تقرير: تداعيات التضخم العالمي على اللّيرة التركيّة
السياق العام
في تركيا، سجّلت معدّلات التضخّم السنوية انخفاضاً طفيفاً لتصل إلى 32.87 % في أكتوبر 2025 ، وهي نسبة أقلّ من التوقعات السابقة . في الوقت ذاته ، تواجه الليرة التركية ضغوطاً متزايدة بسبب ضعفها المتواصل أمام العملات الرئيسية ، الأمر الذي يعزّز عبء التضخّم عبر ارتفاع تكاليف الواردات وتحفيز انتقال ارتفاع الأسعار إلى الداخل .
الظروف العالمية تُفاقم الأمر : ارتفاع أسعار المواد الخام ، تحرّكات العملات العالمية ، وتراجع معنويات المستثمرين تجاه الأسواق الناشئة تُعدّ من العوامل الخارجية التي تؤثر على عملة بلد مثل تركيا . على سبيل المثال ، دراسات تؤكّد أن صدمة أسعار النفط أو انخفاض معدّلات الفائدة تؤدّي إلى تسارع المعدّلات التضخمية في تركيا . دراسة أخرى تشير إلى أن سوق التضخّم في الأسواق الناشئة يتأثّر بشكل ملحوظ بالروابط التجاريّة والمالية الدولية ، بما في ذلك تركيا .
تحليل التأثيرات على الليرة التركية
أ. ضعف العملة وتأثيره
ضعف الليرة يرفع من قيمة الواردات بالعملة المحلية ، ما يُحوّل صدمة ارتفاع الأسعار العالمية مباشرة إلى الداخل بمرور سعر الصرف (exchange‐rate pass-through) . دراسة أكاديمية تؤكّد أن تركيا شهدت تزامناً قوياً بين تدهور سعر الصرف وحدوث التضخّم ، نتيجة ضعف سياسة سعر الفائدة وعدم السيطرة على التوقّعات .
ب. التضخّم العالمي كضغط خارجي
ارتفاع أسعار الطاقة والسلع الأساسية عالمياً يزيد من تكلفة الواردات لتركيا . علاوة على ذلك ، تحوّل المستثمرين إلى العملات الأكثر أماناً أو سحب رؤوس الأموال من الأسواق الناشئة يزيد ضعف العملة المحلية .
مثال : ارتفاع الدولار أمرّ أسواق الناشئة عامةً ، ما يُضعف عملتها ويُسرّع التضخّم .
ج. المعضلة النقدية – سياسة الفائدة والتوقّعات
بنك تركيا المركزي (“CBRT”) أعلن التزامه باستهداف تضخّم بنحو 16 % نهاية 2026 ، ورغم ذلك خفض الفائدة إلى نحو 39.5 % مؤخراً ، رغم وجود مخاطر واضحة على التضخّم . خفض الفائدة في ظلّ تضخّم مرتفع يضعف قيمة العملة ويزيد من صعوبة السيطرة على الأسعار .
د. تبعات على السكان والاقتصاد الحقيقي
ارتفاع تكاليف المعيشة : التضخّم بـ 30 % يعني أن القدرة الشرائية لليرة تتراجع بنحو ثلث تقريباً من دون تحسّن الأجور .
المدخرات بالليرة تتأثر بشدة ، وقد يلجأ الأفراد إلى العملات الأجنبية كتحوط .
الشركات المستوردة أو المعتمدة على السوق العالمية تجد تكاليفها بالليرة ترتفع ، ما قد يقلّل أرباحها أو يدفعها لرفع الأسعار .
ضعف الليرة يقلّل من ثقة المستثمرين الأجانب والمحليين ، ما قد يعوق تدفّق رأس المال ويزيد الضغط على العملة .
سيناريوهات المستقبل والمخاطر
سيناريو إيجابي : إذا نجحت CBRT في تثبيت التوقّعات النقدية ، وحققّت خفضاً تدريجياً للتضخّم إلى نحو 16 % في 2026 كما تستهدف . في هذه الحالة يمكن لليرة أن تستعيد بعض الثقة ، ويُخفض عبء التضخّم .
سيناريو سلبي : استمرار ضعف الليرة ، أو حدوث صدمة خارجية ( ارتفاع أسعار الطاقة أو هروب رؤوس المال ) ستؤدي إلى إعادة رفع معدّلات التضخّم ، وضعف أكبر للعملة ، وربما تدخلات أممية أو تغيّرات هيكلية مطلوبة .
حفنة من المحللين يرون أن الأهداف رسمية لكنّ التنفيذ والموثوقية محدودان . يقول المحلل التركي Dağlar Özkan إن "البنك المركزي يبدو متفائلاً بعض الشيء وأنّ الفائدة قد لا تكون مشدّدة بما يكفي لتحقيق الأهداف".
استنتاج
التضخّم العالمي ، وفقدان قيمة الليرة التركية ، وسياسات الفائدة غير التقليدية ، تلتقي لتكوين بيئة محفوفة بالمخاطر للعملة المحلية . السيطرة على التضخّم لا تتطلب فقط خفضاً في الأسعار ، بل استعادة ثقة السوق بالليرة ، وتحسين الهيكل الاقتصادي لتقليل الاعتماد على الواردات وتقلبات العملة . لا تزال المسألة معقّدة : انخفاض التضخّم إلى نحو 33 % في أكتوبر 2025 يُعدّ علامة إيجابية ، لكنه ليس كافياً لطمأنة الأسواق أو إنهاء ضعف العملة .