«أزمة النسيج التركي: تواجه مأزق 

«أزمة النسيج التركي:  تواجه مأزق 
«أزمة النسيج التركي: تواجه مأزق 

«أزمة النسيج التركي: تواجه مأزق 

في ظل تحولاتٍ صناعية واقتصادية كبرى، تشهد صناعة النسيج والملابس الجاهزة في تركيا فصلاً من التحديات العميقة التي تهدّد مكانتها التقليدية كمركز تصنيع وتصدير مهم. منذ بداية عام 2025، بدأ القطاع يظهر علامات ضعف متزايدة؛ فبينما كانت تركيا تُعدّ واحدة من القوى التصنيعية في المنسوجات، فإن ارتفاع التكاليف التشغيلية، وتقلبات العملة، وتنامي المنافسة من الدول ذات الأجور المنخفضة، كلها عوامل أدّت إلى ضغطٍ شديد على الشركات العاملة في هذا المجال.

وفقًا لتقرير صادر عن موقع AGBI في أبريل 2025، فإن عدة شركات تركية في قطاع النسيج أبدت رغبة بالانتقال إلى دول مثل مصر لتخفيض تكاليف الإنتاج، في حين أن عدد العاملين في القطاع انخفض إلى أقل من مليون، بعد أن كان يتجاوز ذلك خلال السنوات السابقة. كما أشار تقرير آخر بأن خسائر التصدير وصلت إلى نحو 8 مليارات دولار خلال السنوات الثلاث الأخيرة، وأن عدد الوظائف المفقودة يُقدَّر بحوالي 350 000 وظيفة تقريبًا. 

من جهةٍ أخرى، هناك بعض المؤشرات الإيجابية في التصدير؛ فبحسب تقرير نشرته صحيفة (Hurriyet Daily News) في 27 أكتوبر 2025، بلغت قيمة صادرات النسيج التركي خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2025 نحو 7.05 مليار دولار، وهو ارتفاع طفيف بنسبة 0.5 % مقارنة بنفس الفترة في العام السابق. 

الأبعاد التفصيلية:

1. الإنتاج والتصدير
بين يناير وسبتمبر 2025، صدّرت تركيا نحو 1.87 مليون طن من المنتجات النسيجية إلى 199 دولة ومناطق حرة، محققة قيمة بلغت 7.05 مليار دولار.  من حيث المناطق، شكلت دول الاتحاد الأوروبي النصيب الأكبر (حوالي 2.67 مليار دولار)، في حين سجلت أفريقيا نمواً قوياً بنسبة 16.5 % لتصل صادرات النسيج التركي إليها إلى نحو 1.09 مليار دولار.  من حيث المنتج، جاءت الأقمشة في المقدمة بقيمة حوالي 4.38 مليار دولار، تليها الغزل بنحو 1.8 مليار دولار، ومن ثم الألياف بنحو 873 مليون دولار.  من حيث المدن، تصدّرت إسطنبول المشهد بقيمة صادرات بلغت نحو 2.77 مليار دولار، تليها غازي عنتاب بـ1.16 مليار دولار، ثم بورصة بـ910 مليون دولار تقريباً. 

2. التحديات الهيكلية: التراجع الوظيفي وإغلاق الشركات
رغم هذا الأداء التصديري، يشهد القطاع انكماشًا داخليًا عميقًا: ففي الفترة بين نهاية ديسمبر 2024 ومارس 2025، أُغلقت نحو 2 147 شركة (244 شركة نسيج و1 903 شركة ملابس جاهزة) في تركيا. وعدد العاملين في القطاع النسيجي (نسيج + ملابس) تراجع إلى نحو 959 395 بنهاية 2024، مقارنة بفوق مليون في السنوات السابقة.  الأجور التنافسية وتكاليف الطاقة والخامات المرتفعة، فضلاً عن سعر الصرف المتذبذب، كلها عوامل ساهمت في تآكل القدرة التنافسية للمنتج التركي. 

3. ارتفاع التكاليف والمنافسة الخارجية
أوضح رئيس رابطة مصدّري النسيج والمواد الخام في إسطنبول، Ahmet Öksüz أن الإنتاج في القطاع يعمل بنسبة تتراوح بين 50 و60٪ فقط من طاقته الكاملة بسبب ارتفاع التكاليف والتنافسية المُلحّة. وقد تم تسجيل تراجع في الصادرات عام 2023 إلى نحو 11 مليار دولار للمنسوجات، وانخفاض ملحوظ في الملابس الجاهزة أيضًا.  في ظل ذلك، بدأت العديد من الشركات في نقل أو توسيع إنتاجها خارج تركيا، وخصوصاً إلى مصر، للاستفادة من تكاليفِ إنتاجٍ أقل. 

4. فرص التصدير لأسواق بديلة
على الرغم من الضغوط، يرى القطاع بعض الفرص الجديدة أمامه، لا سيما في الدول الإفريقية والشرق الأوسط. ففي التصدير إلى أفريقيا، سجّل نموّاً لافتاً بنسبة 16.5 %. كذلك، يتطلع المنتج التركي إلى زيادة حصته في السوق الأمريكية والأسواق التي تسعى إلى تنويع سلاسل التوريد بعيدًا عن آسيا. 

5. التحديات المؤسسية والحاجة إلى دعم حكومي
تُشير تحليلات عديدة إلى أن القطاع بحاجة ماسة إلى تدخل حكومي لتعويض الفجوة التنافسية، سواء عبر دعم العملات، أو خفض معدلات القروض، أو تحفيز الصادرات. بعض النقابات العمالية ترى أن القطاع يتعرض للإهمال من جهة الدعم التشريعي والتنظيمي، ما يزيد من احتمالية انهيار شركات أخرى أو خروج المزيد من الوظائف. 

تأثيرات القطاع على الاقتصاد التركي

إن صناعة النسيج تمثّل أحد دعائم الاقتصاد التركي، ليس فقط من حيث التصدير بل أيضاً من حيث التوظيف والدورة الصناعية المرتبطة بها (غزل، نسيج، ملابس، ملحقات…). تراجع هذا القطاع يعني آثارًا متعددة:

انخفاض في الصادرات ما يضع ضغوطًا على ميزان المدفوعات التركي.

فقدان الوظائف خصوصًا في مناطق الأناضول التي تعتمد على النسيج كمحور صناعي.

انتقال بعض خطوط الإنتاج خارج البلاد يُضعف سلاسل القيمة المحلية ويؤثر على القطاعات المرتبطة (قطن، صباغة، نسيج مسنّدة).

ضعف القدرة التنافسية التركية قد يؤدي إلى تحول المستثمرين الدوليين إلى منافسين أو دول بديلة.

خلفيات تاريخية ومحلية

تتمتّع تركيا بتاريخ طويل في صناعة النسيج، منذ ما قبل الثورة الصناعية وحتى اليوم، وقد استفادت من موقعها الجغرافي بين أوروبا وآسيا وقربها من أسواق التصدير الغربية. إلا أن التطور في كلفة الإنتاج المحلي، وارتفاع سعر الصرف والتضخم، وضعها أمام مسار صعب في العقد الأخير. تقريرًا في مايو 2025 وصف الوضع بأنه «عميق القلق» حيث أشار إلى أن القطاع يعالج انخفاضًا في الطاقة التشغيلية وتراجعًا في الطلب الأوروبي. 

ردود الفعل من داخل القطاع

من أصحاب المصانع، أكّد بعضهم أن «إذا لم يُجرَ تدخل حكومي خلال الأشهر المقبلة، قد لا يبقى منتج يُلبّي رفوف المتاجر التركية أو التصدير». بعضهم أشاروا إلى أن الشركات تبحث عن توفير الأجور وخفض الكلفة التشغيلية أو الانتقال جزئيًا إلى دول أخرى. من جانبٍ آخر، يرى البعض أن هناك فرصة لمن ينتقل سريعًا نحو القيمة المضافة والابتكار، مثل إنتاج الملابس ذات العلامة التجارية العالية أو الأقمشة التقنية، بدلاً من الإنتاج التقليدي منخفض التكلفة.

آفاق المستقبل

يرى الخبراء أن مستقبل القطاع يتوقف على عدة عوامل محورية:

القدرة على تقليص تكاليف الإنتاج المحلية، أو تحسين الكفاءة التشغيلية.

التوسّع في الأسواق الناشئة، والتنويع بعيدًا عن الأسواق الأوروبية التي تقل فيها الطلبات.

تطوير المنتجات ذات القيمة المضافة العالية (أقمشة ذكية، نسيج مستدام، تصميم العلامة التجارية).

الابتكار في العمليات والتكنولوجيا لتقليل الفجوة مع الدول المنافسة.

الدعم الحكومي والتشريعي الذي يعزز المنافسة ويخفّف الضغوط المالية على الشركات.

الخلاصه

إن قطاع النسيج التركي اليوم يقف عند مفترق طرق: إمّا أن ينجح في إعادة هيكلة نفسه وتبنّي نموذجاً تنافسياً جديداً يُركّز على الجودة والابتكار والقيمة المضافة، أو أن يشهد مزيدًا من التراجع والانتقال الخارجي للإنتاج. وما بين ارتفاع التكاليف، وضغوط المنافسة العالمية، وتراجع الوظائف، تكمن الفرصة لمن يتحوّل سريعًا إلى نموذج تصنيع عصري واستراتيجي.

مشاركة على: