الولايات المتحدة ترفع العقوبات عن سوريا وتعلّق قانون قيصر
في خطوة وصفت بأنها تحول جذري في السياسة الأمريكية تجاه دمشق، أعلنت وزارتا الخارجية والتجارة الأمريكيتان، إلى جانب مكتب مراقبة الأصول الأجنبية (OFAC)، عن رفع العقوبات الشاملة المفروضة على سوريا وتعليق العمل بقانون قيصر، الذي شكّل لعقود أحد أبرز أدوات الضغط الاقتصادي والسياسي على الحكومة السورية.
وجاء الإعلان ضمن بيان مشترك صدر في نوفمبر 2025 بعنوان "تخفيف العقوبات وضوابط الصادرات عن سوريا"، حيث أكدت الولايات المتحدة التزامها "بدعم سوريا مستقرة وموحدة وسلمية"، مشيرة إلى أن القرار يهدف إلى منح البلاد "فرصة جديدة للسلام والازدهار" بعد سنوات من العزلة الاقتصادية.
ووفق الوثيقة الرسمية التي حملت أختام وزارة الخزانة الأمريكية ووزارة الخارجية ووزارة التجارة، فقد أقرّ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الأمر التنفيذي رقم 14312، الذي يقضي بإلغاء البرنامج الشامل للعقوبات على سوريا، وإعادة السماح بالتعاملات الاقتصادية والمدنية، مع الإبقاء فقط على القيود الموجهة ضد "الأسوأ من الأسوأ"، في إشارة إلى شخصيات محددة متهمة بانتهاكات أو أنشطة مزعزعة للاستقرار.
رفع شامل للعقوبات
البيان أوضح أن الولايات المتحدة "لم تعد تفرض عقوبات شاملة على سوريا"، مضيفًا أن قانون قيصر، الذي دخل حيز التنفيذ عام 2020، "تم تعليقه باستثناء التعاملات القابلة للعقوبات مع روسيا وإيران".
كما سمحت واشنطن بـ"نقل معظم السلع الأمريكية المنشأ، بما في ذلك المعدات المدنية والبرمجيات والتكنولوجيا، إلى سوريا أو داخلها دون الحاجة إلى ترخيص مسبق"، في خطوة تهدف إلى تحريك عجلة الاقتصاد السوري المتوقف منذ أكثر من عقد.
أهداف القرار
وأشار البيان إلى أن رفع العقوبات يهدف إلى "دعم جهود سوريا في إعادة بناء اقتصادها وتوفير الرخاء لجميع مواطنيها، بما في ذلك الأقليات الدينية والعرقية، فضلًا عن مكافحة الإرهاب".
وأكدت الإدارة الأمريكية أن هذا القرار يأتي "لتشجيع القطاع الخاص الأمريكي والشركاء الإقليميين والدوليين على إعادة الانخراط في السوق السورية"، معتبرة أن "إعادة دمج سوريا اقتصاديًا خطوة ضرورية لتحقيق الاستقرار الدائم في الشرق الأوسط".
بقاء بعض القيود
ورغم هذا التحول الكبير، أكدت الوثيقة أن العقوبات ما زالت قائمة على بعض الشخصيات والكيانات، بينهم الرئيس بشار الأسد وعدد من المقربين منه، بالإضافة إلى من تصفهم واشنطن بـ"منتهكي حقوق الإنسان، ومهربي الكبتاغون، والجهات الإقليمية المزعزعة للاستقرار".
كما لفت البيان إلى أن الحكومة الأمريكية "ستواصل مراجعة تصنيف سوريا كدولة راعية للإرهاب"، مشيرة إلى أن بعض المواد الواردة في قائمة ضوابط الصادرات الأمريكية (CCL) ستظل تحتاج إلى ترخيص قبل شحنها إلى سوريا.
تشجيع على إعادة الإعمار
القرار الأمريكي يأتي بعد نقاشات طويلة داخل المؤسسات الأمريكية حول جدوى العقوبات في ظل المعاناة الإنسانية التي تعيشها سوريا منذ أكثر من 13 عامًا من الحرب والعقوبات.
وقال مسؤول في وزارة الخارجية الأمريكية، وفق نص البيان، إن "إزالة العقوبات خطوة عملية لإعطاء الشعب السوري فرصة لإعادة بناء بلاده وتحقيق الأمن والازدهار".
وأضاف: "العقوبات الشاملة لم تعد تحقق الغرض منها، بل أصبحت عبئًا على المدنيين وأداة بيد المتطرفين لإضعاف الدولة السورية".
"فرصة للعظمة"
وأكد البيان أن الرئيس دونالد ترامب نفذ وعده بمنح سوريا "فرصة للعظمة" عبر هذا القرار، داعيًا المجتمع الدولي إلى اغتنام الفرصة ودعم جهود الإعمار، مشيرًا إلى أن رفع العقوبات سيفتح الباب أمام الشركات والبنوك الأمريكية والدولية للمشاركة في مشاريع إعادة الإعمار والاستثمار في قطاعات الطاقة، والبنية التحتية، والزراعة، والتعليم، والتكنولوجيا.
ردود الفعل الأولية
ولم تصدر حتى الآن مواقف رسمية من الحكومة السورية أو حلفائها الرئيسيين بشأن الخطوة الأمريكية، إلا أن المراقبين يرون فيها تحولًا جذريًا في نهج واشنطن تجاه دمشق بعد سنوات من العزلة والضغوط.
ويرى محللون أن تعليق قانون قيصر يمثل "إعلان نهاية مرحلة العزل الاقتصادي" ويفتح الباب أمام عودة سوريا إلى النظام المالي العالمي تدريجيًا، خاصة مع تزايد الدعوات الأوروبية والعربية لإعادة إدماج دمشق في المشهد الإقليمي.
خلفية قانون قيصر
يُذكر أن قانون قيصر الأمريكي فُرض عام 2019 ودخل حيّز التنفيذ في منتصف 2020، وكان يهدف إلى معاقبة أي جهة تتعامل مع الحكومة السورية أو تشارك في مشاريع إعادة الإعمار، ما تسبب في شلل اقتصادي واسع وارتفاع حاد في الأسعار، وانكماش في قطاعي الطاقة والبناء.
لكن الضغوط الإنسانية المتزايدة، إلى جانب تغير أولويات السياسة الأمريكية، دفعت واشنطن لإعادة النظر في القانون بعد مرور خمس سنوات على تطبيقه.
إشارات إلى انفتاح اقتصادي
وتوقع خبراء أن يؤدي هذا القرار إلى تدفق رؤوس الأموال والاستثمارات الأجنبية، خصوصًا من دول عربية أعادت علاقاتها مع دمشق مؤخرًا مثل الإمارات والسعودية والأردن، إضافة إلى فتح المجال أمام عودة الشركات الغربية التي غادرت السوق السورية منذ عام 2011.
كما يُنتظر أن ينعكس رفع العقوبات على سعر صرف الليرة السورية، وأسعار المواد الغذائية والطاقة، مع تحسن في الأوضاع المعيشية العامة إذا ما تم تنفيذ الخطوات الاقتصادية المرافقة.
وفي ختام البيان، شددت الحكومة الأمريكية على أن "رفع العقوبات لا يعني التغاضي عن الانتهاكات السابقة"، لكنها أوضحت أن الهدف هو "فتح صفحة جديدة مع الشعب السوري وتمهيد الطريق أمام المصالحة الوطنية والتنمية المستدامة".
وبهذا الإعلان، تكون الولايات المتحدة قد أنهت أكثر من عقد من القيود الاقتصادية المفروضة على دمشق، فاتحة الباب أمام مرحلة جديدة من العلاقات بين البلدين، وموجِّهة رسالة واضحة بأن الاستقرار في سوريا بات مصلحة أمريكية وإقليمية مشتركة.