النرويج تنهي حظر الأسلحة لقبرص بعد 65 عاماً

النرويج تنهي حظر الأسلحة لقبرص بعد 65 عاماً
النرويج تنهي حظر الأسلحة لقبرص بعد 65 عاماً

النرويج تنهي حظر الأسلحة لقبرص بعد 65 عاماً

 

في خطوة وُصفت بأنها تحول تاريخي في سياسات شمال أوروبا تجاه شرق المتوسط، أعلنت الحكومة النرويجية رفع الحظر المفروض منذ أكثر من 65 عاماً على تصدير الأسلحة إلى الإدارة القبرصية اليونانية لجنوب قبرص. القرار، الذي تم اتخاذه بعد مكالمة هاتفية بين وزير الخارجية النرويجي إسبن بارث إيدي والرئيس القبرصي نيكوس كريستودوليدس، يفتح الباب أمام التعاون العسكري بين الجانبين للمرة الأولى منذ عام 1959.

تفاصيل القرار النرويجي

وأعلنت أوسلو أن القرار جاء بعد تقييم شامل للوضع السياسي والأمني في شرق البحر الأبيض المتوسط، حيث رأت الحكومة النرويجية أن نيقوسيا أصبحت "شريكاً موثوقاً ومستقراً" في المنطقة، وأن الظروف الحالية لم تعد تستدعي استمرار الحظر الذي فُرض لأسباب تاريخية.

ووفقاً للبيان الرسمي الصادر عن وزارة الخارجية النرويجية، فإن القرار يتيح للسلطات القبرصية التقدم بطلبات للحصول على معدات دفاعية وعسكرية ومزدوجة الاستخدام، بما يتماشى مع المعايير الأوروبية في الرقابة على صادرات الأسلحة.

كريستودوليدس: خطوة تعزز الشراكة الدفاعية

من جانبه، أعلن الرئيس القبرصي اليوناني نيكوس كريستودوليدس عن القرار عبر منشور رسمي على حسابه في منصة "إكس" (تويتر سابقاً)، قال فيه:

"أرحب بقرار وزير الخارجية النرويجي إسبن بارث إيدي بفتح طلبات لتصدير معدات دفاعية ومزدوجة الغرض للأغراض العسكرية إلى قبرص. إنها خطوة مهمة لتعزيز التعاون الدفاعي الثنائي بين قبرص والنرويج."

وأضاف كريستودوليدس أن هذا القرار يمثل بداية مرحلة جديدة في العلاقات الثنائية، مشيراً إلى أن نيقوسيا تعمل منذ فترة على تنويع مصادر تسليحها وتحديث قواتها المسلحة بما يتماشى مع المعايير الغربية.

خلفية تاريخية: حظر منذ عام 1959

يعود الحظر النرويجي إلى عام 1959، حين قررت أوسلو وقف تصدير الأسلحة إلى مناطق الصراع المحتملة، بما في ذلك جزيرة قبرص، التي كانت آنذاك تشهد توترات طائفية وصراعات مسلحة بين القبارصة اليونانيين والأتراك.

وقد ظل القرار ساري المفعول لأكثر من ستة عقود في إطار سياسة نرويجية قائمة على "تصدير السلام" وتجنب تسليح المناطق الحساسة. ومع ذلك، فإن التغيرات الجيوسياسية في شرق المتوسط، ولا سيما بعد انضمام قبرص إلى الاتحاد الأوروبي عام 2004، دفعت النرويج إلى إعادة تقييم سياستها القديمة.

الجيش القبرصي يستعد لتقديم طلبات تسليح

وفقاً لتقارير في الصحافة القبرصية اليونانية، سيتمكن الحرس الوطني القبرصي اليوناني من تقديم طلبات رسمية لشراء معدات عسكرية ودفاعية من النرويج بعد رفع الحظر. وتشمل المعدات أنظمة اتصالات عسكرية، وأسلحة خفيفة، ومعدات مراقبة واستطلاع.

وتشير بعض المصادر إلى أن قبرص قد تسعى إلى الحصول على أنظمة دفاع إلكتروني وتقنيات مراقبة بحرية، لتعزيز قدراتها في مراقبة سواحلها ضمن البحر الأبيض المتوسط، خاصة في ظل التوترات المتزايدة مع تركيا حول مناطق الغاز والطاقة.

أسباب القرار: “الاستقرار الإقليمي والشراكة الأوروبية”

في تحليل صادر عن صحيفة Aftenposten النرويجية، أوضحت دوائر سياسية أن رفع الحظر "يتماشى مع توجه أوروبي أوسع نحو تعزيز القدرات الدفاعية للدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي"، وهو ما تعتبره النرويج، رغم كونها خارج الاتحاد، مصلحة استراتيجية في استقرار المنطقة.

وأضاف التقرير أن أوسلو تعتبر قبرص شريكاً موثوقاً في مجالات مكافحة الإرهاب، ومراقبة الحدود، والأمن البحري، وأن التعاون الدفاعي بين البلدين قد يشمل برامج تدريب مشتركة في المستقبل القريب.

تحليل: خطوة نحو توازن جديد في شرق المتوسط

يرى المحلل السياسي التركي د. أوزغور دمير أن هذا التطور "يعكس محاولة أوروبية غير مباشرة لإعادة التوازن في شرق المتوسط"، مشيراً إلى أن "رفع الحظر النرويجي ليس حدثاً معزولاً، بل يأتي بعد سلسلة من الخطوات الأوروبية لدعم الإدارة القبرصية اليونانية عسكرياً".

ويضيف دمير أن "القرار قد يُنظر إليه في أنقرة كجزء من محاولة لتعزيز مواقع قبرص اليونانية في النزاعات الإقليمية حول الطاقة والمياه الإقليمية"، ما قد يفتح الباب أمام توترات دبلوماسية جديدة بين تركيا وبعض دول الشمال الأوروبي.

تحديث عسكري شامل في قبرص

شهدت السنوات الأخيرة عملية تحديث شاملة لقوات الحرس الوطني القبرصي، شملت إعادة هيكلة المؤسسة العسكرية، وتطوير منظومات القيادة والسيطرة، وتوقيع اتفاقيات تعاون دفاعي مع دول مثل فرنسا، وإسرائيل، والولايات المتحدة.

ويؤكد مراقبون أن قبرص تسعى إلى مواءمة بنيتها العسكرية مع معايير حلف الناتو رغم عدم عضويتها الرسمية، في محاولة لبناء منظومة دفاعية متطورة تتيح لها المشاركة في العمليات الأوروبية المشتركة.

ردود الفعل التركية

لم تصدر أنقرة حتى الآن بياناً رسمياً حول القرار، لكن مصادر دبلوماسية تركية نقلت لوسائل الإعلام المحلية أن "أي تحرك لتسليح قبرص اليونانية من قبل أطراف ثالثة سيُنظر إليه بحذر بالغ".

وأشار مصدر رسمي إلى أن تركيا "تتابع بقلق أي خطوات قد تخلّ بالتوازن العسكري في الجزيرة"، مؤكداً أن أنقرة ستواصل الدفاع عن حقوق القبارصة الأتراك في شرق المتوسط بكل الوسائل السياسية والقانونية المتاحة.

خاتمة

إن قرار النرويج إنهاء حظر الأسلحة المفروض منذ عام 1959 يمثل نقطة تحول رمزية في علاقاتها مع قبرص، ويفتح الباب أمام مرحلة جديدة من التعاون الدفاعي الأوروبي في شرق البحر الأبيض المتوسط.
وبينما تراه نيقوسيا "انتصاراً دبلوماسياً" يعزز مكانتها الإقليمية، تنظر إليه أنقرة على أنه تطور يستدعي اليقظة في منطقة تشهد أصلاً توازناً هشاً بين المصالح الاستراتيجية للدول المتشاطئة.

مشاركة على: