تركيا و المغرب...علاقات تجارية تعود لقرون
تعود العلاقات التي تجمع بين تركيا والمغرب إلى قرون مضت، فقد امتدت العلاقات بين المملكة المغربية والدولة العثمانية، لعدة قرون، أي منذ أوائل القرن 16 حتى القرن 19 عندما استعمرت فرنسا شمال أفريقيا، إلا أن العلاقة قد استمرت مع الجمهورية التركية في العصر الحديث.
وقد شكل العام 2004 بعد صعود حزب أردوغان الحاكم -العدالة والتنمية- للحكم محطة فاصلة في تاريخ العلاقات المغربية التركية الحديثة، ونقطة تحول في مسارها، فبالرغم من عودة العلاقات بينهما إلى قرون ماضية إلا أن هذه العلاقات ظلت محصورة في مواقف تكاد تكون اجتماعية دون أن تتعدى إلى تعاون اقتصادي متين.
وأقدم المغرب في عام 2004 على توقيع اتفاقية التبادل الحر مع تركيا في غمرة موجة التوقيع على اتفاقيات من هذا القبيل مع عدد من شركائه الاقتصاديين والتجاريين، وعلى رأسهم الاتحاد الأوربي.
و لم يتم تنفيذ هذه الاتفاقية إلا في عام 2006، حيث يؤرخ هذا التاريخ كونه تطور لمسار العلاقات المغربية التركية في العقد الأخير، ومن ثم تبع هذا التاريخ تطور ملفت في العلاقات الاقتصادية والمبادلات التجارية.
كما ظهر على الساحة المغربية شركة تركية عملاقة صارت تسجل حضورها في مشاريع كبرى، مثل شركة "ماكيول" التي دخلت على الخط في مشروع تثليث الخط السيار الرابط بين الرباط والدار البيضاء بعد أن تخلت عن المشروع الشركة البرتغالية "كونديريل"، بالإضافة إلى ظهور شركات أخرى وعلامات تجارية تركية في العديد من المجالات.
وقد وصل عدد الشركات في هذا الوقت ما يزيد عن 50 شركة، وفق الإحصائيات الرسمية التركية.
وبعد مرور ست سنوات من دخول اتفاقية التبادل الحر حيز التطبيق شهدت المغرب ملاحظات على مدى الاستفادة من هذه الاتفاقية، خاصة في مجال تسويق المنتجات الفلاحية، فقد أوضح فلاحون مغاربة عن منافسة شديدة في السوق التركية بسبب الدعم الكبير الذي تقدمه الدولة التركية لفلاحيها لدعم تنافسية منتوجاتها الفلاحية، مما دفع وزارة الاقتصاد والمالية إلى إعداد دراسة عن هذه الاتفاقية وتقييم استفادة المغرب منها في جميع القطاعات.
ومن العوامل التي قد أدت أيضا إلى التقارب المغربي التركي في الآونة الأخيرة، صعود إسلاميي العدالة والتنمية إلى الحكومة في المغرب، و يعد تطوير العلاقات بين المغرب وتركيا على كافة الأصعدة من الضرورات الحتمية التي يفرضها الواقع وخصوصا بعد توقيع عدد من الاتفاقيات الاقتصادية والتجارية والعلمية باتجاه إقامة شراكة استراتيجية بين الدولتين لاعتبارات عدة منها تطابق وجهات النظر بين الدولتين حول معظم القضايا التي تهم البلدين والشعبين والمنطقة بأسرها.
بالإضافة إلى رغبة البلدين في توسيع آفاق علاقاتهما الدولية والإقليمية وبالأخص العلاقات بين الدول العربية والإسلامية، إن توجه البلدين إلى إقامة شراكات اقتصادية متكاملة وشكل من أشكال التعاون الاستراتيجي مع دول الخليج العربي هو أيضا عبارة عن ضوء أخضر للطرفين لتطوير علاقاتهما دون تردد بسبب قوة علاقاتهما ووجود أرضية صلبة وثقة متبادلة بين الدولتين مع دول الخليج العربي.
و قد بلغ حجم المبادلات في 2010 بين تركيا والمغرب وفقا لإحصاءات مكتب الصرف٬ 6.25 مليار درهم سنة أي بزيادة نحو 40 في المائة عن حجم المبادلات المسجلة سنة 2009٬ أي حوالي 4.5 مليار درهم، أما بالنسبة للاستثمارات بين البلدين في نفس العام فإن مجموع الاستثمارات التركية في المغرب بلغت 6 .95 مليون درهم سنة 2010 مقابل 81 مليون عام 2009.
ويصدر المغرب إلى تركيا، بشكل أساسي، مادة الحامض الفوسفوري، والسيارات المجمعة، ومعجون الورق، والفوسفات، في حين يستورد منها منتجات من الحديد والصلب، والسيارات المجمعة، والثلاجات المنزلية والجرارات و الآلات والمعدات الفلاحية.
وزادت المعاملات بين الدولتين بشكل ملحوظ في عام 2014 بحسب تقرير لمكتب الصرف، حيث وصلت صادرات المغرب إلى تركيا نحو 4.58 مليار درهم (476 مليون دولار)، بينما بلغت واردات المغرب من تركيا نحو 14.09 مليار درهم (1.46 مليار دولار).
واحتلت تركيا في عام 2014 المرتبة 8 في لائحة شركاء المغرب التجاريين، حيث تمثل واردات المغرب من تركيا 3.7 بالمئة من إجمالي واردات المملكة، في حين بلغ نسبة صادرات المغرب إلى تركيا 2.3 بالمئة من إجمالي صادرات البلاد.
وحديثا يعمل المغرب وتركيا باتفاق للتبادل الحر الذي أُبرم قبل أكثر من عقد، حيث رفع حجم التبادل التجاري بينهما إلى قرابة 2.6 مليار دولار في العام الماضي، بعدما كان في حدود 660 مليون دولار قبل توقيع الاتفاق، إلا أن العجز التجاري المغربي المسجل مع تركيا قد وصل إلى حوالى 1.1 مليار دولار في العام الماضي، حسب تقرير حديث أصدرته وزارة الاقتصاد والمالية.
وفي العام الماضي ارتفعت واردات المغرب من تركيا، حسب البيانات الرسمية، بنحو 4.4%، لتصل إلى 1.9 مليار دولار، بينما بلغت صادرات المغرب إلى ذلك البلد 740 مليون دولار، حسب التقرير الاقتصادي والمالي الذي أرفق بمشروع موازنة العام المقبل.
و على الرغم من الارتفاع الكبير لمشتريات المغرب من تركيا، في العشرة أعوام الأخيرة، إلا أنه اتضح أن مبيعات المغرب في ذلك البلد، انتقلت من 110 ملايين دولار إلى 740 مليون دولار، غير أن استثمارات تركيا لم تساير حجم المبادلات التجارية في المغرب، حيث لم تتعد 63 مليون دولار في العام الماضي، ولم تمثل سوى 1.9% من الاستثمارات الأجنبية المباشرة التي دخلت المغرب في العام الماضي.
ويذكر أنه ينشط في المغرب نحو ثمانين شركة، يتوزع نشاطها بين صناعة النسيج والصناعات الغذائية والأثاث، إلا أن أهم استثمارات تلك الشركات تنصبّ على البناء والأشغال العامة.
و جدير بالذكر أن العلاقات بين المغرب و تركيا قد تميزت على الدوام، بطابع الجودة وهو ما أفضى إلى انخراط البلدين قبل سنوات في شراكة استراتيجية متقدمة من شأنها تقوية علاقات التعاون الثنائي، خصوصا على المستوى الاقتصادي والتجاري.