لماذا تسعى روسيا إلى تحجيم الدور الإيراني في سوريا؟
شهدت سوريا صراعات على النفوذ وتصدر مشهد تلك الخلافات في إدارة مناطق النفوذ، وساهم في اتساع تلك الهوة الاتفاقيات المبرمة حديثا ما بين قوات الاحتلال الروسية والصهيونية، بشكل مباشر في تحجيم الدور الإيراني في سوريا وفي المنطقة الجنوبية بشكل خاص، حيث تم استهداف القوات الإيرانية عدة مرات من قبل قوات التحالف الدولي على الإرهاب وكذلك القوات الإسرائيلية، وفي سابقة من نوعها أقدمت القوات الإسرائيلية على ضرب الميلشيات الإيرانية في العمق السوري وذلك عبر البوارج البحرية بصواريخ كروز.
المنطقة الجنوبية
على الرغم من تراجع حدّة الصراع في محافظة درعا واستتباب الأمن في الجنوب السوري بعد سيطرة نظام الأسد على المنطقة، في شهر يوليو 2018، فإن صراعاً خفياً برز في تلك المنطقة بين الروس من جهة، والإيرانيين ومليشيات حزب الله والقوات السورية التي تتبع للمشروع الإيراني من جهة أخرى، بسبب توسع مناطق نفوذهما. وتمثل هذا الصراع الذي لم يشهد أي مواجهة عسكرية مسلحة كبيرة، بل اقتصر على خلافات تكتيكية في إدارة المنطقة وتقاسم النفوذ مما أدى إلى مصرع العديد من القيادات السورية الفاعلة في المنطقة واتساع نفوذ السلطة الإيرانية، وذلك من خلال بناء قواعد عسكرية في المنطقة.
وفي تصريح للعقيد الركن عبد الله الأسعد المنشق عن نظام الأسد: "روسيا ونظام الأسد وإسرائيل تريد أن تستفيد من وجود بقايا الفصائل التي كانت تعمل في الجبهة الجنوبية كفصائل ثورية تريد أن تستغلها من أجل القضاء على الميليشيات الإيرانية المتواجدة في الجنوب ولتجعلها حديقة آمنة لإسرائيل، لأن روسيا وإسرائيل ونظام الأسد يعلمون بوجود قاعدة إيرانية أصبحت الآن بالإضافة إلى القواعد الأخرى المنتشرة في التلال والجبال والسهول والقطاعات العسكرية في المنطقة الجنوبية، هنالك قاعدة عسكرية كبيرة جدا أصبحت الآن في اللجاة تريد الآن قبل أن ينتهي عمل هذه الفصائل في الجنوب السوري أن تقضي على القوى الإيرانية بالدرجة الأولى ومن ثم التخلص من الفصائل بالاقتتال الداخلي، وهذا الاقتتال لمصلحة إسرائيل بالدرجة الأولى تستفيد منه روسيا والنظام ولأن الأسد لم يبق لديه القدرة العسكرية في كل سوريا ويعتمد على الميليشيات الإيرانية وبعد أن ينتهي التخلص من هذه الميليشيات الإيرانية وستقوم إسرائيل بالتخلص من هذه الأسلحة في وقت لاحق والتي ستمثل حديقة آمنة لإسرائيل، بالإضافة إلى الفصائل التي كانت تعمل في المناطق المحررة من الجيش الحر، وتريد أن تسخر الفصائل التي تنتمي بالولاء إلى روسيا من أجل الضغط على إيران وحلفائها من قوات الأسد وتشكيل قوى عسكرية ضمن قوات الأسد تتبع لروسيا بشكل كبير جداً، وساهم التناحر على بسط السيطرة وتوزيع القوة في الجنوب حيث قام النظام استدراج القيادي السابق في الجيش الحر المدعو "عماد أبو زريق" وطلبت منه أنه يشكل الفيلق السادس وتريد أن يكون ند للفيلق الخامس الذي يقوده أحمد العودة وتبعية الفيلق السادس ستكون لإيران والنظام".
المنطقة الوسطى
محافظة حمص تمثل عقدة خطوط مواصلات اقتصادية وفكرية وتمثل الرئة الوحيد البرية تجاه إيران عبر المنفذ السوري والتي تساهم من خلاله في إنشاء قواعد عسكرية وتجري تدريبات عسكرية للمرتزقة من شتى أصقاع العالم ممن يحسبون على نظام الأسد بالشعب المتجانس حد وصف رأس هرم السلطة. تصريح خاص للقائد العام لحركة تحرير الوطن العقيد الركن فاتح حسون " يعود الصراع بين الطرفين لعدة اعتبارات يمكن اجمالها فيما يلي:
1- مع طفو الحديث عن الحل السياسي وتجفيف العمل العسكري وأدواته والتضييق على إيران من قبل الإدارة الأمريكية لوضع حد لتمددها وهو ما تتوافق روسيا مع أمريكا حرصا منهما على أمن اسرائيل.
2- تسعى روسيا لضبط وحدات جيش النظام استعدادا للمرحلة المقبلة وسحب العناصر السورية من الميليشيات الايرانية ممن طلبوا للخدمة الالزامية.
3- تحتل المنطقة الوسطى أهمية كبيرة لمخططي المشروع الإيراني حيث تعتبر صلة الوصل من إيران إلى العراق فالمنطقة الوسطى وصولا إلى الحدود اللبنانية حيث حاضنة حزب الله ذراع إيران وهذا ما يفسر التدخل المبكر للحزب في سورية تنفيذا لأوامر إيران. وقد بدأت تتجلى مظاهر الصراع الروسي الإيراني في المنطقة الوسطى منذ اعتقال الخائن القائد السابق لما يسمى لواء التوحيد والذي سلم الريف الشمالي في حمص لقوات الاحتلال الروسي وانضم للفيلق الخامس المدعوم روسيا.
وبالعودة إلى الشأن الميداني قامت دورية مدعومة من مليشيات حزب الله وتعرضت للمدعو "صلوح" بالإهانة والضرب علما بأنه محسوب على روسيا في المنطقة الوسطى. ونظرا لأهمية المنطقة الوسطى وخاصة مدينة حمص كصلة وصل بين المحافظات السورية كافة، والتوتر الكبير الحاصل بين المليشيات الروسية والإيرانية الذي اندلع مؤخرا في عدة مناطق مثل ريف حماه الشمالي وحلب ودير الزور، فمن المتوقع جدا حدوث اشتباكات مسلحة بين الطرفين في المنطقة الوسطى، وما هي إلا شرارة واحدة ستكون كفيلة بإشعال هذا الاشتباك العنيف الذي سيودي بحياة المئات من تلك المليشيات.
المنطقة الشمالية
تشهد المنطقة الشمالية خلافات توصف بالحادة مع الميليشيات الإيرانية وساهمت في إحراج قوات الاحتلال الروسية، مما أسهم في سرعة إعطاء الضوء الأخضر بفتح المجال الجوي داخل سوريا لقوات الاحتلال الإسرائيلي لتنفيذ غارات تستـهدف تموضع الميليشيات الإيرانية وحزب الله اللبناني المصنفين إرهابياً وفقا للتصريحات الأمريكية. وفي تصريح خاص للعميد الركن أحمد رحال المنشق عن نظام الأسد: "اليوم أصبحنا على طاولة الحل النهائي وهذه الطاولة لا تتحمل لكثير من الشركاء أي أن اللاعبين محدودين، والطاولة السابقة كانوا بالعشرات بينما في الطاولة النهائية لن يقبل سوى بثلاث، بينما الإيراني لن يكون له دور في الجلوس على طاولة الحل النهائي بينما هو على الأرض هو فاعل وهو قادر على التخريب، ولكنه غير شريك في الحل بإنتاج حل وبالتالي يجب إخراجه من اللعبة ولكن كيف سيتم إخراجه من تلك اللعبة، لا بد من إيجاد تحالفات بين الأطراف المتضادة والمتعاكسة، واليوم هنالك طاولة يجلس عليها الأميركي والروسي والإسرائيلي، ومهمة غرفة العمليات إخراج الإيراني من سوريا، واليوم الإيراني سيخرج ودلالة ذلك عدم تغطية الطيران الروسي للاشتباكات في حلب وكذلك منطقة السخنة في حمص وكلها جزء من اللعبة، وبنك الأهداف أصبح على طاولة غرف العمليات لقوات التحالف الدولي على الإرهاب، وقد تكون هنالك عملية لضربات تتجاوز العشرة آلاف في اليوم الواحد عبر وذلك بمشاركة الطائرات الحربية والدرون، والتعهد الروسي لأميركا بإنهاء الصراع والمتمثل بإيقاف الدعم عن الفصائل وروسيا ستتكفل بالميليشيات الإيرانية وحلفاء النظام، وأميركا وفت بتعهداتها ويبقى التعهد الروسي والمتمثل بإنهاء حلف النظام..".
المنطقة الشرقية
المعلومات الأولية تشير إلى أنه حصل هنالك اتفاق روسي إيراني في سوريا علما بأن روسيا ترفض انتشار إيران دون المرجعية الروسية، حيث تمركز انتشار الميليشيات الإيرانية في محافظة دير الزور وفي ظل الضغوط الدولية وما رافقها من توافقات أدت إلى تحجيم الدور الإيراني في سوريا بشكل عام وفي الدير بشكل خاص، حيث بدأت تلك التفاهمات بالظهور من خلال انسحاب الميليشيات الإيرانية من ريف المحافظة، والظهور العسكري الروسي البارز في إدارة البلدة وانكفاء الدور الإيراني مما دفعهم على التمرد ورفض تلك التوافقات، وبالأخذ بعين الاعتبار بأن القوات الإيرانية تشارك بشكل ميليشيات غير منضبطة حيث أسهم في ضعف الموقف الروسي تجاه حليفهم.
مآلات الصراع
روسيا تخدم مصالحها الاقتصادية وذلك عبر إيجاد ممر آمن لصادراتها النفطية من الغاز المسال عبر الموانئ السورية في البحر المتوسط، وبذات الوقت تبعد الخطر الاقتصادي عنها والمتمثل بوصول الغاز القطري، علما بأن مشروع خط أنابيب الغاز القطري وصل قبالة الحدود الأردنية السورية منذ سنة 2008، والذي قد يسهم في إيصاله إلى دول الاتحاد الأوروبي والاستغناء الكامل عن الغاز الروسي، وبالعودة إلى الدور الإيراني فتسعى من خلال التلاعب بالعواطف الدينية تارة وبمصالح الدفاع المشترك تارة أخرى وذلك عبر تعزيز الحقد بين المكونات السورية لتمرير كافة مشاريعها وبدهاء مطلق، بينما روسيا وإيران يشتد عليهما الخناق يوما بعد يوم وإفلاس النظام السوري اقتصاديا دفعه إلى تأجير ميناء اللاذقية لروسيا وبعقد لقرابة الخمسون سنة وتأجير ميناء طرطوس للجانب الإيراني دون تحديد الفترة الزمنية، والذي يؤكد بأن انهيار النظام السوري اقتصاديا بات وشيكا ويبحث داعميه عن تأمين المستحقات من الصفقات المبرمة مع النظام وبالأخذ بعين الاعتبار بأن خزينة الدولة منهارة بشكل شبه تام وتقتات على المساعدات الدولية من الداعمين وكذلك المساعدات التي تمنح للشعب السوري وليس بمقدورها الإيفاء بتعهداتها مما أجبرهم على تأجير الموانئ البحرية.
مصطفى النعيمي-ناشط وموثق إعلامي
مدونات الجزيرة نت