قتلت بدعوى الناموس...قصة من وحي الريف العربي
"تدافع عن نفسها كذئبة جريحة ،متمسكة بما تبقى من الحياة بكل ما أتيت من قوة، تخرمش تدفع غير مكترثة بالجراح التي تملأ جسدها، كلما أيقن جلادها أنها ضربته الأخيرة خيبت ظنه، كنت هناك نعم كنت هناك أشاهدها وهي تلقى مصيرها المحتوم، كنت مصدومة غير متأكدة مما أرى، وأتساءل هل أنا في حلم؟ كنت متجمدة غير قادرة على فعل أي شيء وكأنني أشاهد فيلما سينمائيا، رمتني بنظرات مستغيثة عندما أيقنت أن قواها أصبحت عاجزة عن الدفاع عنها ، وقتها تحيرت ماذا بإمكاني أن أفعل أمام هذا الوحش البشري الهائج؟ تقدمت نحوه ممسكة بيده التي كانت تستعد لتوجيه ضربتها الأخيرة ...يكفي يكفي لا أستطيع ارجوك اتركني وشأني " سرعان ما سقطت مغشي عليها.
كعادتي وككل صباح أجلس في كافتريا الصحيفة التي أعمل بها، أطالع صفحاتها مع فنجان قهوة، وقتها أثار انتباهي خبر صغير أسفل صفحة الجرائم " قتلت بدعوى الشرف" بالنسبة لأي قارىء يعتبر هذا الخبر عابراً، أما بالنسبة لي لم يكن عابراً، الخبر بشكله ومضمونه لا ينصف الضحية بل يتهمها، ينظر إليه كثير من زملاء المهنة على أنه " خبر وسلام" ، لكنه لم يكن خبرا تافهاً برأيي بل يستحق التحقيق، فقررت البحث والاستقصاء بنفسي.
بطريقة أو بأخرى توصلت إلى أخت الضحية التي انتقلت للإقامة عند خالتها بعد الحادثة، رجوتها أن تتحدث، كلما بدأت بسرد تفاصيل الحادثة كانت تدخل بنوبات من البكاء لامتناهية ، فطلبت منها أن تحدثني عن أختها، حياتها مثلاً.
"توفيت والدتنا وأنا في السادسة من عمري، كانت م.ل تكبرني بعامين، وقتها لم أفهم ما معنى وفات والدتي، ولماذا الجميع يبكون حولها؟ تقدمتهم جميعاً محاولةً أن أيقظها، فسحبتني م.ل وهي تبكي قائلة: اتركيها نائمة، لم أفهم وقتها معنى نظراتها والدموع التى تتساقط منهما، ولكني عندما كبرت لم أعرف أماً سواها، كل شيء بالنسبة لي، الأم ،الأب والأخت.
كان والدنا سكّير، ويسيء معاملتنا، عوضاً يتركنا أوقات كثيرة بلا طعام، لم يمضي وقت كثيرعلى وفاة والدتنا حتى تزوج والدنا، لتزداد أيامنا سوءاً على سوء، كانت زوجة أبي تذيقنا أصناف العذاب يومياً، من حرمان من الطعام وحبسنا في غرفة مغلقة، ووالدنا إلى جانب ذلك كان يستمع لشكواها الزائفة ليلاً، فيوجعنا ضرباً.
سكتت لبهرة، فعاجلتها: هلا حدثتني عن يوم الحادثة .
قالت وهي تحاول تمالك نفسها " كانت تدافع عن نفسها كذئبة جريحة ،متمسكة بما تبقى من الحياة بكل ما اتيت من قوة، تخرمش تدفع غير مكترثة بالجراح التى تملأ جسدها، كلما أيقن جلادها انها ضربته الأخيرة خيبت ظنه، كنت هناك نعم كنت هناك اشاهدها وهي تلقى مصيرها المحتوام، كنت مصدومة غير متأكدة مما أرى، وأتساءل هل أنا في حلم، كنت متجمدة غير قادرة على فعل أي شيء وكأنني أشاهد فيلما سنمائيا، رمتني بنظارات مستغيثة عندما أيقنت أن قواها أصبحت عاجزة عن الدفاع عنها ، وقتها تحيرت ماذا بإمكاني أن أفعل أمام هذا الوحش البشري الهائج، تقدمت نحوه ممسكة بيده التي كانت تستعد لتوجيه ضربتها الأخيرة ...يكفي يكفي لا استطيع أرجوك " سرعان ما سقطت مغشي عليها.
كانت تفاصيل الحادثة ناقصة لذلك قررت زيارة صاحب عملها،عندما أبرزت له بطاقتي الصحفية رحب بي العم محمود صاحب ورشة الخياطة التي كانت تعمل بها م.ل، طلبت منه أن يحدثني عن م.ل بإنصاف، ألقى خرطوم الشيشة جانباً ضارباً كف بكف والحزن يبدو عليه.
قال: إن قلبي يحترق يتقطر حزناًعليها إلى الأن.
سحب نفس عميق من الشيشة ثم قال: في ذلك اليوم المشؤوم جائت م.ل كعادتها إلى العمل، كان يبدو عليها المرض، في البداية طلبت منها العودة إلى منزلها فقد كانت حالتها لاتسمح لها بالعمل، رفضت بإدعاء إنها ستتحسن، ولكن مع مرور الوقت زادت حالتها سوءاً، فرجوتها كأب حنون أن تعود لمنزلها، وأشرت إلى ابني مصطفى أن يوصلها، حسب رواية مصطفى أوصلها إلى بيتها فأطلت تلك الحرباء زوجة والدها وهي تكيل لها شتائم وتتهمها بشرفها.
وحتى تكتمل خيوط القصة كان علي مقابلة زوجة والدها، وبالفعل ادعيت أني جئت لشراء المنزل، فابتسمت بخبث طالبةً مبلغاً كبيراً فقلت لها: سيدتي، البيت حسب إدعاء أهل الحي مشؤوم فقد قتلت به قبل أيام فتاة بريئة.
صرخت في وجهي: بريئة! من قال هذه فتاة...
عاجلتها : هل أنت متأكدة فعلا؟
تلونت غضباً طالبةً مني الخروج من المنزل وإلا ستصرخ وتدعي أني حاولت الاعتداء عليها.
في سجن الضاحية كان والدها ينتظر المحاكمة، وعندما جلبه الحارس إلى غرفة المقابلات جلس قبالتي قائلاً: ماذا تريد؟
قلت بإصرار: الحقيقة
تكوّر حول نفسه وبدأ في البكاء: ابنتي شريفة أقسم أنها شريفة هكذا قال الطبيب بعد تشريح الجثة، لم أقصد قتلها والله.
سكت لبهرة: كل ماحدث بسبب الحرباء زوجتي.
ثم قفز وبدأ بضرب رأسه في الجدار بكل قوة.