عائلات عربية تُحقق نجاحاً عبر أعمالها الصغيرة والابتكار
في السنوات الأخيرة، برزت في تركيا موجة من الريادة الاقتصادية بين الجاليات العربية، حيث تحولت أفكار صغيرة إلى مشاريع محسوسة تساهم في الاقتصاد التركي وتُعدّ نموذجا يُحتذى به في القدرة على التكيّف والإبداع. في هذا التقرير، نقدّم لموقع احسبلي دوت كوم قراءة مُعمّقة في هذه الظاهرة، نتناول فيها الخلفيات، العوامل، التحدّيات، والدروس التي يمكن الاستفادة منها.
خلفية الظاهرة
بدأت حركة تأسيس المشاريع الصغيرة من قبل عرب ومهاجرين في تركيا عقب تدفّق اللاجئين، وبخاصة السوريين، نحو المدن التركية مثل غازي عنتاب وإسطنبول. وفق تقرير لـ Economic Policy Research Foundation of Turkey (TEPAV) وEuropean Bank for Reconstruction and Development (EBRD)، أُسّست – أو شُرِكت فيها – أكثر من 10 000 شركة منذ العام 2011 من قبل سوريين داخل تركيا، يعمل فيها في المتوسط نحو سبعة موظفين.
وكذلك، كشفت دراسة أن روّاد الأعمال السوريين يفضّلون تركيا كموقع لنشاطهم بسبب القرب الجغرافي من سورية، والعلاقات التجارية القائمة مسبقًا، ومعرفة السوق .
قصص على أرض الواقع
في مدينة غازي عنتاب، حيث يُواجِد عدد كبير من السوريين، بقيت نشاطات كثيرة من الصناعات الصغيرة والمصانع تعمل وتؤمّن فرصاً اقتصادية. أحدها مشروعٌ لصناعة وتغليف شرائح البطاطا ("كرِسْب") قام به رجل أعمال سوري انتقل من مدينة حلب وأعاد بناء نشاطه في تركيا.
في إسطنبول، افتتحت مهندسة سورية حضانة للأطفال، لتلبية حاجة انفتحّت للآباء العاملين من الجالية العربية وغيرهم في الحيّ، فكانت بادرة عملٍ صغيرٍ بنمط جديد.
العوامل التي أسهمت في النجاح
خبرة سابقة ومعرفة بالسوق: أشار تقرير TEPAV إلى أن 75 ٪ من روّاد الأعمال السوريين كانوا قد أداروا أعمالاً في بلدهم الأصلي أو في بلدان أخرى قبل تركيا.
ثنائية اللغة والعلاقات الثقافية: القدرة على التحدّث بالعربية والتركيّة، ومعرفة العوامل الثقافية، ساعدت في تخطّي بعض العوائق.
السوق التركية كمنصة محلية وتصديرية: كثير من الشركات الصغيرة العربية داخل تركيا لم تقف عند السوق المحلي بل توسّعت نحو صادرات للمنطقة العربية.
شبكات الدعم – غير الرسميّة – والعائلة: غالباً ما اعتمدت هذه المشاريع على علاقة شخصية أو توصية في توظيف الموظفين أو تأمين الموردين.
أبرز التحدّيات التي واجهتها
الوصول إلى التمويل والبنوك: أحد أبرز المعوقات؛ فقد صرّح العديد من صاحب المشاريع بأنهم واجهوا صعوبة في فتح حساب تجاري أو الحصول على قرض.
العقبات القانونية والإدارية: قوانين التوظيف للأجانب، تواجهها بعض الشركات وتحدّ من قدرتها على النمو أو التشغيل الحرّ.
اللغة التركية والاندماج: رغم وجود لغات عربية، فانّ إعطاء الخدمة للسوق التركي أو التوسّع فيه يتطلّب معرفة باللغة والثقافة التركيّة.
الرغبة المحدودة في التوسّع: كثير من المشاريع بقيت تحت حجم صغير (أقل من 5 موظفين غالباً) بسبب مخاطر السوق والتنافس.
تأثير هذه المشاريع على الاقتصاد والمجتمع التركي
حسب بيانات نشرها موقع Duvar English، تُشغّل المشاريع التي يملكها سوريون ما نسبته نحو 7 ٪ من أفراد الجالية السورية في تركيا.
كما أن هذه المشاريع تُسهِم في التصدير وإعادة ربط الشبكات التجارية بين تركيا والدول العربية المجاورة.
على المستوى الاجتماعي، فإنّ هذه المشاريع تعزز من اندماج الجالية العربية في المجتمع التركي، وتُشكّل جسوراً للتبادل التجاري والثقافي.
دروس مهمة لمن يفكر بإطلاق مشروع صغير في تركيا
ابدأ صغيراً وتعلّم قواعد السوق: البدء بمشروع صغير بخُطوة محلية يمكن أن يوفّر مساحة للتعلّم والتكيّف.
ابنِ شبكة علاقات محلية: سواء مع المورّدين، الغرف التجارية، أو الزبائن، الشبكة مهمة.
تعلم اللغة التركية واجعله هدفاً مبكرّاً: افتح الباب أمام التوسّع عبر السوق التركي الأوسع.
استعد للتحدّيات المالية والقانونية: قبل انطلاق المشروع، تأكّد من وضع البُنية القانونية والحسابية واضحة.
فكر بالتصدير أو التوسّع التجاري: إن وصلت للثبات المحلي، فالأبواب نحو المنطقة العربية والخليج ممكنة.
لمحات مستقبلية
مع استمرار الاقتصاد التركي في التحوّل، وضغط المنافسة في المشاريع الصغيرة، تظهر الحاجة إلى دعم رسمي أكثر وضوحاً من الحكومات المحلية والغرف التجارية لتشجيع المشاريع العربية داخل إطارٍ قانوني ومنظّم.
كما أن التحوّلات الجيوسياسية – مثل التطوّرات في سورية – قد تؤثّر على خيارات المستثمرين العرب في تركيا، ما يحتم على أصحاب المشاريع تنويع نشاطاتهم وتحسُّب التغيّرات.
خلاصة الموضوع:
قصص عائلات عربية تأسّست في تركيا كمشاريع صغيرة تُعدّ بياناً على أن الإرادة والرؤية يمكن أن تصنع فارقاً، حتى في بيئات جديدة. لمن يفكّر بالبدء، فإنّ المفتاح يكمن في المعرفة المحلية، التعلّم من التحدّيات، وبناء شبكة علاقات قوية.