تركيا, من بلد مستورد للطاقة إلى مصدر!
حالياً تعد تركيا أكبر الدول المستوردة للطاقة من بين دول المنطقة، باعتمادها على الطاقة الواردة من روسيا ــــ بشكل كبير ــــ والقوقاز وإيران والشرق الأوسط، وقد بلغت قيمة الطاقة المستوردة خلال العشر سنوات الأخيرة 500 مليون دولار، ما يحتم على دولة كتركيا لا تملك احتياطات موارد طبيعية اتباع خطط استراتيجية شاملة وجهود مكثفة حتى تقلل من استيرادها للطاقة أو تحقق اكتفاء ذاتياً فيما بعد أو حتى ما يجعلها تفكر مستقبلاً في أن تكون دولة مصدرة لها، وليس ذلك ببعيد فقد نجحت دول عديدة في ذلك دون أن تكون غنية بالموارد الطبيعية مثل كوريا واليابان وألمانيا وإيطاليا.
سنوياً يزداد حجم الطاقة اللازمة لتركيا بنسبة 6% ليصل إلى 120 جيجا عام 2023 نظراً للتوسع الاقتصادي والتطورات العمرانية، ما يتطلب من الحكومة التركية رسم خطط لزيادة إنتاج الطاقة محلياً و تخفيف استيراد الطاقة وذلك عبر اعتماد مشاريع تنقيب عن موارد محلية مثل الفحم و الغاز الطبيعي و الالتفاف نحو الطاقة البديلة كالشمسية والمائية والهوائية والحرارية الأرضية والنووية.
يبلغ إنتاج تركيا للطاقة من مواردها المحلية نسبة 49.3 % من مجموع الطاقة التي تحتاجها البلاد تتوزع بين الغاز الطبيعي والفحم و الطاقة الشمسية و الكهرومائية والهوائية ومصادر أخرى، وتسعى الحكومة لرفع تلك النسبة لتصل إلى الثلثين في عام 2023، فمنذ بداية العام الجاري قامت بتشغيل 28 محطة جديدة لتوليد الطاقة الكهربائية تعتمد على الموارد المحلية ضمن خطط لرفع طاقتها الإنتاجية، وحتى عام 2023 سيكون هناك محطات لتوليد الطاقة جديدة يمكنها إنتاج 15 ألف ميغاواط تعتمد على الفحم والشمس والرياح.
وتركز تركيا في هذه المرحلة على زيادة مساهمة مصادر الطاقة المتجددة في إجمالي حجم الطاقة القائمة في البلاد لتصل إلى 30% عام 2023، وتعد فرصها الاستثمارية في هذا المجال واسعة ومستمرة، حيث يشهد مجال إنتاج الطاقة الشمسية زيادة مضاعفة كل عام بطرح الحكومة مشاريع نوعية في هذا المجال، أهمها مشروع كارابينار في قونية لتوليد الطاقة الشمسية الكهرومغناطيسية بقوة تبلغ 1000 ميغاواط وسيكون المشروع الأكبر من نوعه في العالم.
وعلى صعيد إنتاج طاقة الرياح فقد احتلت تركيا مراكز إقليمية متقدمة في هذا المجال، وتكثف الحكومة جهودها بطرح مشاريع استثمارية كان آخرهامشروع إنشاء محطة طاقة رياح بقدرة إنتاجية 1000 ميغاواط الذي فاز بمناقصته اتحاد شركات سيمنز الألمانية وتوركرلروكاليون التركيتين.
وما يمثل نقلة نوعية في مجال الطاقة البديلة عزم الحكومة على إنتاج طاقة نووية، وقد بدأت فعلياً لتحقيق ذلك بمشروع بناء محطة الطاقة النووية أكويو لإنتاج الطاقة الكهروذرية بالقرب من مدينة مرسين، والمكونة من أربعة مفاعل بقدرة إنتاجية تبلغ 1200 ميغاواط للمفاعل الواحد ومن المتوقع أن تغطي المحطة ــــ سيتم تشغيلها عام 2023 ـــــ ما يقدر بـ 10% من احتياجات البلاد للطاقة،كما تخطط تركيا لامتلاك محطتين نوويتين أيضاً بحلول عام 2030.
وخلال السنوات العشر الماضية كانت تركيا إحدى أسرع أسواق الطاقة نمواً في العالم، فتطبيق برنامج الخصخصة الذي أثبت نجاحات واسعة في قطاع الطاقة خلق فرصاً أكثر تنافسية وفتح الطريق لاستثمارات الكيانات الخاصة، وما دعم ذلك إنشاؤها لبورصة الطاقة حيث ضمان الشفافية والحفاظ على التوازن بين العرض والطلب، كما تقدم الحكومة حوافز مجزية للمستثمرين في هذا القطاع مثل: التعريفات الخاصة، وضمانات الشراء، وأولويات التوصيل، وإعفاءات الترخيص وغير ذلك.
ويقدر إجمالي الاستثمارات المطلوبة لتلبي الطلب المتوقع على الطاقة بحلول عام 2023 بنحو 110 مليار دولار أي ضعف إجمالي المبلغ المستثمر خلال العقد الماضي، خاصة مع توفر خطط للتنقيب والاكتشافات الواعدة في احتياطات النفط والغاز والفحم داخل البلاد، ما ستضيف نتائج هذه الخطط من نواحي استراتيجية وإقليمية وجيوفيزيائية وجيوحرارية المزيد من الموارد خلال الفترة القادمة.
ولا تتجاهل الحكومة التركية واجباتها تجاه البيئة فهي تبحث عن سبل توظيف تقنيات حديثة للحد من التأثيرات السلبية الناجمة عن إنتاج الطاقة في مجالات معالجة المخلفات وإدارتها وتقليل الاحتباس الحراري خاصة فيما يتعلق بانبعاثات الكربون والكبريت، وتعتزم تجديد نظم التصفية لجميع محطات توليد الطاقة القديمة في البلاد بحلول عام 2019، وإدخال تكنولوجيا الجيل الجديد ذات تقنيات متطورة لزيادة فاعليتها والحفاظ على البيئة في آن واحد، وعلى هذا النهج ستسير المحطات الجديدة التي ستُبني، ما يتطلب مزيداً من الاستثمارات لتطوير الجانب التكنولوجي في قطاع الطاقة.
بات حلم تحقيق الاكتفاء الذاتي من الطاقة المحلية حقيقة واضحة وأمراً ممكناً في ظل التطورات الشاملة والمشاريع الاستثمارية الواسعةالتي طالت جميع القطاعات الاقتصادية في البلاد، وبحرص الحكومة على تحقيق الأفضل لتلك القطاعات عامة وقطاع الطاقة خاصة من بحث وتطوير واستثمار فإنها تتطلع إلى مرحلة ما بعد الاكتفاء الذاتي وهي مرحلة متقدمة قد تتمكن فيها تركيا من تصدير الطاقة.