تركيا والجزائر.. شراكة إستراتيجية لاقتحام السوق الإفريقية
خاص نيو ترك بوست /سلسبيل الجزائري
لم تعُد الجزائر فقط أكبر شريك تجاري لتركيا في إفريقيا فقط، بل جذبت أكبر الاستثمارات التركية في القارة السمراء، وأزاحت كلا من قطر وفرنسا من صدارة الدول الأكثر استثمارا في الجزائر، ويستعد البلدان لاقتحام السوق الإفريقية من خلال شراكة إستراتيجية في عدة قطاعات على غرار الحديد والصلب، والنسيج، وقطع غيار السيارات.
إذ بلغ حجم التبادل التجاري بين الجزائر وتركيا 5.3 مليار دولار سنويا، ويطمح البَلدان لرفعه إلى نحو 10 مليار دولار، حيث تستورد تركيا 12 بالمائة من احتياجاتها من الغاز الطبيعي من الجزائر، في حين وصلت الاستثمارات التركية في الجزائر أكثر من 3 مليار دولار في 2017، ومن المرشح أن تتضاعف في أفق 2021، لتتجاوز 7 مليارات دولار على الأقل.
وما يؤكد صعود الاستثمارات التركية في الجزائر، إعلان مدير الوكالة الجزائرية لتطوير الاستثمار عبد الكريم منصوري، أن تركيا تأتي على رأس قائمة الاستثمارات الأجنبية في بلاده خلال الأشهر التسعة الأولى من 2017.
إقرأ المزيد| الديكورات التركية ..هوس العائلات الجزائرية المستوحى من المسلسلات
حيث تنشط في الجزائر 300 شركة تركية، وتوظف 3 آلاف منصب عمل، وأرجع دبلوماسيون ورجال أعمال أتراك أسباب اهتمامهم بالسوق الجزائرية إلى: المناخ الخصب للاستثمار، والإرادة السياسية، والاستقرار الأمني.
فشركة "توسيالي" التركية لإنتاج الحديد والصلب، والتي تمثل استثماراتها في الجزائر أكبر استثمار تركي في الخارج، أعلنت على لسان مديرها العام "فؤاد توسيالي" لصحيفة حريات التركية، أنها سترفع استثماراتها في الجزائرية من 2.25 مليار دولار في 2017 إلى 6 مليار دولار في 2021 (بعد أن انطلقت بـ750 مليون دولار)، بعد استكمال المرحلة الرابعة من استثماراتها، التي تتمثل في إنجاز مصنعين بقيمة 4 مليار دولار، مما يرفع إنتاجها من نحو 2.9 مليون طن إلى أكثر من 5 مليون طن من الحديد الصلب بمختلف أنواعه.
الجزائر.. منصة الصادرات التركية نحو إفريقيا
في إطار سعيها للتخلص من هيمنة النفط على اقتصادها (94 بالمائة من الصادرات و50 بالمائة من ميزانية البلاد)، تسعى الجزائر لتنويع صادراتها، من خلال فتح باب الاستثمار الأجنبي في عدة قطاعات.
وهذا ما يتوافق مع طموحات الشركات التركية المتواجدة بالجزائر، التي ترغب في الانتقال إلى مرحلة التصدير إلى الدول العربية والإفريقية، بعد تشبع السوق الجزائرية التي تضم أكثر من 41 مليون مستهلك (ثاني أكبر بلد عربي من حيث عدد السكان، والأكبر مساحة إفريقيا وعربيا)، كما أن الجزائر تملك اتفاق شراكة مع الاتحاد الأوروبي مما يسهل لها إمكانية اقتحام السوق الأوروبية خاصة وأن الكهرباء والغاز والمياه واليد العاملة رخيصة والعملة منخفضة (1 دولار= 115 دينار جزائري) ما يعني منتوج رخيص؛ يمكنه منافسة السلع الأوروبية الغالية الثمن.
وفي هذا السياق، تسعى شركة "توسيالي" للشروع في عملية تصدير الحديد والصلب انطلاقا من ميناء أرزيو (غرب الجزائر) نحو دول إفريقية وعربية بداية من 2018، خاصة وأن السوق الجزائرية تكاد تصل مرحلة الاكتفاء الذاتي مع دخول مصنع "بلارة" القطري للحديد والصلب مرحلة الإنتاج في أكتوبر/ تشرين الأول 2017، بالإضافة إلى مصانع أخرى لمستثمرين جزائريين وأجانب بعضها دخل مرحلة الإنتاج العام المنصرم، والبعض الآخر في مرحلة التشييد ومشاريع أخرى تنتظر الحصول على الموافقة الحكومية، ناهيك عن مصانع يتم توسيع طاقة إنتاجها على غرار مركب الحديد والصلب بالحجار بولاية عنابة (شرق)، ومركب "توسيالي" للحديد بولاية وهران (غرب).
ومن شأن استكمال هده المشاريع في غضون السنوات الثلاثة المقبلة أن تُحول الجزائر من أكبر البلدان المستوردة للحديد والصلب في إفريقيا (بأكثر من 6.2 مليون طن في 2016) إلى أكبر المصدرين في إفريقيا (3.5 مليون طن فائض في 2020، و9.5 مليون طن فائض في حال تنفيذ المشاريع المصادق عليها، حسب توقعات وزارة الصناعة الجزائرية).
ولم يخفِ "فؤاد توسيالي"، في حواره مع "حريات" التركية، رغبته في جعل شركته في الجزائر "عملاقا في صناعة الحديد والصلب في إفريقيا، ومن بين أفضل 25 شركة عالمية".
وأرجع "توسيالي" سر توسيع استثماراته بالجزائر إلى توفر الاستقرار، كما أن الاقتصاد الجزائري يدار بشكل جيد في الوقت الحاضر.
جدير بالذكر أن نسبة نمو إنتاج الحديد والصلب في الجزائر في الفترة ما بين 2010 و2016 بلغت 108 بالمائة، وهي نسبة عالية جدا، وتعكس الطفرة التي حققتها البلاد في هذا القطاع، بفضل الانفتاح على الاستثمارات الأجنبية على غرار "أوزميرت" التركية (300 ألف طن سنويا بالإضافة إلى استثمارات في مواد البناء)، بالإضافة إلى مصنع "بلارة" القطري، ومستثمرين جزائريين محليين.
مصنع للنسيج.. 60 بالمائة من إنتاجه موجه للتصدير
يشكل قطاع النسيج ثاني أكبر استثمار تركي في الجزائر بعد قطاع الحديد والصلب، حيث استثمر مجمع "تايبا" التركي بالشراكة مع مؤسسة حكومية جزائرية في ولاية غليزان (غرب الجزائر)، نحو 550 مليون دولار، لإنجاز مركب للنسيج من شأنه فتح 25 ألف منصب عمل، 60 بالمائة من الإنتاج سيوجه للتصدير.
وهناك مشروع آخر لإنتاج الخيوط الصوفية بين شركة "بوينر سانايي" التركية و"تيكسالغ" الجزائرية بـنحو 16 مليون دولار، بمسكيانة بولاية أم البواقي (شرق الجزائر)
قطاع السيارات.. شراكة إستراتيجية متوقعة في قطع الغيار
تتوجه الجزائر من أن تكون أكبر سوق للسيارات في إفريقيا للتحول بالسرعة القصوى إلى بلد مصدر في غضون سنتين على الأكثر، بفضل فتح 10 مصانع لتركيب السيارات والشاحنات على غرار علامتي "رونو" و"بوجو" الفرنسيتين، و"فولسفاغن" الألمانية و"هيونداي" الكورية، دون الحديث عن "مرسيدس" الألمانية بشراكة إماراتية مع وزارة الدفاع الجزائرية.
غير أن أهم عقبة تواجه الجزائر في قطاع تركيب السيارات تتمثل في نسب الإدماج التي لا تتجاوز 30 بالمائة بالنسبة لـ"رونو" الفرنسية التي دخلت مرحلة الإنتاج في 2014 (إذا استثنينا مرسيدس التي تشهد نسب إدماج عالية).
وبالنظر إلى الخبرة التركية في إنتاج قطع الغيار، دخلت عدة شركات تركية ميدان الاستثمار في الجزائر، على غرار تصنيع مقاعد السيارات، ومصنع للعجلات وإعلان شركة "توسيالي" للحديد والصلب استعدادها لتصنيع هياكل السيارات، بالإضافة إلى شركات تركية أخرى مهتمة باقتحام هذا القطاع الواعد.