المنتجات العربية تغزو المتاجر التركية وتحقق رواجًا غير مسبوق
تشهد الأسواق التركية منذ أشهر طفرة لافتة في تنوع المنتجات المعروضة على رفوف المتاجر الكبرى، إذ لم تعد البضائع العربية غريبة على المستهلك التركي أو المقيم العربي في تركيا، بل باتت جزءًا من المشهد التجاري اليومي الذي يعكس عمق الروابط الاقتصادية والثقافية المتنامية بين العالم العربي وتركيا.
من التمور إلى البهارات.. حضور عربي متصاعد
في ممرات أشهر سلاسل المتاجر التركية مثل "ميغروس" و"كارفور" و"شوكتلار"، يلحظ الزائر تنوعًا متزايدًا في السلع المستوردة من الدول العربية، خصوصًا من السعودية، الإمارات، مصر، الأردن، ولبنان.
وتتصدر التمور قائمة المنتجات الأكثر انتشارًا، إذ أصبحت أنواع مثل “السكري” و“المجدول” و“الخلاص” علامة بارزة في مواسم رمضان والأعياد، ولا سيما بعد ازدياد أعداد المقيمين العرب والسياح القادمين من الخليج.
كما لم يعد من النادر رؤية عبوات “الطحينية” اللبنانية أو “الحمص” السوري أو “الكسكسي” المغربي إلى جانب المنتجات التركية المشابهة، في مشهد يعكس التكامل الثقافي الذوقي بين المطبخين التركي والعربي.
إقبال متبادل من المستهلكين
في حديث مع "نيو ترك بوست"، قال صاحب أحد المتاجر الكبرى في إسطنبول، إن الطلب على المنتجات العربية تضاعف خلال العامين الأخيرين، موضحًا أن الإقبال لم يعد يقتصر على الجاليات العربية، بل شمل أيضًا المستهلك التركي الذي أصبح يفضل تجربة الأطعمة الشرقية ذات المذاق الغني.
وأضاف أن “المنتجات العربية تتميز بجودة عالية في التغليف والنكهة، كما أن أسعارها أصبحت تنافسية مقارنة بالمنتجات الأوروبية، وهو ما ساعدها على الانتشار السريع في الأسواق المحلية”.
عوامل النجاح: الجودة والتعبئة الذكية
ويرى خبراء أن أحد أهم أسباب النجاح السريع للمنتجات العربية في تركيا هو قدرتها على التكيف مع المعايير التركية والأوروبية من حيث الجودة وطرق التعبئة، إذ أصبحت الشركات العربية تستخدم لغتين على العبوات (العربية والتركية)، وتلتزم بمعايير النظافة وسلامة الغذاء.
كما أن العلامات التجارية العربية بدأت تستثمر في الإعلانات المحلية وفي الشراكات مع موزعين أتراك لضمان وجود دائم ومستقر في السوق التركي، وهو ما أدى إلى ارتفاع معدلات الثقة بالمنتج العربي لدى المستهلكين.
البعد الثقافي.. ليس تجاريًا فقط
تجاوز الأمر حدود التجارة ليصبح ظاهرة ثقافية، إذ إن حضور المنتجات العربية في المتاجر التركية يساهم في تعزيز التفاعل بين الثقافتين ويعيد التذكير بالتاريخ المشترك بين الشعوب العربية والتركية.
فالمذاق العربي أصبح جزءًا من الحياة اليومية في المدن الكبرى مثل إسطنبول، أنقرة، وإزمير، حيث تنتشر المطاعم العربية جنبًا إلى جنب مع المقاهي التركية التقليدية.
ويشير مراقبون إلى أن هذا التداخل الغذائي والثقافي ساهم في تقليص المسافات النفسية بين العرب والأتراك، وخلق جسرًا جديدًا من التفاهم الشعبي بعيدًا عن السياسة.
شركات ناشئة وجيل جديد من رواد الأعمال
ومع ازدهار التجارة الإلكترونية في تركيا، دخلت الشركات العربية الناشئة على الخط بقوة.
فقد أنشأت العديد من العلامات التجارية متاجر رقمية على منصات مثل “Trendyol” و“Hepsiburada”، ما سمح بوصول المنتجات العربية إلى مناطق نائية في عمق الأناضول.
ويقول محمد خليل، وهو رائد أعمال سوري يدير متجرًا إلكترونيًا لبيع المنتجات الغذائية العربية في تركيا:
“بدأنا بخمس منتجات فقط قبل ثلاث سنوات، واليوم نعرض أكثر من 200 صنف من التوابل والبهارات والمعلبات العربية، ومعظم زبائننا من الأتراك الذين أصبحوا يفضلون نكهات الشرق”.
انعكاس العلاقات الدبلوماسية على التجارة
تزامن هذا الحضور التجاري المتنامي مع تحسن العلاقات السياسية بين تركيا وعدد من الدول العربية، ولا سيما الخليجية.
فقد ساهمت الزيارات المتبادلة والاتفاقيات الاقتصادية الأخيرة في فتح أبواب جديدة أمام الصادرات الغذائية والمنتجات المصنعة في المنطقة العربية.
ووفقًا لبيانات رسمية من هيئة الإحصاء التركية، فإن حجم التبادل التجاري بين تركيا والدول العربية تجاوز 80 مليار دولار في عام 2024، ويتوقع أن يسجل نموًا إضافيًا بنسبة 15% خلال العام المقبل.
المطاعم العربية تروّج للمنتجات الأصلية
ومن العوامل التي ساهمت في انتشار هذه المنتجات أيضًا المطاعم العربية المنتشرة في إسطنبول وأنطاكيا وغازي عنتاب، حيث يقوم العديد منها ببيع منتجاته الأصلية داخل المتجر بعد الوجبة، مثل الزعتر الفلسطيني أو زيت الزيتون السوري أو الحلويات الشامية.
هذا الأسلوب في التسويق جعل المستهلك التركي يتعرّف عن قرب على المذاقات العربية، ما زاد من الطلب على شراء هذه المنتجات من المتاجر الكبرى لاحقًا.
صناعة تجميل عربية في الأسواق التركية
ولم يقتصر الانتشار على المنتجات الغذائية، بل شمل أيضًا مستحضرات التجميل الطبيعية العربية، خصوصًا تلك التي تعتمد على الزيوت العضوية والعطور الشرقية مثل زيت الأركان المغربي والعطور الخليجية.
هذه المنتجات تلقى رواجًا واسعًا بين النساء التركيات المهتمات بالعناية بالبشرة والشعر بطرق طبيعية.
التحديات: التسعير والمنافسة المحلية
ورغم النمو اللافت، إلا أن بعض الشركات العربية تواجه تحديات في التسعير بسبب تقلبات سعر الليرة التركية وارتفاع تكاليف النقل والتخزين.
كما أن المنافسة مع الشركات التركية الراسخة في السوق تفرض على المنتج العربي الابتكار المستمر في التغليف والعروض الترويجية للحفاظ على موقعه.
توقعات بمزيد من التوسع
تتوقع مصادر تجارية أن تشهد السنوات المقبلة دخول علامات عربية جديدة إلى السوق التركي، خاصة بعد نجاح التجارب الأولى، وازدياد ثقة المستهلكين المحليين في هذه المنتجات.
كما تشير التوقعات إلى احتمال إنشاء مصانع عربية داخل تركيا لتقليل تكاليف الشحن وتسهيل التوزيع محليًا وإقليميًا.
خاتمة
في نهاية المطاف، يمكن القول إن المنتجات العربية لم تعد “ضيفة” على الأسواق التركية، بل أصبحت عنصرًا أساسيًا في التنوع التجاري الذي تشتهر به تركيا.
وإذا استمرت وتيرة النمو الحالية، فقد تتحول بعض العلامات العربية قريبًا إلى جزء من الهوية التجارية التركية الحديثة، تمامًا كما نجحت علامات تركية عديدة في التغلغل داخل الأسواق العربية خلال العقدين الماضيين.