كيف يقضي المقيمون العرب يوم الجمعة في تركيا

كيف يقضي المقيمون العرب يوم الجمعة في تركيا
كيف يقضي المقيمون العرب يوم الجمعة في تركيا

كيف يقضي المقيمون العرب يوم الجمعة في تركيا

في قلب المدن التركية، وعلى ضفاف البوسفور، وبين أزقة الأسواق والمقاهي، يعيش آلاف العرب المقيمين حياة يومية تنسج بين الالتزامات الدينية والاجتماعية. يوم الجمعة، لدى هؤلاء العرب ليس مجرد يوم عمل عادي أو بداية عطلة نهاية الأسبوع، بل هو يوم مميز، يحمل أبعاداً روحية واجتماعية وثقافية. في هذا التقرير، نسلّط الضوء على كيف يقضون هذا اليوم، بدءاً من الصباح الباكر وحتى نهاية الليل، مع تحليل الدوافع، والعوائق، والفرص، والتفاعل مع البيئة التركية المُحيطة.

7 نصائح تساعدك على الاستيقاظ باكراً
الاستعداد والتهيئة في الصباح

الإستعداد والتهيئة في الصباح

يبدأ يوم الجمعة لدى المقيمين العرب غالباً في وقتٍ أبكر من الأيام العادية.

يبدأ البعض بالتحضير للصلاة: غسل، ارتداء ملابس أفضل من المعتاد، قراءة أجزاء من القرآن الكريم أو ذكر. بالنسبة لكثير منهم، هذا التهيّؤ ليس روتيناً عابراً، بل يحمل أهمية دينية، إذ إنّ الإسلام يخصّس يوم الجمعة بمكانة خاصة كختم لأسبوع العمل وبداية لعطلة نهاية الأسبوع.

في الشقق والمنازل التي يقيمون فيها، تجهّز بعض العائلات فطوراً بسيطاً أو مألوفاً عربياً: فُول، فلافل، خبز عربي، شاي أو قهوة. بالنسبة للمقيم الذي يبتعد عن بلده، يشكّل هذا الفطور رابطاً مع الوطن.

بعض الأسر تتشارك الحديث مع الأطفال أو الكبار عن أهمية صلاة الجمعة، وتحثّهم على التهيؤ للذهاب للمسجد مبكراً، لتأمين مقعد جيد ولتجنّب زحمة ما بعد الصلاة.

صحف قطر تحتفي بأول صلاة جمعة في مسجد "آيا صوفيا"
التوجه للمسجد وصلاة الجمعة

التوجه للمسجد وصلاة الجمعة

الخطوة التالية هي التوجه إلى المسجد لأداء صلاة الجمعة.

يختار الكثير من العرب مساجد يُلقى فيها الخطاب باللغتين: التركية والعربية، أو مساجد تتواجد فيها جالية عربية. هذا الخيار يُسهّل عليهم فهم الخطبة ويُعزز الإحساس بالانتماء.

تُعدّ صلاة الجمعة ركناً أساسياً: خطبة الجمعة التي تستغرق غالباً من 20 إلى 30 دقيقة، ثم ركعتان جماعيتان. حتى لو كانوا يعملون أو يدرسون، يُفضلون أن يحصلوا على إذن للغياب أو يغادروا مبكراً.

بعد الصلاة، في منطقة المسجد غالباً ما تجتمع العائلات أو الأصدقاء، يُصافحون بعضهم البعض بتحية الجمعة، يتبادلون الأخبار، وقد يشربون الشاي أو القهوة في المقهى المجاور للمسجد. هذا اللقاء ليس مجرد عادة، بل هو شبكة اجتماعية للحفاظ على الروابط بين أفراد الجالية العربية.

هذه أهمية تناول وجباتك مع العائلة والأصدقاء
تناول الغذاء والراحة

تناول الغذاء والراحة

ما بعد صلاة الجمعة يُعدّ وقتاً للعائلة والراحة.

غالباً ما تُحضّر وجبة غداء عربية تقليدية: كبسة، مندي، أو مشاوي، ترافقها سلطات عربية، خبز عربي، وحلويات مثل بقلاوة أو كنافة. هذه الوجبة تعبّر عن تمسك بالهوية العربية في الخارج.

اللقاء العائلي يكون فرصة للحديث، تبادل الأحداث، وربما التخطيط لنشاط العطلة. في المدن التركية، قد تختار العائلات الجلوس في شرفة أو حديقة داخل المجمع السكني إذا أتيح، أو مشاهدة التلفاز معاً.

بعض العائلات تأخذ قيلولة قصيرة بعد الغداء، خاصة الأطفال والآباء الذين عملوا خلال الأسبوع. هذه فترة راحة ضرورية قبل الخروج للأنشطة الترفيهية.

اشهر الاسواق الشعبية في اسطنبول | سكاي لاين السياحية
الأنشطة الترفيهية والمجتمعية 

الأنشطة الترفيهية والمجتمعية 

مع حلول فترة ما بعد العصر، يبدأ الجانب الترفيهي والمجتمعي ليوم الجمعة.

التوجه إلى المراكز التجارية: تعتبر الجمعة بداية عطلة نهاية الأسبوع، فيُكثر الناس من التسوق وشراء الملابس أو مستلزمات المنزل. العرب المقيمون، بناءً على دخلهم وإمكانياتهم، يشاركون في هذه الحركة، ويستفيدون من العروض الخاصة بيوم الجمعة.

زيارة الحدائق العامة أو الشواطئ في المدن الساحلية أو التوجه إلى المقاهي: في إسطنبول مثلاً، قد يختار البعض “المشي على البوسفور” أو “قهوة في حيّ بشيكتاش” كخيار هادئ. هذه الأنشطة تساعد على التكيّف مع الثقافة التركية وجعل يوم الجمعة ليس فقط دينياً، بل اجتماعيًا وترفيهياً.

بعض العائلات والأصدقاء العرب يقومون بزيارات متبادلة. يوم الجمعة يُعدّ فرصة للقاء الجيران العرب أو العائلات التي تعرفها، مما يعزز الروابط ويخفّف عن المقيم في الغربة شعور الانعزال.

الجالية العربية بين القبول والرفض التركي
العرب في تركيا

من المهم فهم كيف يحافظ العرب في تركيا على هوية مميزة، رغم الاندماج الجزئي في المجتمع التركي.

تجربة العيش في دولة تختلف لغتها وثقافتها يمنح العرب دافعاً أقوى للاحتفاظ بتقاليدهم: الطعام، اللغة، الاجتماعات العائلية، والممارسات الدينية.

لكن في نفس الوقت، يُلاحظ اندماج تدريجي: مثلاً استخدام اللغة التركية في التعاملات اليومية، مشاركة الأطفال العرب في مدارس تركية، حضور بعض الأنشطة التركية. هذا المزج يُعدّ “هوية هجينة” — عربية في الجوهر، تركية في السياق.

يوم الجمعة يُوفّر “مساحة” يُمارس فيها العرب تقاليدهم بحرّية أكبر، إذ إنّ البيئة تكون أكثر مرونة مقارنة بأيام العمل. كما أن وجود جالية عربية في مدن مثل إسطنبول، أنقرة، هاتاي، يُسهل تحقيق ذلك.

التحديات

اللغة: بعض العائلات التي لا تتقن التركية جيداً قد تواجه صعوبة في فهم الخطبة أو التعامل مع الشأن المحلي للمسجد.

الزحام: في المدن الكبرى، المساجد الكبرى تمتلئ، مما قد يُجبر البعض على الذهاب أبكر أو البحث عن مساجد أصغر.

التوازن بين العمل والعبادة: الموظف العربي أو الطالب قد يجد صعوبة في ترتيب جدوله بحيث يُمكّنه من الحضور بشكل مناسب لصلاة الجمعة.

التكلفة: الأنشطة الاجتماعية في المولات أو المطاعم قد تكون أعلى تكلفة مقارنة بحالهم في الوطن أو في أيام الأسبوع العادية.

الفرص

تعزيز الروابط الاجتماعية: يوم الجمعة يُعدّ فرصة ذهبية لتقوية العلاقات داخل الجالية، وتوسيع شبكة المعارف.

التعرف على الثقافة التركية: من خلال التسوق والتنزه والمشاركة في الحياة اليومية، يُكتسب خبرة ومعرفة بثقافة البلد المضيف.

الحفاظ على الهوية العربية: عبر الطعام، اللغة، والطقوس الدينية.

إمكانية المشاركة المجتمعية: بعض العرب يشاركون في الأنشطة التركية أو المجتمعية كمتطوعين أو زوار للفعاليات، ما يعزز التعايش ويزيد من فرص التبادل الثقافي.

 قصص حقيقية وتجارب شخصية

للتوضيح، نذكر بعض المواقف التي نقلها مقيمون عرب في تركيا:

«كنتُ أذهب إلى مسجد قريب من مقامي في إسطنبول، وكان الخطيب يُلقي الخطبة بالتركية، فأشعر بأنني لا أستفيد كثيراً، فبدأت أبحث عن مسجد فيه إمام عربي…»

«في يوم الجمعة، أعدّنا مع العائلة وجبة كبسة في شقة بالإيجار، ودعونا بعض الأصدقاء العرب، تناولنا الطعام ثم خرجنا إلى مول قريب، كانت لحظة مميزة بعد أسبوع عمل طويل».

«قررتُ بعد الغداء أن أذهب للمشي مع أطفالي في حديقة بمدينة أنقرة، كان الجو هادئاً، والأطفال لعبوا، وقلت لنفسي: هذا هو التوازن بين الواجب الديني والرفاهية الاجتماعية».

هذه التجارب تُظهر التنقل بين «المسار الديني» و«المسار الاجتماعي» في يوم الجمعة، وهو ما يميز حياة العرب في تركيا.

 كيف ينظر المجتمع التركي والجالية التركية العربية لهذا اليوم؟

من جانب المجتمع التركي، يوم الجمعة هو أيضاً وقت اجتماع وتصليح، لكنه بالنسبة للمغترب العربي «يومٌ مختلف». الكثير من الأتراك يذهبون للمساجد، ثم للتسوق، لكن العرب يزيدون على ذلك جانباً «عربياً»: الطعام، اللغة، المنزل، اللقاء.

الجالية العربية تُعدّ نفسها جسراً بين بلد الأصل وبلد الإقامة، ويُعدّ يوم الجمعة أحد الأوقات التي يعكس فيها هذا الجسر بوضوح.

توصيات للعرب المقيمين لتحسين تجربة يوم الجمعة

حاول البحث عن مسجد قريب يلبي حاجتك اللغوية والدينية، حتى تكون صلاة الجمعة تجربة روحانية كاملة.

خطّط لوجبة غداء خاصة، واجعلها مناسبة للاجتماع بكل أفراد الأسرة إن أمكن.

استغِل فترة بعد العصر في نشاط اجتماعي أو ترفيهي، مثل زيارة مقهى، أو التنزه، أو التسوق، كوسيلة لكسر الروتين.

مدّد علاقاتك مع الجالية العربية؛ يوم الجمعة فرصة ممتازة للقاء الجيران أو الأصدقاء.

انفتح على الثقافة التركية بزيارة أماكن جديدة واكتشافها، لكن لا تنسَ أصلك وهويتك.

يوم الجمعة لدى العرب المقيمين في تركيا يجمع بين الروحانية الدينية والحياة الاجتماعية والتجربة الثقافية. إنه اليوم الذي يتنفس فيه المغترب العربي هواء بلده، ولو لفترة محدودة، في بيئة مختلفة، ويحتفل به بطرقه الخاصة: بالصلاة، باللقاء، بالهوية، وبالترفيه. إن فهم هذا اليوم ليس فقط لتسليط الضوء على نشاطات بسيطة، بل لفهم كيف يعيش الآخر “الغريب” هويته في بلد جديد، وكيف يوازن بين الجذور والفرع، بين التقليد والتكيّف.

يُعدّ يوم الجمعة إذن مرآةً لحياة المغترب: يمسّ الروح، ويرتبط بالأسرة، ويتفاعل مع المجتمع، ويحتفظ بالأصل. ومع استمرار العرب في تركيا في حضورهم الفاعل، ستظل هذه التجربة تتجدّد كل أسبوع، تحمل أملاً بأن يكون الاندماج دون فقدان الهوية، وأن تكون الغربة فرصة للتواصل وتوسيع المدارك.

مشاركة على: