تحوّل غامض يهزّ عالم الجمال

في خطوة غير متوقعة هزّت أسواق الصحة والجمال، أعلنت شركة Kimberly-Clark العالمية عن استحواذها على سلسلة من العلامات التجارية المتخصّصة في إنتاج مستحضرات
التجميل والعناية الشخصية المستدامة. الصفقة التي وُصفت بأنها «أضخم تحرك استراتيجي في القطاع خلال العقد الأخير» تأتي في وقت يشهد فيه السوق العالمي تحولات كبيرة نحو المنتجات الطبيعية والتقنيات الخضراء، مع ارتفاع وعي المستهلكين حول مكوّنات المنتجات وتأثيرها الصحي والبيئي.

خلال المؤتمر الصحفي الذي عُقد في نيويورك، أكّد المدير التنفيذي للشركة أن هذه الخطوة تمثل "تحولًا جذريًا في فلسفة الجمال" التي لم تعد تقتصر على المظهر الخارجي، بل تشمل الصحة الداخلية والاستدامة، موضحًا أن الجمال في 2025 لم يعد مجرّد منتج يوضع على البشرة، بل تجربة متكاملة تجمع بين العلم، الطبيعة، والتقنية.
وأشار إلى أن العلامات التجارية التي شملتها الصفقة تتميز بتركيباتها الطبيعية الخالية من المواد الكيميائية الضارة، وتعتمد على مكوّنات نباتية وأعشاب طبية، إضافة إلى استخدام الذكاء الاصطناعي لتحليل نوع البشرة واقتراح روتين عناية مخصص لكل مستخدم.

ومن أبرز جوانب الصفقة المثيرة للاهتمام دخول الذكاء الاصطناعي وتقنيات الواقع المعزز في تجربة الجمال اليومية. فبحسب مصادر الشركة، تعمل Kimberly-Clark على تطوير تطبيق ذكي يمكّن المستخدمين من فحص بشرتهم عبر الكاميرا، وتحليل نسبة الرطوبة والمسام والمناطق الجافة، ثم اقتراح منتجات مخصصة من مجموعتها الجديدة.
هذه التكنولوجيا، التي يُتوقع أن تُطلق رسميًا منتصف عام 2026، ستحوّل مفهوم "العناية بالبشرة" من استهلاك عشوائي إلى تجربة رقمية دقيقة تعتمد على بيانات علمية. ويرى الخبراء أن هذه الخطوة ستجعل الشركة منافسًا قويًا لعمالقة مثل L’Oréal وUnilever في سوق الجمال الذكي.

بحسب تقارير اقتصادية، فإن الصفقة ستُعيد رسم خريطة صناعة الجمال، خاصة في الأسواق الأوروبية والآسيوية، حيث تتجه الشركات إلى دمج التكنولوجيا بالمنتجات الطبيعية لتلبية طلب المستهلكين الشباب الباحثين عن حلول مستدامة وصديقة للبيئة.
كما من المتوقع أن ترتفع حصة Kimberly-Clark السوقية بنسبة 17% خلال العام المقبل، مدفوعةً بإطلاق خطوط إنتاج جديدة تركز على الجمال النقي والعناية بالبشرة الحساسة، وهو ما يعكس اتجاهًا عالميًا نحو "الجمال الواعي" الذي يجمع بين الفعالية والأخلاق البيئية.

الخبيرة في مجال التجميل والتسويق الدولي "إيزابيلا ماركز" قالت في تصريح خاص لمجلة Global Beauty Today:
"ما نشهده اليوم هو ثورة في تعريف الجمال. المستهلك لم يعد يشتري المنتج الأرخص أو الأشهر، بل يسأل عن مصدر المكونات، وتأثيرها على البيئة، وحتى طريقة تعبئتها."
وأضافت أن الصفقة تعكس تحولًا ثقافيًا أيضًا، حيث باتت الشركات مطالبة بالشفافية الكاملة في التصنيع والتسويق، مع الالتزام بالقيم الإنسانية والبيئية.
من جانبه، أوضح الخبير الاقتصادي "جان بول كاريه" أن الصفقة ليست مجرد استثمار تجاري، بل رهان طويل الأمد على مستقبل الجمال الرقمي والمستدام. وأشار إلى أن الشركات التي تدمج التكنولوجيا بالمنتجات الطبيعية ستحتل الصدارة في العقد القادم.

تسعى Kimberly-Clark من خلال هذه الخطوة إلى إعادة تعريف علاقتها بالمستهلك. فبعد سنوات من الاعتماد على منتجات النظافة والعناية اليومية، بدأت الشركة تتجه نحو فئة جديدة من العملاء المهتمين بالعناية الذاتية holistically — أي بالجمع بين الصحة النفسية والجسدية والجمالية.
وقد أعلن قسم التسويق في الشركة أن الحملة الإعلانية الجديدة التي ستُطلق قريبًا ستحمل شعار "جمالك يبدأ من الداخل"، في محاولة لتغيير الخطاب التجاري التقليدي الذي طالما ركّز على الشكل فقط.

تعاونت الشركة مع مختبرات بحثية في كوريا الجنوبية وسويسرا لتطوير تركيبات جديدة تعتمد على مستخلصات الطحالب البحرية، وخلاصات الشاي الأخضر، والمعادن النادرة التي تُعيد التوازن إلى البشرة.
هذه التركيبات ليست مجرّد ترف، بل استجابة لبحوث علمية تؤكد أن التعرض المستمر للتلوث والضغط النفسي يؤثران بشكل مباشر على مظهر الجلد، ما يجعل المنتجات الوقائية والتغذوية أكثر طلبًا من مستحضرات التجميل التقليدية.
تأثير اقتصادي واسع
اقتصاديًا، وصفت وكالات التحليل المالي الصفقة بأنها "مغامرة محسوبة" في وقت يشهد فيه العالم تباطؤًا نسبيًا في مبيعات الجمال التقليدي. فبينما تراجعت أرباح بعض الشركات المنافسة، تتجه Kimberly-Clark إلى تحقيق نمو مزدوج من خلال دمج التكنولوجيا والمكونات العضوية.
تقدّر القيمة الإجمالية للصفقة بملايين الدولارات، وتشمل استثمارات إضافية في خطوط إنتاج ذكية تعمل بالطاقة المتجددة، بهدف تقليل البصمة الكربونية بنسبة 30% بحلول عام 2027.
الاستدامة كمحور رئيسي
واحدة من النقاط الجوهرية في الصفقة هي الالتزام البيئي. فقد أعلنت الشركة أن جميع منتجاتها الجديدة ستكون خالية من البلاستيك أحادي الاستخدام، وأن التغليف سيعتمد بالكامل على مواد قابلة للتحلل أو إعادة التدوير.
كما تخطط Kimberly-Clark لإطلاق مبادرة تعليمية بالتعاون مع جامعات أوروبية تهدف إلى تدريب الجيل الجديد من خبراء الجمال على ممارسات التصنيع الأخضر، بما في ذلك تقنيات الكيمياء الحيوية المستدامة.
التحديات المقبلة
ورغم التفاؤل الكبير، يرى بعض المحللين أن الطريق ليس سهلًا. فالسوق يعجّ بالمنافسين الذين يملكون حضورًا قويًا في مجالات الجمال العضوي، كما أن دمج التكنولوجيا في المنتجات يتطلب استثمارات ضخمة وصبرًا طويل الأمد قبل تحقيق عائد فعلي.
ومع ذلك، يشير مراقبون إلى أن Kimberly-Clark تمتلك القدرة والموارد لتجاوز هذه العقبات، بفضل شبكتها الواسعة من التوزيع وخبرتها الطويلة في تلبية احتياجات المستهلكين عبر القارات.
انعكاسات ثقافية واجتماعية
على الصعيد الاجتماعي، رحّب كثير من المستخدمين بالتحول نحو الجمال الطبيعي، معتبرين أن هذه الخطوة تشجع على التصالح مع الذات والابتعاد عن الصورة النمطية للجمال المثالي التي تفرضها الإعلانات.
كما شهدت مواقع التواصل الاجتماعي موجة من التفاعل مع شعار الشركة الجديد، إذ رأى البعض أنه خطوة نحو "تحرير الجمال من المعايير الصارمة"، بينما اعتبر آخرون أنه "تسويق ذكي" يرتكز على العاطفة أكثر من المضمون.
نظرة مستقبلية
بحسب التقديرات الأولية، من المتوقع أن تُطلق Kimberly-Clark أول سلسلة من منتجاتها الجديدة في الربع الثالث من عام 2025، تتبعها مرحلة ثانية تشمل دخول أسواق الشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية.
ويرى المحللون أن هذا التوسع سيجعل الشركة لاعبًا عالميًا رئيسيًا في سوق تبلغ قيمته أكثر من 600 مليار دولار سنويًا، وسط توجه عالمي نحو "الجمال النظيف" والمنتجات الصحية المتكاملة.
الخلاصة
الصفقة ليست مجرّد توسع تجاري، بل إعلان عن عصر جديد للجمال تتداخل فيه التكنولوجيا والعلم والطبيعة لتقديم تجربة أكثر وعيًا واستدامة.
ويبدو أن العالم يقف على أعتاب مرحلة يتراجع فيها بريق الجمال السطحي ليحلّ مكانه جمال الوعي والمسؤولية.