العادات والتقاليد العراقية في العيد.
الباحث العراقي/ حسين السبعاوي
بسبب التنوع العرقي والمذهبي والقومي والجغرافي في العراق فلا يمكن حصر عادة العيد بسلوكية واحدة لكن هناك تشابه في بعض السلوكيات والعادات العراقية في الأعياد وكذاك هناك اختلاف في بعض العادات العراقية. وكما إن للعراقيين ثقافة خاصة بهم تختلف عن بقية الثقافات في العالم العربي والإسلامي كذلك عاداتهم في الأعياد تختلف عن البقية من العرب في عاداتهم وتقاليدهم في الأعياد. لكن سوف نركز على العادات والتقاليد العراقية في العيد بحسب الجغرافية العراقية وليس حسب المذهبية والطائفية في العراق كما روج لها بعض الساسة العراقيين الذين استخدموها لمآرب شخصية كان ضحيتها الشعب العراقي بكل مذاهبه وأطيافه.
فمثلا مدينة نينوى لها عادات وتقاليد تختلف نوعا ما عن مدينة بغداد والبصرة وشمال العراق . فمن عادات أهالي نينوى في صباح كل العيد هو الفطور الصباحي وهو عادة ما يتناولون القيمر في صباح كل عيد وقسم آخر من أهالي نينوى يتناولون لحمة الرأس (الباجة) صباح كل عيد هذا بالنسبة لأهالي المدينة , أما ريف نينوى فعادتها مختلفة وهي أنهم يتناول التشريب مع اللحم في بيت أحد وجهاء العشيرة أو القرية حيث يقوم شيخ العشيرة بذبح كبش أو خروف ويقومون بطبخه في ليلة العيد وبعد اداء صلاة العيد يأتي المصلين الى بيت شيخ العشيرة ويتناول فطور العيد وهذه العادة تعتبر من عادات أغلب العشائر العراقية سواء في الشمال أو في الجنوب العراقي. أما الزيارات فعادة ما تكون في اليوم الأول من أيام العيد الى أهل الزوج أو جدته بحيث تكون الزيارة للشخص الأكبر في العائلة . أما اليوم الثاني من أيام العيد تكون الزيارة خاصة ما بين النسائب وهي زيارة البنت المتزوجة مع زوجها الى أهلها.
أما عادات وتقاليد أهالي بغداد فتختلف نوعا ما عن مدينة نينوى وهي أن اليوم الأول من صباح كل عيد يكون الفطور الصباحي من القيمر وأكلة ( الكاهي) وهي أكلة بغدادية مشهورة يطلق عليها في تركيا مثلا ( البورك). أما الزيارت فتكون في اليوم الأول للنسائب والاقرباء وليس كما هو في نينوى تكون في اليوم الثاني.
أما مدينة البصرة في جنوب العراق فلها عادات وتقاليد تختلف عن نينوى وبغداد. فمثلا في مدينة الزبير يجتمع اهالي الشارع بعد صلاة العيد والجميع يخرجون فطورهم خارج البيت مقابل الدار ويخرج الأهالي ويتناولون الفطور جماعي وبشرط أن يأكل كل فرد من طبق جاره وكذلك العكس بالنسبة لجاره ويسلم عليه وهي تحية العيد فتجد أهالي الشارع الواحد جميعهم يخرجون صباحا ويتناولون فطورهم وأيضا عادة ما يكون القيمر مع الخبز والشاي وبهذا يكون المشهد عاطفي وعائلي وفيه من المودة والمحبة والتكافل. أما الأطفال فيقومون بزيارة جميع بيوت المحلة أو الشارع وإلقاء عليهم تحية العيد من باب الدار ثم يقوم صاحب الدار بإكرامهم بمبلغ ( العيدية ) أو إعطائهم شيء من الحلوى.
وهناك عادة أخرى في منطقة أخرى من مدينة البصرة وهو قضاء الفاو والذي يقع على الحدود العراقية الإيرانية والذي يمتاز بزراعة الحناء وهو قضاء ساحلي له عادات وتقاليد مختلفة وخاصة في الفطور الصباحي للعيد , حيث يتناولون أكلة خاصة بهم ويطلق عليها ( المسموطة ) وهي سمك مجفف بالملح ويطبخ بطريقة مختلفة عن ما هو معروف ومتداول في طبخ السمك سواء المسكوف او القلي بالزيت. بل هذه الطبخة للسمك المجفف تكون ذات نسبة ملوحة عالية وتطبخ بطريقة ( التشريب) ويوضع لها البصل والثوم وبعض الخضراوات مثل الباميا كما يوضع لها تمر الهند ونوم البصرة كدلك يوضع لها البهارات الخاصة بها. ويعتقد عند أهالي البصرة بأن هذه الطبخة المالحة للسمك هي صحية للمعدة بعد صيام وخاصة في عيد الفطر. أما المناطق الشمالية الكردية العراقية وخاصة في اربيل والسليمانية فيكون فطورهم الصباحي عائلي وبعيدا عن مشتقات الألبان بل عادة ما يتناولون الرز واللحم مع مرق الفاصوليا في صباح كل عيد.
أما الزيارات بين الاقرباء هي أيضا مختلفة فهي تبدأ من عصر أول يوم العيد وعادة ما تكون في المساء ليلا من أول يوم العيد يقوم الاقرباء بالتزاور بينهم وعادة ما تكون من الاولاد الى الآباء بمعنى من الصغير الى الكبير. ومن هنا ومن خلال هذه العادات العراقية ندرك التشابه والإختلاف في العادات العراقية في الأعياد لكنه إختلاف تنوع إيجابي يثري العادات العراقية في الأعياد فمثلا عادة الفطور الصباحي هي عادة عراقية جامعة لكنها تختلف بنوعية الطعام وكذلك الزيارات مابين الأقرباء هي أيضا عادة عراقية جامعة لهم لكنها تختلف في الزمان للزيارة وحسب درجة القرابة. كذلك عمل ( الكليجة ) في العيد هي عادة عراقية أصيلة يجتمع عليها العراقيين في العيد.
و(الكليجة) هي تتكون من الطحين الأبيض والزيت وقليل من الماء وتخلط سويا تتكون منها عجينة الكليجة أما حشوتها فتتنوع ما بين الجوز الهندي والجوز الأبيض ويطلق عليه ( جوز ناركيلة ) وكذلك يستخدم السمسم وايضا يستخدم التمر في حشوة ( الكليجة ) ويضاف لها بهارات خاصة ب ( الكليجة ) ثم تقطع قطع صغيرة وتوضع فيها الحشوة وتطرز بطريقة فنية رائعة وأيضا لكل مدينة لها تطريزها الخاص بها ثم توضع في الفرن وسابقا توضع في التنور الطيني حتى تنضج. وايضا يقوم الجيران بإهداء بعضهم البعض من ( الكليجة ) وايضا تقدم للضيوف في العيد.
أما الأطفال في العراق وفي صباح كل عيد يخرجون الى الساحات التي يتوفر فيها ألعاب الأطفال فتجد في كل حيّ سكني ساحة يخرج اليها الاطفال ويتجمعون فيها ويلعبون ويمرحون ولكن عادة ما تكون هناك حوادث يصاب بها الاطفال بسبب شدة حركتهم والعابهم العنيفة نوعا ما. إن العادات والتقاليد العراقية هي عريقة ومحافظ عليها كل حسب منطقة سكناه وجغرافيته التي يعيش فيها ولهذا تبقى في الذاكرة ولا تمحى حتى عندما يبلغ الولدان شيبا فهم يتذكرونها بإعتزاز وتشوق. وقد كتب عالم الإجتماع العراقي الدكتور علي الوردي كتابا خاصا أسماه طبيعة المجتمع العراقي وقد ذكر فيه أغلب العادات والتقاليد العراقية. كذلك هناك دراسات وبحوث كثيرة كتبت عن العادات والتقاليد العراقية سواء في العيد أم عادات وتقاليد عامة. أما الآن وأغلب العراقيين في المهجر فيحاول البعض الحفاظ على هذه العادات والتقاليد بقدر المستطاع فمثلا في مدينة إسطنبول يقيم العراقيين صلاة عيد موحدة يجتمعون فيها ويقوم أحد القرآء بقرآة القرآن الكريم بالطريقة العراقية المميزة وهي تقرأ على المقامات العراقية المشهورة كذلك يقوم البعض بزيارة البعض وتبادل التهاني فيما بينهم لكنها تبقى محدودة بحكم ظروف الهجرة.
لكن مهما يكن فلا يمكن أن تعوّض العراقيين في المهجر عن أعيادهم في بلدهم لأنه لا بديل للوطن إلا الوطن وخاصة لشعب عاطفي مثل الشعب العراقي الذي يتمسك بعاداته وتقاليده. نسأل الله تعالى أن يعيد جميع المهجرين العراقيين الى بلدهم وإن لا يأتي العيد القادم إلا وهم في بلدهم العراق وهو خالٍ من الإرهاب والعنف والطائفية المقيتة التي مزقت العراق. اللهم إحفظ العراق والعراقيين وسائر بلاد العرب والمسلمين. وكل عام وانتم بخير.