لماذا يصبح الذهب أكثر تقلبًا في نهاية كل شهر؟
تتحرّك أسعار الذهب في الأيام الأخيرة من كل شهر بنمط يلفت انتباه المتابعين، ليس بسبب حدث واحد مفاجئ، بل نتيجة تراكم قرارات مالية واستثمارية تُتخذ في توقيت متقارب. هذه الفترة تُعد من أكثر الفترات حساسية للمعدن الأصفر، لأنها تمثّل نقطة التقاء بين الحسابات الشهرية، وتعديل المحافظ الاستثمارية، وتوقّعات المرحلة التالية.
في نهاية الشهر، تميل المؤسسات المالية وصناديق الاستثمار إلى إغلاق أو إعادة موازنة مراكزها، سواء لتثبيت أرباح أو تقليص خسائر أو تعديل نسب المخاطرة. الذهب، بصفته أداة تحوّط أساسية، يكون في قلب هذه العملية، فيتأثر بأي تحرّك في شهية المخاطرة أو في تقييم الأصول الأخرى.
الدولار يلعب هنا دورًا غير مباشر لكنه حاسم. أي تغيّر في قوته مع اقتراب نهاية الشهر — نتيجة بيانات اقتصادية أو تسعير توقّعات الفائدة — ينعكس سريعًا على الذهب. فالعلاقة بين الطرفين ليست ميكانيكية، بل نفسية أيضًا؛ إذ يُنظر إلى الذهب كملاذ عندما تهتز الثقة، ويُهمَل نسبيًا عندما تعود السيولة إلى الأصول ذات العائد.
عامل الفائدة يضيف طبقة أخرى من التعقيد. فكلما اقتربت الأسواق من إعادة تقييم مسار الفائدة، يصبح الذهب أكثر عرضة للتذبذب. ليس لأنه يُنتج عائدًا، بل لأن تكلفة الفرصة البديلة تتغيّر في أذهان المستثمرين. في نهاية الشهر، تتبلور هذه الرؤية بشكل أوضح، فتظهر الحركة أكثر حدة.
ولا يمكن إغفال البعد النفسي للسوق. نهاية الشهر تعني تقييم أداء، وقرارات، ومساءلات داخلية لدى المؤسسات. في مثل هذا المناخ، يصبح الذهب أداة “إعادة تموضع” أكثر منه أداة مضاربة، ما يفسّر التحركات المفاجئة التي قد تبدو بلا سبب واضح للمتابع العادي.
الخلاصة أن حركة الذهب في الأيام الأخيرة من الشهر ليست استثناءً ولا فوضى، بل نتيجة توقيت مالي حساس تتقاطع فيه الحسابات، والتوقّعات، والسيولة. من يفهم هذا السياق يدرك أن التذبذب هنا ليس إشارة انهيار أو صعود حتمي، بل مرحلة انتقال بين شهر يُغلق وشهر يُعاد تسعيره.