ميدان السلطان احمد في اسطنبول يحكي حكايات لحضارات مرت عبر العصور
نبو ترك بوست - خاص - بالقرب من مضيق البسفور تعانق مآذن المسجد الأزرق أو السلطان أحمد عنان السماء لتحكي حكاية مكان جمع بين ثلاث حضارات على مر العصور.
ميدان السلطان أحمد من أجمل أماكن اسطنبول يقصدها السياح من كل حدب وصوب يلتقطون الصور التذكارية لقباب ومآذن مسجد السلطان أحمد الستة، ثم يتجولون في باحاته الخضراء ليقابلهم مبنى حريم السلطان، ومتحف أيا صوفيا، ومسلة فرعونية حط بها الرحال في المكان إضافة إلى مسلة أخرى بيزنطية، وعمود متعرج.
ومسجد السلطان أحمد يشتهر باسم المسجد الأزرق نسبة إلى البلاط الأزرق الذي يزين جدرانه من الداخل حيث تغطيها 21043 بلاطة خزفية تجمع أكثر من خمسين تصميما.
وتشغل الزخارف المدهونة كل جزء من أجزاء المسجد، وقد أضفى لونها الأزرق على جو المسجد من الداخل إحساسا قويا بسيطرة هذا اللون.
تم بناء المسجد ما بين 1609 و 1616 أثناء حكم السلطان العثماني أحمد الأول، وكالعديد من المساجد الأخرى يضم المسجد مقاما للسلطان حيث المقبرة التي دفن فيها، ومدرسة للتعليم الديني ومستشفى للعجزة، والمعاقين وغيرها.
وبينما كان خالد سالم من دولة الكويت يقف في باحة المسجد ينظر مندهشا لعظمة البناء، كانت زوجته تقوم بتصوير قباب المسجد ومآذنه، وأطفالهما الثلاثة يلهون إلى جانبهما.
ويقول سالم لوكالة (نيو ترك بوست)، إنه قبل أن يزور تركيا قرأ كثيرا عبر المواقع الالكترونية عن أهم الأماكن السياحية في اسطنبول ليجد مسجد السلطان أحمد من أهم معالم المدينة.
ويضيف أنه عندما دخل إلى المسجد أهم ما لفت نظره اللون الأزرق الذي يطغى على المكان، وهو أكثر ما يميزه عن عدة مساجد دخلها في اسطنبول، إضافة إلى المصابيح المتدلية من السقف وقد نسجت بشكل جميل في ثريات ضخمة، وكذلك النقوش المرسومة على القباب من الداخل والجدران.
وهناك أقراص كبيرة موجودة على جدران مسجد السلطان أحمد من الداخل منقوش عليها أسماء الخلفاء الراشدين، وبعض آيات من القرآن الكريم خطت بيد أعظم خطاطي القرن السابع عشر أحمد قاسم غباري وتم إعادة ترميمها مرات كثيرة.
ويلفت سالم في حديثه، إلى زخارف جدران المسجد العلوية بأشكال من الأزهار، الفواكه وأشجار السرو، معربا عن اندهاشه "لجمال العمارة التركية القديمة، والدمج بين الزخارف الإسلامية والبيزنطية".
كما يشير إلى أن أهم ما لفت نظره داخل المسجد كذلك "المحراب المذهب المصنوع من رخام منحوت بشكل رفيع، وكذلك المنبر المزخرف الموجود إلى يمينه".
بدورها تقول زوجة سالم لـ(نيو ترك بوست) بينما كانت تصور بكاميرا المحمول خاصتها قباب ومآذن المسجد، إن الملفت هنا "وجود ستة مآذن جميلة إضافة إلى القباب المتعددة التي تعبر عن الحضارة العثمانية".
وتضيف سالم، أنها "دائما على اتصال مع ذويها وصديقاتها في الكويت، وتستخدم البث المباشر لما تراه في اسطنبول التي تعتبر من أفضل وأجمل المدن السياحية في العالم".
وتردف أن صديقاتها "دائما يندهشن لجمال وروعة المعالم السياحية في اسطنبول، وأنها للتو نقلت لهن مشاهد لمسجد السلطان أحمد بمبناه الضخم ومآذنه وقبابه".
وتبلغ مساحة المسجد ما يعادل 64×72 مترا، وقطر قبته 23.50 مترا، وارتفاعها 43 مترا، وترتكز على أربع دعائم اسطوانية، قطر الواحدة منها خمسة أمتار .
وهناك أربع مآذن تقف في زوايا المسجد كل واحدة تحتوي على ثلاث شرف مزينة، فيما المئذنتان الأخريان تقعان في نهاية ساحة المسجد الكبيرة وفي كل واحدة منهما شرفتان فقط.
وبينما كان آذان المغرب يصدح في المكان من خلال سماعات المسجد كان سامح خليل من مدينة رام الله بالضفة الغربية يقف بالقرب من مسجد السلطان أحمد وهو ينظر إلى متحف أيا صوفيا في الجهة المقابلة.
ورغم أن خليل لم يزر متحف أيا صوفيا بعد، إلا أنه أعرب عن اندهاشه لضخامة البناء وجماله وهو يطل من بين الأشجار الكثيفة على ساحة مسجد السلطان أحمد.
ويقول خليل لـ (نيو ترك بوست)، "أحاول التقاط صور للمتحف الذي قرأت عند كثيرا، وكيف تحول من أهم كنيسة كانت في القسطنطينية (اسطنبول) حاليا في العهد البيزنطي إلى مسجد ثم إلى متحف، وأنوي زيارته والاطلاع على معالمه من الداخل.
ويضيف خليل، أن "زيارة اسطنبول بحد ذاتها هي زيارة للتاريخ، فهذه المدينة الجميلة مليئة بآثار تحكي قصصا من الماضي على مختلف العصور وتنوع الحضارات".
ويقع متحف أيا صوفيا مقابل مسجد السلطان احمد، ويعتبر واحدا من أهم معالم اسطنبول التاريخية وأقدمها في تركيا.
ويرجع تاريخ مبنى أيا صوفيا إلى عام 532 م عندما شرع الامبراطور البيزنطي جستنيان في بنائه ككنيسة واستغرق تشيدها حوالي خمس سنوات واستمرت كدار للعبادة المسيحية لمدة 916 عاما، حتى تم تحويلها إلى مسجد وبني حولها أربع مآذن للعبادة الإسلامية لمدة 481 عاما، ثم تحول المبنى إلى متحف منذ عام 1935.
وفي مكان قريب ضمن ميدان السلطان أحمد وقف علي أمام منصة بالقرب من مسلة خطت عليها كتابات هيروغليفية يقرأ شرحا عنها وعن تاريخها.
ويقول علي ذو الأربعة عشر ربيعا من دولة قطر لـ (نيو ترك بوست) "كنت أسير مع والدي ووالدتي في الشوارع المرصوفة بشكل أنيق بين الأشجار وسجادة نبات النجيل المفرودة في المكان ولاحظت هذا البناء العمودي المضلع والرسومات الغريبة عليه وسألت والدي عنه فقال لنذهب ونتعرف عليه عن قرب".
ويضيف "عندما قرأت ما كتب على المنصة التعريفية التي وضعت إلى جانبه عن تاريخه عرفت أنه عبارة عن مسلة فرعونية تم بناؤها في معبد الكرنك بمصر ثم نقلت إلى مدينة الإسكندرية المصرية، ليتم نقلها بعد ذلك بحرا إلى اسطنبول ووضعها في ساحة سباق الخيل هنا".
وإلى جانب مسلة الملك الفرعوني (تحتمس الثالث) التي تسمى الآن مسلة (ثيوديوس) نسبة إلى الامبراطور الروماني التي جلبها إلى القسطنطينية وضعت مسلة أخرى لكن بيزنطية وعمود آخر متعرج يشبه الأفعى.
ويشير والد علي، إلى أن "المنصات التوضيحية الموضوعة إلى جانب كل معلم أثري توضح تاريخه وهدف بنائه".
ويقول لـ (نيو ترك بوست) "المكان جميل جدا ومنظم ويعكس اهتمام تركيا بآثارها وراحة سياحها من حيث وجود أماكن للجلوس وضعت داخل مساحات خضراء بها نوافير مياه ومقاهي ومطاعم تتيح الراحة للزائر".
ويضيف "لم نحتج إلى استخدام الموبايل لنتعرف على معالم المكان فكل معلم وضعت على جدرانه لوحة أو إلى جانبه منصة كتب عليها بأكثر من لغة إلى جانب التركية تاريخه وسبب وضعه هنا".
وبنيت مسلة الفرعون المصري تحتمس الثالث حوالي عام 1490 ق.م قام ووضعت أمام معبد الكرنك في مدينة الاقصر.
ثم في القرن الرابع قبل الميلاد قام الامبراطور الروماني ثيوديوس الأول بنقل المسلة إلى القسطنطينية عبر البحر بعد أن كانت نقلت عبر نهر النيل من الأقصر إلى مدينة الإسكندرية المصرية.
ولسنوات عديدة بقيت المسلة مهملة في ميدان سباق الخيل حتى تولى بروكلوس إدارة المدينة ليحولها إلى نصب تذكاري ويرفعها على أربع كتل مقامة على قاعدة بنقوش رومانية ليشاهد منها الإمبراطور والشخصيات البارزة مباريات سباق العربات التي كانت تقام في المكان في العهد البيزنطي قبل فتح القسطنطينية من قبل السلطان محمد الفاتح عام 1453.
ويصل طول المسلة بالقاعدة حوالي 26 متر، ولا تزال جوانبها مصقولة تماما والكتابة عليها في غاية الوضوح رغم آلاف السنوات التي مرت على بنائها.
وليس ببعيد عن مسلة ثيوديوس تقع المسلة المزخرفة ووضعت في المكان كمعلم يوناني يشاهده رواد سباق الخيل.
ووضع في المكان أيضا العمود المبروم (العمود ذو الثعبان ) الذي يعتبر من بقايا ساحة سباق الخيل في العصر اليوناني وقد تم نحته على شكل عمود تلتف حوله ثلاثة ثعابين.
وأقيم العمود المصنوع من البرونز كتذكار لانتصار اليونانيين أمام جيش برس عام 479 قبل الميلاد، وتم وضعه في معبد أبولو في دلفي وعام 324 أمر الإمبراطور قسطنطين بوضعه وسط ميدان سباق الخيول وهو المكان الحالي الذي تحول إلى ميدان السلطان أحمد.