انقطاع عالمي يشل الإنترنت بسبب خلل في Cloudflare

انقطاع عالمي يشل الإنترنت بسبب خلل في Cloudflare
انقطاع عالمي يشل الإنترنت بسبب خلل في Cloudflare

انقطاع عالمي يشل الإنترنت بسبب خلل في Cloudflare

في حدث رقمي غير مسبوق منذ سنوات، شهد العالم صباح الثلاثاء انقطاعًا واسع النطاق في خدمات الإنترنت الأساسية، بعد إصابة النظام المركزي لشركة Cloudflare – إحدى أبرز الشركات العالمية المسؤولة عن تسريع وحماية حركة الويب – بخلل تقني أدى إلى شلل في مواقع وتطبيقات يستخدمها مئات الملايين من البشر.

واستمر الانقطاع بشكل متفاوت لساعات، ما أثار ذعر المؤسسات التقنية، وأثار موجة واسعة من التساؤلات حول مدى هشاشة البنية الرقمية العالمية، التي يبدو أنها تقف على حافة الخطر رغم اعتماد كوكب كامل عليها.

ملايين المستخدمين بلا خدمات.. ما الذي تعطّل بالضبط؟

فور بدء المشكلة، انهمرت شكاوى المستخدمين حول العالم من عدم قدرتهم على فتح مواقع كانت طوال السنوات الماضية “مستحيل أن تتعطل”. هذه المواقع تعتمد بشكل شبه كامل على Cloudflare، سواء من خلال شبكات توصيل المحتوى (CDN) أو حماية DDoS أو أنظمة التوجيه DNS.

أبرز المواقع التي تأثرت:

ChatGPT

منصة X (تويتر سابقًا)

Spotify

Canva

Perplexity

بعض الخدمات الحكومية في أوروبا

منصات تعليمية وجامعية

مواقع إعلامية وإخبارية

شبكات دفع إلكتروني

تطبيقات خرائط وملاحة

هذا التأثير الواسع لم يكن ناتجًا عن هجوم إلكتروني – كما توقع البعض في اللحظات الأولى – بل عن خلل داخلي في إعدادات نظام Cloudflare نفسه، ما جعل المشكلة أشبه بسقوط “عمود رئيسي” يحمل جزءًا من شبكة الإنترنت.

كيف بدأت المشكلة؟

بداية الانقطاع كانت مع ظهور أخطاء تقنية من نوع 502 و 504 وError 1016 على آلاف المواقع، وهي أخطاء تُشير عادة إلى خلل في خوادم مراكز الحماية أو التوجيه.
لكن ما أثار الشبهات هو أن الخطأ ظهر متزامنًا في العديد من المواقع التي لا تجمعها علاقة مباشرة، ما دفع خبراء التقنية لتحليل الحالة بسرعة.

بعد دقائق، ظهرت أولى المؤشرات:
Cloudflare Down
ومن هنا بدأ سيل الانقطاعات الأخرى.

وفقًا لمصادر تقنية، شهدت الشركة “ارتفاعًا غير طبيعي في حركة المرور” بسبب خلل داخلي في نظام التوجيه، ما أدى إلى انهيار عقد رئيسية في الشبكة، وبالتالي تعطّل الخدمات التي تعتمد عليها.

لماذا يعد الأمر خطيرًا؟

من السهل على المستخدم أن يتعامل مع انقطاع موقع واحد، لكن أن تتعطل عشرات المواقع دفعة واحدة، فهذا يعني أن الخلل “بنيوي” وليس بسيطًا.

وتكمن خطورة الأمر في أن Cloudflare تُعد واحدة من:

أكبر شبكات CDN في العالم

أهم أنظمة حماية المواقع ضد الهجمات

أكبر مزودي DNS

جهة تعتمد عليها مواقع حكومية وتجارية وإعلامية عالمية

20% من المواقع الأكثر زيارة على الإنترنت تعتمد بشكل مباشر على خدمات Cloudflare.

وهذا يعني أن أي خلل فيها هو بمثابة “زلزال رقمي” يتسبب بارتدادات دولية، حتى إن كانت المشكلة ناتجة عن إعداد خاطئ وليس هجومًا.

ساعات مرت كأنها يوم كامل على العالم الرقمي

ما جعل الحدث أكثر دراماتيكية هو التفاوت الشديد في تأثير الانقطاع من دولة لأخرى ومن منصة لأخرى، فهناك دول لم تتأثر سوى بشكل طفيف، بينما واجه آخرون توقفًا شبه كامل.

في تركيا مثلًا، أبلغ مستخدمون عن صعوبة في الوصول إلى ChatGPT وX، فيما بقيت مواقع محلية كثيرة تعمل طبيعيًا.
في الشرق الأوسط، ظهرت مشكلات متفاوتة في السعودية ولبنان والأردن ومصر، خاصة مع التطبيقات المعتمدة على خدمات التوجيه السحابي.

على الجانب الآخر، تأثرت أوروبا بشكل واضح في ساعات الذروة الصباحية، حيث تعتمد المؤسسات الحكومية على Cloudflare بشكل أكبر.

هل كان انقطاعًا كاملًا؟ أم انهيارًا جزئيًا؟

الانقطاع لم يكن بمستوى “السقوط الكامل”، لكنه كان أقرب ما يكون إلى حالة “شلل جزئي” في الشبكة، حيث كانت بعض المناطق حول العالم قادرة على الوصول إلى الخدمات عبر طرق بديلة، بينما واجهت مناطق أخرى انقطاعًا كاملًا.

بمعنى آخر:
السيرفرات كانت تعمل… لكن مستخدمي العالم لم يستطيعوا الوصول إليها.

هذا النوع من الأعطال يُعتبر من أخطر السيناريوهات في عالم الإنترنت، لأنه ينسف أهم ميزة يعتمد عليها العالم: التوفّر الدائم (Uptime).

رد فعل الشركات العالمية

مع انتشار التقارير حول الانقطاع، سارعت العديد من الشركات الكبرى لإصدار بيانات طمأنة لمستخدميها، بينما انتظر آخرون لحين اتضاح الصورة الكاملة.

من بين الشركات التي تفاعلت:

OpenAI أكدت وجود “مشكلة خارجية في بنية الإنترنت”

منصة X اعترفت بتأثر بعض أجزاء النظام

خدمات بث الموسيقى أبلغت عن اضطرابات

مواقع التقنية الكبرى نشرت تقارير تحذيرية

Downdetector شهد انفجارًا في البلاغات خلال دقائق

هذه الردود أكدت أن النظام التقني العالمي مرتبط ببعضه بشكل قد يكون “أكثر هشاشة مما يتوقعه كثيرون”.

ماذا عن الدول العربية؟

الدول العربية تأثرت بدرجات متفاوتة.
المستخدمون في تركيا ومصر وقطر والإمارات أبلغوا عن مشاكل واضحة في:

تسجيل الدخول

فتح الصفحات التي تعتمد على Cloudflare

بطء أو توقف خدمات الذكاء الاصطناعي

بطء بعض المواقع الإخبارية العالمية

واللافت أن كثيرًا من المستخدمين اعتقدوا أن المشكلة في الإنترنت المحلي أو في أجهزتهم، قبل أن يتضح لاحقًا أنها مشكلة عالمية.

تفسير تقني مبسّط لما حدث

لتبسيط الصورة للقارئ غير المتخصص:

تخيل أن الإنترنت عبارة عن شبكة طرق ضخمة، بينما Cloudflare تعمل كالجسر الرئيسي الذي يمر منه جزء كبير من السيارات.

لو انهار هذا الجسر – حتى لو لبضع دقائق – ستتوقف آلاف السيارات، وتتعطل طرق أخرى، وتحدث فوضى هائلة.

نفس ما حدث هنا:
الجسر الرقمي Cloudflare تعطّل… فتوقفت الطرق الرقمية كلها من خلفه.

العالم يقف أمام سؤال صعب: هل نبالغ في الاعتماد على شركات محدودة؟

هذا الحادث يعيد طرح سؤال حساس جدًا:

هل الإنترنت “لامركزي” كما كان مخططًا؟
أم أصبح أكثر مركزية من أي وقت مضى؟

الحقيقة أن جزءًا كبيرًا من البنية التحتية للإنترنت يدار اليوم من خلال:

Cloudflare

Google Cloud

Amazon AWS

Microsoft Azure

أي خلل في إحدى هذه الجهات قادر على إحداث اضطراب عالمي، تمامًا كما حدث اليوم.

وبالتالي، فإن النقاش لن يكون تقنيًا فقط، بل سياسيًا واقتصاديًا أيضًا.

أضرار اقتصادية ضخمة خلال ساعات قليلة

الانقطاع لم يكن مجرد “مشكلة في فتح موقع”.
بل أدى إلى:

تعطّل المعاملات المالية الإلكترونية

تأخر التحويلات

توقف بعض بوابات الدفع

خسائر للشركات التي تعتمد على الإعلان الفوري

توقف جزئي لخدمات الذكاء الاصطناعي المستخدمة في الشركات

خسارة ملايين الدولارات في الإنتاجية

الاقتصاديون وصفوا الانقطاع بأنه “تذكير مؤلم بأن الإنترنت بنية حساسة للغاية”.

كيف تعاملت Cloudflare مع الأزمة؟

أصدرت الشركة بيانًا سريعًا أكدت فيه:

أنها رصدت المشكلة خلال دقائق

أن الانقطاع مرتبط بخلل داخلي وليس هجومًا

أن الفرق التقنية تعمل على إعادة الاستقرار

أن الخدمة بدأت تعود تدريجيًا

وأنها تراقب الارتدادات اللاحقة

وقدمت اعتذارًا رسميًا للعملاء، مؤكدة أن “الشفافية” ستكون جزءًا من التعامل مع الحادث.

هل يمكن أن يتكرر ذلك؟

الجواب القصير: نعم.
لكن السؤال الأهم: هل يمكن منع كل شيء؟
الإجابة: لا.

الخبراء يؤكدون أن:

أي نظام مركزي معرض للانقطاع

الاعتماد المفرط على شركات قليلة يزيد المخاطر

تطوير بدائل وتقنيات لامركزية أصبح ضرورة عالمية

الإنترنت في 2025 ليس كما كان في 2010 أو 2000.
اليوم أصبح “شبكة اقتصادية–سياسية–أمنية” قبل أن يكون شبكة معلومات.

الدروس المستفادة

من أبرز الدروس التي خرج بها العالم من هذه الأزمة:

الإنترنت هش أكثر مما نعتقد

لا يوجد نظام رقمي “منيع”

التنوع في مقدمي الخدمات ضرورة وليس رفاهية

الحكومات يجب أن تدرس خطط طوارئ رقمية

الشركات يجب أن تجهّز قنوات بديلة للوصول إلى بياناتها

المستخدمون بحاجة لوعي أكبر بأن الأعطال ليست دائمًا من مزود الإنترنت المحلي

ماذا يعني ذلك للمستقبل؟

هذا الحادث سيُسرّع من:

خطط تطوير بناء إنترنت أكثر لامركزية

زيادة الاستثمار في تقنيات Web3

تعزيز وجود شبكات احتياطية لمقدمي الخدمات الكبرى

سنّ قوانين جديدة لتنظيم البنية الرقمية

مراجعة الشركات الكبرى لاعتماداتها السحابية

كما سيجعل المستخدمين حول العالم أكثر حذرًا تجاه الاعتماد الكامل على خدمات سحابية واحدة.

ختامًا… انهيار ساعات كشف حقيقة سنوات

ما حدث اليوم كان أشبه بـ “اختبار صدمة” للعالم الرقمي.
انقطاع استمر ساعات، لكنه كشف نقاط ضعف عملاقة كانت مخفية تحت سطح شبكة يظن الناس أنها غير قابلة للانهيار.

العالم تعلّم الدرس:
الإنترنت ليس مضمونًا… ولا بد من خطط بديلة.

وعلى الرغم من عودة الخدمات تدريجيًا، فإن أثر الحادث سيظل حاضرًا في كل نقاش حول مستقبل البنية التحتية الرقمية.

مشاركة على: