إلى أين تتجه العملات عالميًا؟ قراءة في المرحلة المقبلة

إلى أين تتجه العملات عالميًا؟ قراءة في المرحلة المقبلة
إلى أين تتجه العملات عالميًا؟ قراءة في المرحلة المقبلة

إلى أين تتجه العملات عالميًا؟ قراءة في المرحلة المقبلة

لم تعد حركة العملات العالمية قابلة للفهم عبر المتابعة اليومية للأسعار أو ربطها بخبر منفرد، بل أصبحت جزءًا من مشهد اقتصادي أوسع يتغيّر في بنيته لا في تفاصيله فقط. ما يمر به سوق العملات حاليًا هو مرحلة انتقالية بين نظام نقدي اعتاد التيسير ونظام يحاول إعادة فرض الانضباط، وهي مرحلة تتسم بالحذر أكثر من الاندفاع، وبالترقّب أكثر من الرهان.

الدولار، الذي قاد موجة القوة خلال الفترات الماضية، لم يفعل ذلك بدافع التفوق الاقتصادي المطلق بقدر ما استفاد من حالة عدم اليقين العالمي. قوته الأخيرة كانت انعكاسًا لكونه “ملاذًا” لا “محركًا للنمو”. ومع دخول الاقتصاد العالمي مرحلة تباطؤ نسبي، لم يعد السؤال: هل سيواصل الدولار الصعود؟ بل: إلى أي مدى يمكنه الحفاظ على مستواه دون محفزات جديدة؟ المؤشرات الحالية توحي بأن السوق بدأ يسعّر مرحلة استقرار مشوب بتذبذب محسوب، لا موجات صعود حادة كما في السابق.

أما اليورو، فيقف في منطقة رمادية بين الرغبة في التعافي والعجز عن الانفصال الكامل عن أزماته البنيوية. فهو عملة اقتصاد متقدم، لكنه مثقل بتفاوتات داخلية، وضغوط طاقة، وحساسية سياسية تجعل حركته رد فعل أكثر منها فعلًا. أي تحسن في قيمته سيظل مشروطًا بتحسن فعلي في النمو، لا بمجرد تغيّر في المزاج العام للأسواق.

العملات في الاقتصادات الناشئة تمثل الوجه الآخر للصورة؛ فهي الأكثر صدقًا في عكس القلق العالمي. هذه العملات لا تتحرك بناءً على قراراتها الداخلية فقط، بل وفق اتجاه رؤوس الأموال العالمية، وشهية المخاطرة، وأسعار الطاقة. وفي المرحلة الراهنة، تبدو هذه العملات عالقة بين ضغط خارجي لا تملكه، وإصلاحات داخلية تحتاج وقتًا لتؤتي ثمارها، ما يجعل مسارها غير مستقر لكنه غير ميؤوس منه.

العامل الحاسم في كل هذا المشهد ليس السياسة وحدها، بل التضخم. التضخم هو البوصلة التي تعيد توجيه كل شيء: الفائدة، الاستثمار، حركة العملات، وحتى قرارات الأفراد. وكلما اقتربت الاقتصادات الكبرى من السيطرة عليه دون إحداث ركود عميق، اقتربت الأسواق من مرحلة توازن جديدة. أما إذا طال أمده أو عاد للارتفاع، فإن التقلب سيظل السمة الغالبة.

ما يمكن استخلاصه من المشهد الحالي هو أن سوق العملات يدخل مرحلة فرز حقيقي. لم تعد المكاسب السريعة هي القاعدة، ولم يعد التحليل السطحي كافيًا لاتخاذ قرار. المرحلة المقبلة ستكافئ العملات التي تقف على اقتصادات متماسكة، وسياسات نقدية واضحة، وتوازن بين النمو والانضباط، بينما ستظل العملات الهشّة تدور في دائرة التذبذب مهما تحسّن المزاج مؤقتًا.

مشاركة على: