بلفور...وعد من لا يملك لمن لا يستحق
بدأت أحداث هذا الوعد المشؤوم للواقع الفلسطيني عند إرسال آرثر جيمس بلفور رسالة إلى ليونيل روتشيلد يؤكد فيها موافقة بريطانيا وحكومتها في إنشاء وطن قومي لليهود على أرض فلسطين، وكان ذلك بتاريخ 2 نوفمبر في عام 1917م.
بعد انتهاء المراسلات بين الشريف حسين في مكة والمندوب السامي البريطاني مكماهون في مصر التي أعلن على إثرها استقلال المناطق التي كانت تحت سيطرة الحكم العثماني، ومن ثم عقد اتفاقية سايكس بيكو بين بريطانيا وفرنسا وروسيا التي نصت على تقطيع المناطق العربية وإخضاعها تحت حكم كل من الدول المشاركة في الاتفاقية، بعث وزير الخارجية البريطاني بلفور برسالة تتعهد ببناء وطن كامل مبني على القومية ولكن على أرض فلسطين.
توالت الهجرة اليهودية بعد إصدار الوعد إلى أرض فلسطين رغم أنه عند تنفيذه لم يكن في فلسطين سوى 5% من اليهود، ليزداد عدد اليهود المهاجرين من مصر واليمن والحبشة والعراق والهند وأوروبا وروسيا وأمريكا والكثير من الدول الأخرى إلى الآلاف في غضون 30 سنة.
شجب العرب واستنكروا وأقاموا من الكلمات بيانات دارت العالم أجمع ولكنها لم توقف شيء من المخطط الصهيوني الذي باشر تنفيذ ما كان يأمل فيه منذ القدم، فتح باب الهجرة ومنح التسهيلات من بناء مستوطنات وتأمين البيوت والطرق للمهاجرين الصهيونيين، وبدأت تدريجياً عمليات الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية بشكل مباشر وغير مباشر ووثقت عمليات البيع والشراء في التاريخ الفلسطيني وما زالت توثق إلى هذا اليوم، سعياً لإثبات أن الأراضي الفلسطينية هي ملك لليهود.
خففت الحكومة البريطانية من ردود فعل العرب تجاه وعد بلفور بإرسالها رسالة إلى الشريف حسين تتدعي فيها أنها ستمنع من إنشاء المستوطنات اليهودية إلا بقدر ما تتفق مع مصلحة السكان الفلسطينيين، ولكن هذه الرسالة تزامنت مع إرسال الحكومة البريطانية أوامر إلى الإدارة العسكرية الحاكمة في فلسطين أن تقبل طلبات المستوطنين اليهود وتوفير كافة سبل الحماية لهم ومساعدتهم بكل الإمكانيات.
ولدت القضية الفلسطينية من هذا الوعد الذي ما زال الفلسطينيون يعيشون تفاصيل آلامه إلى اليوم، بتعرضهم لأبشع المجازر وعمليات النهب والقتل ومرورهم بحروب كثيرة انتهت بحرب عام 2014 التي شهد فيها قطاع غزة أسوأ الوقائع الحربية التي قد تقارن في العالم، على الرغم أن أعداد اليهود منذ بدء هجرتهم إلى فلسطين وإلى اليوم أقل من عدد أصحاب الأراضي الأصليين.
نص تصريح بلفور
وزارة الخارجية البريطانية
2 نوفمبر 1917م
عزيزي اللورد روتشيلد
يسرني جدا أن أبلغكم بالنيابة عن حكومة صاحب الجلالة التصريح التالي، الذي ينطوي على العطف على أماني اليهود والصهيونية، وقد عرض على الوزارة وأقرته:
'إن حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف إلى تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين، وستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية، على أن يكون مفهوما بشكل واضح أنه لن يؤتى بعمل من شأنه أن ينتقص الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة الآن في فلسطين، ولا الحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في البلدان الأخرى'.
وسأكون ممتنا إذا ما أحطتم اتحاد الهيئات الصهيونية علما بهذا التصريح.