الطاقة النظيفة تغزو العقارات التركية.. أرقام قياسية جديدة

الطاقة النظيفة تغزو العقارات التركية.. أرقام قياسية جديدة
الطاقة النظيفة تغزو العقارات التركية.. أرقام قياسية جديدة

الطاقة النظيفة تغزو العقارات التركية.. أرقام قياسية جديدة

أعلنت وزارة البيئة والتشييد وتغيّر المناخ التركية أن عدد المباني الحاصلة على شهادة هوية الطاقة (Enerji Kimlik Belgesi) قد تجاوز رسميًا المليون مبنى منذ بدء تطبيق النظام قبل أكثر من عقد، ما يعكس تقدم تركيا السريع نحو تحقيق أهدافها في رفع كفاءة استهلاك الطاقة وتقليل الانبعاثات الكربونية في قطاع البناء.

يُعد هذا الإنجاز خطوة مفصلية في سياسة تركيا الرامية إلى تعزيز مفهوم الاستدامة في العمران، حيث تلزم القوانين التركية جميع المباني الجديدة بالحصول على هذه الشهادة قبل الحصول على “الطابو” أو رخصة الاستخدام النهائية. ويأتي ذلك ضمن خطة وطنية لتقليل الهدر في الطاقة وتحسين جودة العزل والتدفئة والتبريد والإضاءة في المباني السكنية والتجارية على حد سواء.

ووفقًا لبيانات وزارة البيئة، فإن تطبيق نظام “هوية الطاقة” بدأ عام 2011 وشمل في البداية المباني الحديثة فقط، قبل أن يتوسع لاحقًا ليشمل المباني القائمة ضمن برنامج تحديث شامل للبنية التحتية. وتشير التقديرات الرسمية إلى أن نحو نصف مليون مبنى جديد أُدرج ضمن النظام خلال السنوات الأخيرة، فيما خضعت مئات الآلاف من الأبنية القديمة لتحديث معاييرها الطاقية.

تُصنّف شهادة هوية الطاقة المباني ضمن سبع درجات تبدأ من “A” الأكثر كفاءة إلى “G” الأقل كفاءة، بناءً على عوامل عديدة تشمل العزل الحراري، نظم التدفئة والتبريد، استهلاك المياه، نوع الإضاءة، واستخدام الطاقة المتجددة. ويمنح التصنيف الأعلى مزايا إضافية للمالكين، مثل تخفيضات في فواتير الكهرباء والغاز وإمكانية الحصول على حوافز تمويلية أو استثمارية.

ويرى خبراء القطاع العقاري أن “الطابو الطاقي” سيُصبح خلال السنوات المقبلة أحد العناصر الأساسية في تقييم قيمة العقار في السوق التركي، تمامًا كما هو الحال في أوروبا. فالمباني الحاصلة على شهادة عالية الكفاءة تُعد أكثر جذبًا للمستثمرين المحليين والأجانب، خاصة مع ارتفاع تكاليف الطاقة عالميًا وتزايد الوعي البيئي.

من جانبه، أكد مسؤولو الوزارة أن تطبيق النظام ساهم في خفض استهلاك الطاقة في المباني بنسبة ملحوظة خلال السنوات الأخيرة، إلى جانب تقليل انبعاثات الغازات الضارة وتحسين جودة الهواء داخل المدن الكبرى. وأضافوا أن الوزارة تواصل العمل على تطوير البنية التقنية لزيادة سرعة إصدار الشهادات إلكترونيًا عبر منصة “e-Devlet”، بحيث يتمكن المواطنون والمستثمرون من متابعة معاملاتهم بسهولة وشفافية.

وتحظى هذه الخطوة بدعم من مؤسسات الاتحاد الأوروبي والبنك الدولي ضمن برامج تمويل المشاريع الخضراء، ما يعزز موقع تركيا في خريطة الطاقة النظيفة العالمية. كما تشير تقارير حديثة إلى أن أنقرة تعمل حاليًا على وضع خطة جديدة لتشجيع استخدام الطاقة الشمسية والمواد الصديقة للبيئة في مشاريع البناء المستقبلية.

من جهة أخرى، يرى بعض الخبراء أن التحدي الأكبر يكمن في تحديث الأبنية القديمة التي تفتقر إلى العزل الحراري المناسب أو تعتمد على أنظمة تدفئة غير فعالة، وهي مبانٍ تشكّل جزءًا كبيرًا من الكتلة العمرانية في المدن الكبرى مثل إسطنبول وإزمير وأنقرة. لذلك تعمل السلطات على إطلاق برامج دعم لتجديد هذه الأبنية ومنحها تصنيفًا طاقيًا رسميًا.

أما بالنسبة للعرب المقيمين في تركيا والمستثمرين في القطاع العقاري، فإن “الطابو الطاقي” يُعد مؤشرًا جديدًا يجب الانتباه إليه قبل شراء العقار، إذ يمكن أن يرفع من قيمة العقار المستقبلية ويقلل من تكاليف التشغيل الشهرية. كما أنه قد يصبح شرطًا إلزاميًا في المعاملات العقارية المستقبلية، تمامًا كما حدث مع التسجيل العقاري الإلكتروني في السنوات الماضية.

ويؤكد محللون اقتصاديون أن تجاوز عدد المباني الحاصلة على الشهادة حاجز المليون يشير إلى تحول نوعي في ثقافة البناء في تركيا، من نموذج يركز على الشكل الخارجي إلى آخر يهتم بجودة الحياة وكفاءة الطاقة. كما يُتوقع أن يسهم هذا التطور في خلق فرص استثمار جديدة في مجالات العزل الحراري، وأنظمة الطاقة المتجددة، والمقاولات الذكية.

في المجمل، يعكس هذا الإنجاز مدى التزام تركيا بالتحول إلى اقتصاد أخضر أكثر استدامة وكفاءة، في وقت تسعى فيه الدول الكبرى لتقليل بصمتها الكربونية وتحقيق التوازن بين النمو الاقتصادي والحفاظ على البيئة. ومع استمرار العمل على تطوير القوانين والمعايير، يبدو أن الطريق نحو “تركيا خضراء” قد بدأ بالفعل بخطوات ثابتة وواثقة.

مشاركة على: