الإقامة أو التأشيرة أحد أبرز الملفات التي تشغّل الرأي العام والجالية العربية على حد سواء. في هذا التقرير المفصّل نعرض متى يُصدر قرار الترحيل، أين يُنفّذ، وكيف يتدرّج من القرار إلى التنفيذ والاعتراض—مستندين إلى نصّ القانون وترجمته المختارة، وإجراءات السلطات التركية ذات الصلة.

1. الإطار القانوني الأساسي

أصدرت دولة تركيا القانون رقم ‎قانون الأجانب والحماية الدولية رقم 6458 بتاريخ 4 نيسان/أبريل 2013، والذي نُشِر في الجريدة الرسمية تحت بند تحديد الإجراءات والمبادئ الخاصة بدخول الأجانب إلى تركيا، وإقامتها، ومغادرتها، وكذلك نطاق الحماية الدولية للأشخاص المتقدمين بطلبات لجوء أو حماية ضمن البلاد. 
من بين مواد هذا القانون الأبرز: المادة 54 التي تحدّد الحالات التي يجوز فيها للسلطات إصدار «قرار الترحيل» بحق الأجنبي. 
وفي المقابل، تنص المادة 55 على استثناءات لا يجوز فيها الترحيل، مثل وجود خطر لما بعد الترحيل أو حالات طبية خاصة. 

نصّ مختار من المادة 54 (ترجمة تقريبية):

«(1) فيما عدا الحالات المنصوص عليها في المادة 55، يصدر قرار الترحيل بحق الأجنبي الذي/التي:
أ) خضع/ت لعقوبة تُجيز الترحيل وفقاً للمادة 559 من قانون العقوبات رقم 5237؛
ب) كان/ت عضوًا أو مؤيداً أو داعماً لمنظمة إرهابية أو منظمة إجرامية تهدف للربح؛
ج) قدّم/ت معلومات أو مستندات مزورة في إجراءات الدخول أو التأشيرة أو تصريح الإقامة؛
د) عاش/ت من وسائل غير مشروعة خلال إقامته/ها في تركيا؛
هـ) شكّل/ت تهديداً للنظام العام أو الأمن أو الصحة العامة؛
و) تجاوز/ت مدة التأشيرة الممنوحة أو مدة الإعفاء من التأشيرة بأكثر من عشرة أيام أو ألغيت التأشيرة؛
ز) أُلغي تصريح الإقامة؛ أو انتهت مدّته، وتجاوز/ت المدة المسموحة دون مبرّر مقبول؛
ح) عمل/ت دون تصريح عمل؛
ط) خرق/ت شروط الدخول أو الخروج من تركيا؛
ي) دخل/ت تركيا على الرغم من وجود حظر دخول؛
ك) رُفض طلب الحماية الدولية أو أُستبعد/ت منها أو سُحبت طلبه/ها أو انتهت أو أُلغيت الحماية الممنوحة، ومتى لم يعد/ت له/ها الحق بالبقاء بعد القرار النهائي». 

هذا التأسيس القانوني يمكّن السلطات المختصة من إصدار قرارات الترحيل، وتحدد الإجراءات التنفيذية لاحقًا من وزير الداخلية أو المحافظات المعنية، عبر مديرية الهجرة التركية تحت إشراف وزارة الداخلية. 

2. متى يُصدر قرار الترحيل؟

يُصدر القرار عادةً بعد ثبوت إحدى الحالات المنصوص عليها في المادة 54، مثل انتهاء تصريح الإقامة، أو تجاوز التأشيرة، أو العمل دون تصريح، أو استخدام مستندات مزورة. 
الجهة المسؤولة عن إصدار القرار هي المحافظة المختصة (Valilik)، أو مكتب الهجرة تبعًا لتوجيه من مديرية الهجرة. 
بمجرد تلقي الشخص إشعارًا بالقرار، يبدأ العدّ القانوني للطعن أو التنفيذ، لذلك يُعدّ توقيت استلام القرار مهمًا جدًّا.

3. أين يُنفّذ قرار الترحيل؟

يُنفّذ القرار غالبًا في المراكز المعروفة باسم مركز الترحيل (Geri Gönderme Merkezi)؛ حيث تُحتجز بعض الحالات التي تمّ تحديدها كمخاطر أو لديها موانع مغادرة تابعة للسلطات – مثل مَن لم يغادر طوعًا خلال المدة المحدّدة. 
في حالاتٍ أبسط، يُمنح الشخص مهلة مغادرة طواعية تتراوح بين 15 إلى 30 يومًا كما يُحدّد القرار. 
ومن ثم يُنقَل إلى بلده الأصلي أو بلد transit أو بلد ثالث حسب القرار. 

4. كيف تتم الإجراءات عمليًا؟

الإشعار بقرار الترحيل: يتم تبليغ الشخص أو ممثّله بالقرار كتابيًا، ويُمنح مدة محدّدة أو يُطلب المغادرة فورًا. 

مهلة المغادرة الطوعية: تتراوح غالبًا بين 15 إلى 30 يومًا. إذا غادر خلال المهلة لن يُفعل الحظر مثلًا. 

الاحتجاز الإداري: في الحالات التي تُعَد مخاطر للطرف أو البلاد، يُحتجز الشخص في مركز الترحيل حتى التنفيذ أو صدور حكم قضائي. 

حقّ الطعن القانوني: للمُبلّغ الحق في تقديم دعوى إلغاء القرار أمام المحكمة الإدارية خلال سبعة أيام من التبليغ، ويُعرَف ذلك بـ “دعوى الإلغاء”. 

حتى قبل صدور القرار القضائي النهائي، يتوقف تنفيذ الترحيل تلقائيًا بمجرد تقديم الدعوى. 

تنفيذ القرار: بعد انقضاء المهلة أو صدور القرار النهائي، تُنفّذ الترحيل ويُدرج كود حظر دخول ضمن سجل الشخص. 

5. العواقب والقيود بعد الترحيل

يُفرض حظر دخول إلى تركيا لفترات متفاوتة حسب سبب القرار (من أشهر إلى سنوات عدة) — ويوضع “كود تقييد (Restriction Code)” في سجلّ الأجنبي. 

وجود الحظر أو القرار قد يؤثر على طلبات الإقامة أو التأشيرات المستقبلية.

في حال غادَر الشخص طواعية ضمن المهلة، قد يُخفّف من تبعات الحظر. 

6. استثناءات قانونية: متى لا يجوز الترحيل؟

بموجب المادة 55 من القانون رقم 6458، لا يجوز ترحيل بعض الأجانب عند وجود مخاطر جسيمة مثل:

احتمال تعرضهم لعقوبة الإعدام، التعذيب أو المعاملة القاسية. 

وجود حالة مرضية خطيرة لا يمكن علاجها في بلد العودة أو الحمل أو الأطفال الذين لا يمكن نقلهم. 

أشخاص في برامج حماية ضحايا الاتجار بالبشر أو العنف الجنسي. 

7. ما على الجالية العربية معرفته؟

فيما يلي أهم النقاط التي يجب أن يكون الجالية العربية المقيمة أو الزائرة في تركيا على علم بها:

تأكد من تجديد تصريح الإقامة أو تأشيرة الدخول قبل انتهائها بفترة كافية (يفضّل 60 يومًا).

عند تلقيك قرارًا بترحيل، ليس كافياً مجرد ترك البلاد، بل يجب متابعة الطعن القانوني خلال سبعة أيام إن أردت تجنّب تبعات الحظر الطويل.

لا تغادر تركيا تلقائيًا دون استشارة قانونية: المغادرة وحدها قد تُفعّل الحظر تلقائيًا.

احتفظ بنسخ التصاريح، مراسلات الهجرة، وتأكّد من أن التبليغ يأتي بلغة تفهمها أو ترجمته متاحة، إذ أن التبليغ غير السليم قد يكون أساسًا للطعن. 

تجنّب العمل دون تصريح، تجاوز التأشيرة، أو تقديم مستندات غير صحيحة؛ فكلها أسباب شائعة للترحيل. 

إن كانت هناك ظروف إنسانية مثل مرض أو حامل أو طفل صغير، قد تسري استثناءات تحميك من الترحيل حسب المادة 55.

في حال صدور القرار، تواصَل مع محامٍ مختص بالهجرة فورًا، وابدأ الإجراءات القانونية — التأخير قد يُفقدك الحقوق.

8. توصيات ختامية

إن الترحيل ليس مجرد مغادرة البلد، بل قرار قانوني يمسّ حقوق الدخول المستقبلية، وقد يُخلّف أثرًا طويل الأمد على المسار المهني والاجتماعي للعائلة. ومع أن تركيا توفر آليات قانونية للطعن وضمان الحقوق، فإن العامل الزمني (خاصة سبعة أيام للطعن) يُعدّ حاسمًا. لذا، على كل مقيم أو زائر عربي أن يكون واعيًا لحقوقه، وأن يتعامل بسرعة مع أي إشعار رسمي — لأن التأخّر قد يعقّد كثيرًا من الخيارات أمامك.

مشاركة على: