العلاقات التركية الأمركية ...أي مستقبل؟
تشهد العلاقات الثنائية بين تركيا والولايات المتحدة الأمركية توترًا بلغ أشده، فيما تتحرك تركيا في سياستها الخارجية بشكل يرسم ملامح المستقبل في إعادة رسم تحالفاتها من جديد على قاعدة "مصلحتى أولاً" التى جعلت لتركيا شكلاً جديداً ودورًا في كثير من الملفات الإقليمية.
إن الأزمة الناشئة بين تركيا وأمريكا ليست مشكلة على المدى القصير، إنما عبارة عن فترة غير محدودة، بل ويمكن القول إنها جموعة من شبيهات هذه الفترة، إذ تمر أمريكا بفترة أزمات مختلفة مع العديد من الدول الأخرى الحلفاء والأعداء منها، والسبب في ذلك هو أن واشنطن تستمر في الانزلاق نحو الهاوية في ظل قيادة ترمب، وفي هذا السياق إن الفترة المذكورة بين تركيا وأمريكا هي السبب الرئيس أيضاً في جميع المشاكل الثنائية بين الدولتين، وأبرز هذه المشاكل هي أزمة تأشيرة الدخول ومسألة "هالك بنك" وما يخصّ تنظيم الكيان الموازي وحزب الاتحاد الديمقراطي والقضايا المتعلقة بسوريا والعراق.
بداية التصدع
حادث الانقلاب العسكري الفاشل كانت البداية في تصدع دائم وتصعيد مستمر، حتى قررت أمريكا أن تفرض على تركيا عقوبات مضحكة تشمل وزيري العدل والداخلية لعدم الإفراج عن القس الأمريكي المتهم بالتجسس لصالح منظمة غولن، لكن هل هذا هو السبب الحقيقي وراء تلك العقوبات؟ خاصة وأن القس الأمريكي قيد التحقيقات منذ عامين، فلماذا في هذا التوقيت بالذات فرضت أمريكا عقوبات على تركيا.
إقرا أيضاI يلدريم: العقوبات الأمريكية بمثابة إعلان "حرب اقتصادية"
الظغط الأمركي
الأكيد أن الدول تتحرك بشتى الوسائل للحفاظ على مصالحها، فحين شعرت أمريكا بخسارة مصالحها في المنطقة بسبب استقلال القرار السياسي التركي بدأت في التحرك بشكل عملي للضغط على تركيا خاصة مع وجود توجه عدائي في الكونجرس الأمريكي تجاه سياسة الرئيس أردوغان وموقفه من قضية القدس وقيادة الحراك الإسلامي الرافض بتهويدها، ومع زيادة الضغط على الرئيس ترامب قرر أن يطبق هذه العقوبات ظناً منه إنها ستجعل تركيا تتراجع عن سياستها التى أغضبت الولايات المتحدة في الفترة الأخيرة بدءاً من رفضها للعقوبات على إيران وإعلانها عدم الالتزام بها إضافة إلى شراء منظومة إس 400 الروسية التى تم الإعلان عنها منذ عام، التى تزعم أمريكا أنها تشكل تهديداً لمنظومة دفاع حلف الناتو، فقضية القس ما هي إلا ذريعة لفرض عقوبات على تركيا وليست هي العامل الرئيسي وراء تلك العقوبات.
خطوات تركية ثابتة
تتحرك تركيا في سياستها الخارجية بشكل يرسم ملامح المستقبل في إعادة رسم تحالفاتها من جديد الأمر الذي وضع لتركيا شكلاً جديداً ودورًا في كثير من الملفات الإقليمية، خاصةً في سوريا التى حققت فيها كثير من النجاحات السياسية والعسكرية بالتنسيق مع الجانب الروسي، وهذا ما أقلق الولايات المتحدة الأمريكية، فالتقارب الروسي التركي يسحب البساط تدريجياً من تحت الولايات المتحدة من خلال خسارة أهم حليف لها في المنطقة وعضو هام في حلف الناتو، ومن هذه الورقة تلاعب تركيا أمريكا بالتلميح الدائم أن هناك بدائل آخري تصلح لأن تكون شريك سياسى وعسكري في الوقت الحالي بعيداً عن العنجهة الأمريكية التى لم تستوعب حتى الآن التغيرات الجوهرية في السياسة التركية منذ اعتلاء العدالة والتنمية سدّة الحكم، فما زالت تتعامل معها بسياسة التبعيّة التى كانت تتبعها تركيا قديماً، وهذا يعود لضيق الأفق السياسي لصناع القرار الأمريكي.
الاحترام والتكافؤ
إن العلاقات الخارجية بين الدول ضرورية لكن لابد أن تكون قائمة على الاحترام والتكافؤ وعدم التدخل في السياسات الداخلية، بل إن البعض يعتبرها معيارا لقياس مناعة الدول وقوتها، لذلك غيّرت تركيا فلسفة التعامل في علاقاتها الخارجية وهذا ما يتسق مع ميلاد تركيا الجديدة التى تصنع مستقبلها بيدها وتحدد مسار سياستها بما يتفق مع رؤيتها ومصالحها في المنطقة