يومُ العمال العالمي ... حقٌ يتجدد منذ 132 عاماً
في الأول من مايو/أيار يتوقف ملايين العمال في عشرات الدول عن العمل، لالتقاط أنفاسهم والتوقف على أوضاعهم وظروف عملهم، ورفع مطالبهم بلغة عالمية مشتركة يفهمها العمال أينما كانوا.
خلفية تاريخية:
شهد القرن التاسع عشر عدد من النزاعات العالمية خاضها العمال في الولايات المتحدة الأمريكية وكندا وأستراليا؛ للمطالبة بتخفيض عدد ساعات العمل اليومي.
وكانت أولى التظاهرات في 21 ابريل/نيسان 1856 في أستراليا، ثم انتقلت إلى كندا، وقد أثمر نضال العمال في كندا صك "قانون الاتحاد التجاري" الذي أعطى الصفة القانونية للعمال ووفر الحماية لنشاط الاتحاد عام 1872.
ووصلت تلك الحراكات إلى الولايات المتحدة وتحديدا في ولايتي شيكاغو وكاليفورنيا، وحظي العمال في الولايات المتحدة الأمريكية بأول عيد لهم في 5 سبتمبر 1882 في مدينة نيويورك.
وفي تشرين أول عام 1884 اجتمعت 8 نقابات كندية وأميركية في شيكاغو، وقررت الدخول في اضراب شامل في الأول من أيار عام 1886، لأجل اجبار الرأسماليين على تطبيق قانون العمل لثماني ساعات.
قضية "هايماركت":
في 1 مايو من عام 1886 نظم العمال في شيكاغو إضرابا عن العمل، شارك فيه ما بين 350 و 400 ألف عامل، يطالبون فيه بتحديد ساعات العمل تحت شعار "ثماني ساعات عمل، ثماني ساعات نوم، ثماني ساعات فراغ للراحة والاستمتاع".
ولاقت الدعوة لذلك الإضراب تجاوبا واسعا، ووقعت أحداثا عنيفة في ساحة "هايماركت" قتل خلالها 11 شخصا بينهم 7 من رجال الشرطة واعتُقِلَ على إثر ذلك العديد من قادة العمال وحكم على 4 منهم بالإعدام، وعلى الآخرين بالسجن لفترات مُتفاوتة.
وقد أشعلت تلك السياسة العنيفة التي انتهجتها الحكومة الأمريكية نيران كفاح العمال، فاضطرت بعد شهر إلى تنفيذ قانون العمل لثماني ساعات بفعالية.
وعلى الرغم من رفض الحكومة الأمريكية القاطع الاحتفال بذلك اليوم وتخليد ذكرى أحداث "هايماركت"، إلا أنها ظلت حتى يومنا هذا عنواناً لنضال العمال في شتى أنحاء العالم.
تجاوزت قضية هايماركت أسوار أميركا وبلغ صداها عمال العالم، وأحيا المؤتمر الأول للأممية الاشتراكية ذكراها في العاصمة الفرنسية باريس عام 1889، وتمت الدعوة لمظاهرات دولية لإحياء ذكرى هايماركت عام 1890، وفي العام الموالي اعترفت الأممية الاشتراكية في مؤتمرها الثاني بعيد العمال حدثا سنويا.
وفي عام 1904 دعا اجتماع مؤتمر الاشتراكية الدولية في أمستردام جميع المنظمات والنقابات العمالية وخاصة الاشتراكية منها في جميع أنحاء العالم إلى عدم العمل في الأول من مايو/أيار من كل عام، وتم السعي لجعله يوم إجازة رسمية في عشرات الدول.
وفي عام 1958 اعتبر الكونغرس الأميركي الأول من مايو يوم وفاء لذكرى "هايماركت" خاصة بعدما حظى بالتقدير من دول عديدة وعلى رأسها الاتحاد السوفياتي، وأعلن الرئيس الأميركي دوايت أيزنهاور الأول من مايو يوم إجازة رسمية.
ويعد يوم الأول من مايو/أيار يوم إجازة رسمية في نحو مائة دولة، وتعتبره الحركات والنقابات العمالية فرصة لتدارس أحوال الطبقة العاملة وتقييم إنجازاتها، ورفع مطالبها في مسيرات وتظاهرات عامة، ولا يخلو هذا اليوم من السياسة بالاحتجاج على الحكومات وسياستها الاجتماعية والاقتصادية، خاصة في الدول التي تكون النقابات فيها درعا من أدرع الأحزاب السياسية.