أزمة مالية تهدد شركة “أنفا” بالحلّ التلقائي وفق القانون

أزمة مالية تهدد شركة “أنفا” بالحلّ التلقائي وفق القانون
أزمة مالية تهدد شركة “أنفا” بالحلّ التلقائي وفق القانون

أزمة مالية تهدد شركة “أنفا” بالحلّ التلقائي وفق القانون

أزمة مالية تهدد شركة “أنفا” بالحلّ التلقائي وفق قانون التجارة التركي

كشفت محكمة المحاسبات التركية في تقريرها المالي لعام 2024 عن انهيار مالي واسع النطاق داخل شركة أنفا (ANFA Ankara Altınpark İşletmeleri A.Ş.) التابعة لبلدية أنقرة الكبرى (ABB) برئاسة منصور يافاش، مشيرةً إلى أن رأس مال الشركة “ذاب بالكامل”، وأن استمرارها بات غير ممكن من الناحية القانونية والمالية.

ويشير التقرير إلى أن الخسائر المتراكمة تجاوزت 2.8 مليار ليرة تركية خلال ثلاث سنوات متتالية، ما يجعل الشركة عرضةً لما وصفه التقرير بـ "الإنهاء التلقائي" وفقًا لأحكام المادة 376 من القانون التجاري التركي.

ذوبان رأس المال بالكامل وخطر الانهيار

أظهر التقرير أن رأس المال المدفوع للشركة — والبالغ 2 مليار و265 مليون ليرة تركية — قد “ذاب بالكامل”، وأن إجمالي الخسائر تجاوز هذا المبلغ بشكل كبير، ما يعني عمليًا أن الشركة فقدت قدرتها على الاستمرار.

وأكدت محكمة المحاسبات (Sayıştay) في بيانها أن الشركة “لم تعد قادرة على تغطية التزاماتها الضريبية والتأمينية في مواعيدها القانونية”، وأن الرسوم والفوائد المترتبة عليها أُضيفت إلى بند الخسائر، مما فاقم الوضع المالي سوءًا.

وبحسب التقرير، فإن الشركة أصبحت تعتمد كليًا على تمويل بلدية أنقرة الكبرى لتغطية نفقاتها التشغيلية والرواتب، في ظل غياب أي موارد مالية مستقرة أو عوائد تشغيلية كافية.

مؤشرات مالية خطيرة تكشف غياب الاستدامة

كشف التحليل المالي الذي أجرته محكمة المحاسبات أن النسبة الحالية للشركة بلغت 0.78، في حين سجلت نسبة النقد -0.11، وهي نسب أقل بكثير من الحد الأدنى المقبول ماليًا (بين 1.5 و2).
وأشار التقرير إلى أن هذه الأرقام “تعكس فقدان الاستدامة المالية التامة، مما يفرض على إدارة الشركة الدعوة العاجلة لاجتماع الجمعية العامة لاتخاذ الإجراءات اللازمة لإنقاذ رأس المال”.

وأضاف التقرير تحذيرًا واضحًا نصّه:

“في حال عدم اتخاذ تدابير عاجلة، فإن الشخصية القانونية للشركة ستنتهي تلقائيًا بموجب المادة 376 من القانون التجاري التركي.”

مخالفات إدارية ومالية في عمليات الشركة

لم يقتصر تقرير محكمة المحاسبات على الجانب المالي فحسب، بل رصد سلسلة من المخالفات القانونية والإدارية في أنشطة الشركة.
ومن أبرز تلك المخالفات التي وردت في نص التقرير:

قبول "فاتورة الضمان" كضمان مالي في معاملات الإيجار، في مخالفة صريحة للتشريعات المعمول بها.

الاستعانة بمصادر خارجية لأعمال تتعلق بتوظيف الموظفين عبر نظام “المشتريات”، في انتهاك لقانون المشتريات العامة.

تصنيف بعض مشاريع البناء على أنها “مشتريات خدمات” لتفادي متطلبات قانون الإنشاءات.

تأخير تحويل تحصيلات بطاقات الائتمان عن المبيعات حتى 40 يومًا، رغم أن المدة القانونية لا تتجاوز 20 يومًا.

عدم منح الإجازات السنوية لـ51 موظفًا، مما نتج عنه تراكم 6203 أيام إجازة غير مستخدمة، بلغت كلفتها 8.4 ملايين ليرة تركية على الشركة.

شراء تأمين على الحياة لجميع الموظفين بكلفة بلغت 964 ألف ليرة تركية، رغم أن هذا الإجراء اعتبر “ازدواجية مالية” غير مبررة من قبل المحكمة.

اعتماد مفرط على بلدية أنقرة الكبرى

أشارت محكمة المحاسبات إلى أن شركة أنفا أصبحت مرتبطة بالكامل بإيرادات بلدية أنقرة، وأنها لم تعد تمتلك مصادر تمويل ذاتية مستقلة.
كما فشلت الشركة في تحصيل الدفعات المقدمة من عقودها التشغيلية بسبب سوء التقدير المالي والإداري، وهو ما أدى إلى تراكم الديون وتراجع الأداء.

وأضاف التقرير أن سوء تقدير التكاليف وعدم الامتثال للتشريعات التجارية والمالية أدى إلى إضعاف ثقة المؤسسات الحكومية والموردين بالشركة.

ردود فعل داخلية وتحذيرات من الحلّ التلقائي

في ضوء نتائج التقرير، طالبت محكمة المحاسبات إدارة بلدية أنقرة الكبرى (ABB) بعقد اجتماع عاجل للجمعية العامة لشركة أنفا لاتخاذ تدابير تصحيحية.
كما أوصت بضرورة إعادة تقييم نموذج العمل وتعيين إدارة مالية مستقلة لضمان الشفافية وتطبيق ضوابط الإنفاق العام.

وحذّر الخبراء الاقتصاديون في تركيا من أن استمرار الوضع دون تدخل حكومي “قد يؤدي إلى انتهاء الكيان القانوني للشركة تلقائيًا خلال الأشهر المقبلة، ما لم يتم ضخ رأس مال جديد أو إعادة هيكلة الديون جذريًا”.

خلفية عن شركة أنفا (ANFA)

تُعد شركة أنفا أنقرة ألتنبارك (ANFA Ankara Altınpark İşletmeleri) واحدة من أبرز الشركات التابعة لبلدية أنقرة الكبرى، وتدير عددًا من المرافق العامة والحدائق والمساحات الترفيهية في العاصمة التركية.
تأسست الشركة في سبعينيات القرن الماضي لتطوير الخدمات الحضرية، لكنها شهدت خلال السنوات الأخيرة خسائر مالية متصاعدة بسبب ضعف الكفاءة التشغيلية وتراجع الإيرادات.

ومنذ عام 2021، واجهت الشركة انتقادات متكررة من المعارضة التركية ومن وسائل الإعلام المحلية بسبب تضخم النفقات الإدارية وغياب الشفافية في العقود والمشتريات.

تحليل وتداعيات اقتصادية

يرى محللون اقتصاديون أن أزمة أنفا تمثل نموذجًا لأزمة أوسع تواجهها الشركات البلدية التركية نتيجة الاعتماد المفرط على التمويل الحكومي وضعف الحوكمة.
ويشير الخبراء إلى أن تفعيل المادة 376 من القانون التجاري قد يشكل سابقة مهمة في تطبيق معايير الانضباط المالي على الكيانات التابعة للبلديات الكبرى.

كما يمكن أن تؤثر هذه الأزمة على تصنيف الديون البلدية وعلى ثقة المستثمرين المحليين والدوليين في الأداء المالي للمؤسسات العامة في تركيا، خاصة في ظل التحديات الاقتصادية الراهنة وتراجع الليرة التركية.

خاتمة

تقرير محكمة المحاسبات لعام 2024 حول شركة أنفا يسلّط الضوء على واحدة من أخطر الأزمات المالية في القطاع البلدي التركي خلال السنوات الأخيرة، إذ يجمع بين ذوبان رأس المال، وتفاقم الخسائر، والمخالفات الإدارية.
ومع تحذيرات القضاء المالي من “الإنهاء التلقائي” للشركة، يبقى مستقبل أنفا مرهونًا بمدى سرعة تحرك بلدية أنقرة لإعادة هيكلتها قبل أن تفقد وجودها القانوني بالكامل.

مشاركة على: