إسطنبول جسر يربط الماضي بالحاضر كما يربط البسفور بين طرفيها
تقرير: ديميت سلامة/ نيو ترك بوست
لا تزال ذاكرتي تحتفظ بصورة البسفور بجسره العريق منذ أول رحلة لي لتركيا قبل سنوات ليس لأن هذا الجسر يربط قارتيين بل لأنه يعتبر في بعض الأحيان نقطة رئيسية
وسط رحلة مليئة بالأمل تربط عظمة الماضي بشموخ المستقبل.
إذن " ما أهمية موقع تركيا الجغرافي ؟ " كان هذا هو السؤال الروتيني الذي يطرح على تلاميذ المدرسة في وقت كانت الإجابة عليه محصورة بأبعاد قليلة والآن و بمرور
الوقت أصبحت الإجابة على هذا السؤال ذات عمق أبعد و مفاهيم أكثر قد أصبحت لهذه الأرض التي تضم بين أحضانها المشرق و المغرب قيمة أكثر في وقتنا الحالي .
ففي خلال السنوات الخمس عشر الأخيرة أخذ المسار الإيجابي للاقتصاد نصيبه في التأثيرات الخارجية وواصلت تركيا نموها و نهضتها.
هذه ليست رؤيتي الشخصية فحسب ولكنها أيضا رؤية لمؤسسات بحثية مرموقة ممن تزاول أنشطتها البحثية عالميا و تتابع عن كثب اقتصادات الدول .
ففي بحث أجرته مؤسسات مهنية كبيرة أظهرت أن تركيا في الفترة من 2015 – 2025 ستكون واحدة من أسرع دول منظمة التعاون الاقتصادي و التنمية نموا بتوقعات نمو سنوية وصلت إلى 4.9 % .
هذا التأثير الإيجابي لمعدلات النمو في الإقتصاد يدعم عجلة التسارع في الإستقرار فواحدة من أهم النقاط في هذا الخصوص هي قدرة القطاع المالي على مواجهة الأزمات الإقتصادية العالمية.
إذ أن دور القطاع الخاص المتنامي كان واحد من ركائز عملية البناء القويمة للاقتصاد.
فبسبب الأوضاع المتردية التي تعيشها دول الجوار عاشت حركة التبادل التجاري موجة من التوترات بالإضافة إلى نمو في العجز الجاري الأمر الذي أحدث تأثيرات سلبية على الاقتصاد.
و لو نظرنا إلى التأثيرات السلبية بشكل عام هي متلازمة تصيب اقتصاد أي دولة، فعلى سبيل المثال زاد عدد العاطلين عن العمل في أوروبا نحو 8 مليون نسمة منذ العام 2008 م .
و حتى الآن لازالت دول الإتحاد الأوروبي تعيش هذه الأزمات, فبالنسبة لتركيا القريبة من مناطق الصراع في سوريا والفوضى المستعرة التي تعيشها العراق والمشاكل الأخرى التي تعيشها البلدان المجاورة كل هذا أدى إلى إعادة التشكيل و التأثير بشكل طبيعي على سياسة تركيا من جهة و على اقتصادها من جهة أخرى .
إذ أنفقت تركيا حوالي 30 مليون دولار على هؤلاء اللاجئين الذين تعتبر تركيا بلدهم الثاني.
كما ينبغي ألا ننسى أن الاتحاد الأوروبي لم يفي بوعوده في المساعدات التي كان قد أعلن عن تقديمها للاجئين بفضل النمو المستقر الذي حققه الاقتصاد التركي خلال العشر سنوات الأخيرة أصبحت تركيا أكثر دولة يفضلها المستثمرين الأجانب.
فالبرغم من كل ذلك حققت هذه الاستثمارات اصلاحات و تحسينات في أكثر من مجال على رأسها مجال الصحة و التعليم وكذلك خطت خطوات كبيرة في مجال الحريات الشخصية .
وفي الوقت الذي كانت تركيا تخطو فيه هذه الخطوات واجهتها العديد من الصعوبات والعراقيل الداخلية والخارجية التي أجبرتها أحيانا على الصد و المقاومة.
و بالرغم من ذلك هناك من يتهم تركيا بأنها تتخذ أساليب عدوانية تجاه معارضيها ولكن هذا أمر خاطئ وغير مناسب اطلاق هذه الإتهامات على دولة تقع في موقع جغرافي تحيط به المشاكل والنزاعات من كل الاتجاهات .
وعلاوة على ذلك تغلبها على محاولة الإنقلاب الخطيرة التي تعرضت لها السنة الماضية.
إذ لم تعد تركيا تلك الدولة التي تشكل سياساتها على أساس رغبات و مصالح الدول الأجنبية ، فقد آن الأوان لأن تنهض تركيا و تصبح كمثال يحتذى به لدى دول العالم الإسلامي بمعتقداتها ، و مصادرها الكاملة ، واقتصادها ، وإصلاحاتها و تركيزها على السياسة العالمية.
حقآ ستصبح تركيا جسرا يربط الماضي الذي يمتد تاريخه العتيق ل 600 عاما بمستقبلها تماما كجسر البسفور الذي يربط شطري اسطنبول .