اللّاجئون و أوروبا... مَن أنقذَ الآخر؟!
عبدالسلام فايز/ هولندا
لم يعد ملفّ اللاجئين خافياً على واحدٍ قطّ، فمع اندلاع الحروب في الوطن العربي ، فرّ الكثيرون من أبنائه باحثين عن أمانهم المفقود، و قد كان للقارة الأوروبية وافر الحظ و النصيب من أعداد اللاجئين الذين تمركزوا في أصقاعها كافة. و لو انتقلنا إلى لغة الأرقام فسوف نجد أنّ دولة ألمانيا الاتحادية نالت المركز الأول في استقبالها للاجئين، حيث قُدّر عدد الذين حصلوا على حق الإقامة فيها خلال العام المنصرم ما يقارب نصف مليون لاجئ، في حين تحتل السويد المرتبة الثانية التي منحت حق الإقامة لما يقارب 460 ألف لاجئ خلال العام ذاته... و الحقيقة هي أنّ هذه الأرقام ليست بالأرقام القليلة، لذا لابدّ من الوقوف ولو بعجالة مع النتائج المترتبة على ذلك والتي ستعود بالعوز على وطننا العربي، بينما تعود بالنفع و السكينة على القارة الأوروبية التي استعادت فتوّتها المفقودة من جديد، و ذلك على حساب شوارعنا التي خلت من الشباب . و لو عدنا إلى دراسة سابقة أجرتها وكالة أوروستات الإحصائية، فسوف نجد أنّ الدول الأوروبية باستثناء فرنسا وبريطانيا، كانت ستبلغ مرحلة الانحسار السكاني في العقد المقبل، إذ سينخفض عدد سكان ألمانيا مثلاً إلى 60 مليون نسمة عام 2050 م، ناهيك عن نسبة الشيخوخة الكاسحة في مجتمعاتهم والتي صبغت قارتهم بصبغة الشيب البيضاء، بعد أن بلغ ثلث سكانهم مرحلة الشيخوخة ،إثر تجاوزهم سن الخمسين. و أكّدت دراسة نشرها المجلس الأوروبي أن الشعوب الأوروبية ستصبح شعوباً مسنّة بنسبة تقترب من الربع بحلول العام 2050 م و أنّ عدد الفرنسيين الذين سيتجاوزون سن الستين سيبلغ 15 مليون نسمة عام 2020 م. و أمام هذه الشيخوخة المستشرية جاء اللاجئون الذين أنقذوا هذه القارة العجوز من كهولتها المملّة، و أعادوا لوجهها ماء الشباب الثمين الذي لم تكن أوروبا تحلم به خلال السنوات الماضية، و المتجوّل اليوم في شوارع مدينة روتردام الهولندية مثلاً ، أو في العاصمة الألمانية برلين، خاصة في أيام العطل الرسمية، سيلاحظ الوجود العربي الفتيّ في تلك المدن و غيرها، و الذي لا يمكن إنكاره أو تجاهله أو المرور عليه مرار الكرام. هذا و إنّ هجرة الكفاءات العربية من الوطن العربي باتجاه أوروبا شكّل كذلك نقطة تحوّل مهمة لصالح القارة الأوروبية على حساب الوطن العربي والذي تعاني بعض بلدانه ولا سيما سورية و العراق، من نقصٍ مؤرّق للكفاءات العربية التي هاجرت بحثاً عن الأمان، و في اتصال هاتفي أجرته وكالة نيوترك بوست مع أحد الأطباء الذين تركوا عملهم في أحد مشافي دمشق، متجهين نحو أوروبا، قال هذا الطبيب بأنه غادر هو و زوجته الطبيبة و ثمانية من زملائه دفعةً واحدة، و ربما يكون العدد قابلاً للارتفاع، وقال الطبي في المحادثة الهاتفية بأنه لم يجد سوى الهجرة مهرباً له و ذلك بعد تردّي الأوضاع الأمنية، و وصول طلائع الخطر إلى شرفاتِ عملِه و مستقبله، و إنه حاولَ و بشتّى السبل دفع أسباب هجرته، ولكنّه وجد نفسه قد حزمَ حقائبه لخوض المغامرة ذاتها التي سبقه الكثيرون إليها.. و السؤال المطروح : ألم يُحدِث غيابهم فراغاً كبيراً في ذلك المشفى الذي سيحتاج لخبرتهم في يوم من الأيام؟ و كيف و مَن سيعوّض المرضى عن غيابهم المؤلم الذي لم يستفد منه إلا القارة الأوروبية التي ابتلعتهم و ابتلعت العديد من كفاءاتنا العلمية التي أنقذتها من العجز و البرودة القاتلة.. الأمر ذاته ينطبق على واقع المدارس في وطننا كذلك ، والتي افتقدت لكثير من مدرّسيها الأكفّاء الذين لم يجدوا بُدّاً من غربتهم الحمقاء، و على سبيل المثال فقد بلغ عدد الشواغر التعليمية في إحدى مدارس محافظة درعا جنوب سورية ما يقارب 22 شاغراً ، بينما تعجّ الشوارع الأوروبية بشبابنا و كفاءاتنا العلمية واليد العاملة التي وجدت نفسها مضطرّةً لبناء لَبِنات القارة العجوز على حساب ركامِ وطننا المتآكل..