رزان النجار..المعطف الأبيض يروي بطولات شهيدة
بابتسامتها العريضة التي لازمتها، وهمتها العالية، وحركتها الخفيفة، بين أرجاء "مخيم العودة"، اكتسبت محبة الجميع، ...رزان النجار (21 عامًا)، فتاة فلسطينية، سخّرت نفسها لإنقاذ حياة المُصابين، المشاركين في مسيرات العودة، فتطوعت كمسعفة ميدانية، رغم المخاطر الكبيرة التي تحيط بهذه المهنة.
عديدة هي المرات التي أُصيبت فيها "رزان" بالاختناق، وبإصابات مباشرة بقنابل الغاز في قدمها ويدها، لكنها كانت تعود بعد وقت قصير لتُكمل عملها.
ودأبت النجار على الحضور للمخيم يوميا، قبل وصول المتظاهرين، والمغادرة بعد انصرافهم وتأكدها من خلو المخيم، عائدة بزيها الأبيض الملطخ بدم الجرحى، لمنزل أسرتها الذي لا يبعد سوى "200 متر" عن المخيم.
وكان فريق وكالة الأناضول، قد أعدت تقريرا حول النجار، بداية شهر إبريل/نيسان الماضي، بعد أن استوقفه مشهدها وهي تسعف الجرحى.
وفي ذلك الوقت، قالت النجار إنها تعمل تطوعًا كأول أنثى في إسعاف المصابين، دون مقابل، ودون توفير مستلزمات طبية كافية، مؤكدة أنها ستبقى تواصل عملها، دون أن تخشى على حياتها، من نيران الجيش الإسرائيلي.
إقرأ أيضاI قطاع غزة: إصابة 3 أشقاء برصاص الاحتلال الإسرائيلي خلال يوم واحد
ولربما هذا ما دفع الجيش الإسرائيلي لاتخاذ قرار بإعدامها بواسطة قناصته المنتشرين على الجانب الآخر من الحدود، بعد أن استفزه نشاطها الدؤوب في إسعاف الجرحى، حسبما يقول أقاربها ورفاقها.
وأمس الجمعة، قال أشرف القدرة المتحدث باسم وزارة الصحة الفلسطينية بغزة، إن "المُسفعة النجار، استشهدت بعد تعرضها لرصاص الجيش الإسرائيلي على الحدود الشرقية لمدينة خان يونس جنوبي قطاع غزة.
اعتادت رزان على العودة للمنزل، القريب من الحدود، مشيا على الأقدام، بعد أن تكمل مهمتها الإنسانية.
لكنها، لم تعد أمس الجمعة كعادتها، بعد أن اتخذ الجيش الإسرائيلي قرارا بإعدامها، وغادرت الميدان، للمرة الأخيرة، محمولة على الأكتاف.
لم تنم والدتها "صابرين النجار" (45 عامًا)، أمس، لكنها عانقت سترتها البيضاء التي اخترقتها الرصاصة الإسرائيلية، وضرجتها بالدماء.
ورغم الألم، إلا أنها حرصت صباح اليوم، وقبيل تشييع جنازتها على الذهاب لحديقة المنزل لتجهيز الورود التي تعشقها الراحلة رزان، كي تزفها به، في وداعها الأخير.
تقول، الأم المكلومة، لوكالة الأناضول، بينما كانت تتشبث بسترتها:" منذ 30 مارس/ آذار، وابنتي تسعف الجرحى، وكانت سعيدة جدًا لذلك، وتصر على المواصلة وتقول لنا: هذه رسالة لا بد أن أوصلها، وعملي سلمي وهو مساعدة المصابين".
وتضيف:" يوميًا تعود للمنزل، وملابسها مضرجة بدمائهم، وتخبرنا: هذا أطهر دم في الدنيا، وربنا يحمينا".
وتوضح الأم، أن ابنتها المتطوعة كانت "تجتهد وتشتري معدات طبية من مالها الخاص"، مشيرة إلى أنها كانت تمتلك خبرة جيدة في التمريض والإسعاف الميداني، رغم أنها لم تتلق دراسة أكاديمية في هذا المجال.
وتكمل:" كانت رزان تحلم أن تمارس هذا العمل، وتوازن بينه وبين التطوع في إحدى المستشفيات، وتطمح في دراسة التمريض بالجامعة".
وتضيف متسائلة:" ما الجُرم الذي ارتكبته رزان لتُقتل؟
وتتابع وهي تمسك المعطف وبطاقة تعريفية وتشير بيدها:" هذا هو سلاح ابنتي، المعطف والشاش الأبيض، تدافع به عن نفسها والمصابين، وتدفع بنفسها في نقاط الصفر لإنقاذهم، وكثير ما تحدّث معها الجنود وتحدّثت لهم وهي ترفع يديها كي تصل للسياج، وعلى الرغم من ذلك لم ينسَ الاحتلال جرأتها فقتلها، دون أن تقترف أي ذنب".
ولم تستطع الأم أن تخفي، أنها كان تشعر بأن ابنتها ستُستشهد في يوم ما، نظرا للقوة المفرطة التي تستخدمها إسرائيل ضد الفلسطينيين، وهو ما أسفر عن مقتل العشرات وجرح الآلاف.
وتؤكد الأم النجار، أنها كانت "راضية" عن عمل ابنتها البِكر "رزان"، والشقيقة لأربعة آخرين "اثنين من إناث ومثلهم من الذكور".
وتقول:" كثيرًا ما كانت أشجعها، وأحثها على الحفاظ على حياتها، لأن العدو لا يرحم أحد؛ وبالأمس عندما قتلت صُدمت للخبر ولم أصدقه وما زلت أشعر أنها ستعود".
وتؤكد أن قتلها من قبل الجيش الإسرائيلي "مقصود"، مضيفة:" لم يرحمها أعداء الإنسانية؛ وسأبحث عن حق ابنتي في المحاكم الدولية ولن أصمت".
الألم الذي تركه رحيل النجار، لم يكن أيضا سهلا على رفاقها المتطوعين، فهذه زميلتها لمياء أبو مصطفى "23 عامًا"، ما تزال غير مصدقة لنبأ مقتلها.
وتقول أبو مصطفى، لوكالة الأناضول، إنها كانت تتقدم مع "رزان" قبل وقت قصير من أذان المغرب لمنطقة السياج الحدودي، لإنقاذ عدد من المصابين.
وتضيف:" كنا نرفع يدينا للأعلى ونرتدي المعاطف البيضاء، ولا نحمل بأيدينا أي شيء، وما إن وصلنا وعلى بعد أقل من 50 مترًا، كان جنود الاحتلال يطلقون الرصاص الحي قربنا وقنابل الغاز بكثافة".
وتقول:" أثناء عودتنا، أطلق جنود الاحتلال رصاصة، اخترقت ظهرها وخرجت من صدرها، وأيقنت من حينها أنها شهيدة".
وتؤكد زميلتها أنها وفرق المتطوعين، سيواصلون مسيرة زميلتهم رزان، مضيفة:" نحن على ذات دربها، ولن يرهبنا قتلها، ولن نتخاذل في إسعاف أبناء شعبنا".
أما الجريحة صابرين النجار "41 عامًا"، والتي أسعفتها "رزان" عدة مرات، فأتت للمشاركة في موكب تشييعها ماشية بصعوبة على عكازيها.
وتقول لوكالة الأناضول:" ما حدث فاجعة كُبرى، ولم تكُن الأولى ولن تكون الأخيرة، وهي من أول مسيرات العودة تقف معنا، وعالجتني، وكانت كالحمامة تطير من مكان لآخر، مقدمة لنا العلاج الميداني".