القصف العنيف يفرغ مساجد إدلب من عمّارها في رمضان
إدلب-نيو ترك بوست
غادر الشاب كامل الحدادين مسرعاً مع عدد من المصلين مسجد الرحمن فور الانتهاء من أداء صلاة الظهر، في استجابة لتحذير المراصد عبر جهاز لاسلكي من قصف جوي محتمل على قرية معرة الصين بريف إدلب الجنوبي.
نجا المصلون من خمس قنابل شديدة الانفجار ألقتها طائرة روسية دفعة واحدة على الحي الغربي في القرية في سادس أيام شهر رمضان المبارك، وتحول المسجد إلى كومة من الركام، بالإضافة إلى دمار هائل في المنازل المجاورة.
وروى كامل تفاصيل استهداف المسجد بقوله لموقع الجزيرة نت "عادة تكون المساجد والمشافي في قائمة الأهداف التي تقصفها الطائرات الروسية، لذلك غادرنا المسجد فور سماعنا تحذير المراصد".
وأضاف الشاب الثلاثيني أن دقيقة واحدة كانت تفصل المصلين في المسجد الوحيد بالقرية عن موت محتّم، وأن سيدة وطفليها فقدوا حياتهم عقب الغارة الروسية، أثناء تواجدهم بالقرب من مسجد الرحمن، واختلطت أشلاؤهم بأوراق المصاحف الممزقة والمتناثرة بين الركام.
وفي باحة الجامع الأثري الكبير بمدينة معرة النعمان، اعتاد الشيخ أحمد العلوان بعد انتهاء كل صلاة إلقاء الدروس الدينية على مئات المصلين، لكن القصف أدى إلى عزوف كثيرين عن ارتياد المسجد رغم حلول شهر رمضان المبارك.
ونقل موقع الجزيرة نت عن الشيخ العلوان قوله إن مساجد محافظة إدلب كانت تغص في شهر رمضان بالمصلين الذين يتوافدون من صلاة الظهر حتى انقضاء التراويح، لكن قصف المساجد والمجازر التي وقعت بحق المصلين أدت إلى عزوف كثيرين.
وأوضح أنه في كل فترة يشتد فيها القصف بالشمال السوري تغلق المساجد أبوابها حرصاً على سلامة المصلين؛ فبعض المساجد في ريفي إدلب الجنوبي وحماة الشمالي لم يرفع فيها الأذان ولم تؤد فيها الصلاة منذ خمس سنوات، وهذا أمر لم يحدث حتى إبان الاستعمار الفرنسي لسوريا، بحسب العلوان.
وأشار الشيخ العلوان إلى أن دعوات العلماء والمشايخ على لسان المجلس الإسلامي السوري ومؤسسات دينية أخرى بضرورة تحييد دور العبادة خلال رمضان على أقل تقدير لم تلق آذانا مصغية عند النظام كما كان متوقعاً، مضيفا أن "قصف المتعبدين الآمنين داخل بيوت الله خطيئة كبرى سيدفع مرتكبها ثمناً باهظاً يوم الوقوف بين يدي المنتقم عزّ وجل".
حملة ممنهجة
من جهة أخرى، اعتبر عبد المنعم الخطيب وهو من سكان مدينة معرة النعمان أن قصف المساجد يأتي ضمن حملة ممنهجة يتبعها النظام منذ بداية الثورة للقضاء على كافة أشكال الحياة في المناطق الخارجة عن سيطرته، داعيا المؤسسات الدينية لإصدار قرار يقضي بإغلاق المساجد في الشمال السوري إلى أن يتوفر الأمن.
وتشاطره السيدة أم خالد الراجي -وهي من أهالي مدينة سراقب- الرأي بضرورة توخي القائمين على شؤون المساجد الحذر في فترات التصعيد العسكري، وتغليب سلامة المصلين ذكوراً وإناثا على إقامة الصلوات جماعة في المساجد.
أثر نفسي
وكانت لاستهداف المساجد وتعمد النظام وحلفائه ارتكاب المجازر فيها ارتدادات نفسية بالغة الخطورة على السوريين، لا سيما الأطفال، بحسب ما قاله رئيس رابطة العلماء السوريين في ولاية غازي عنتاب التركية الشيخ عمار طاووز للجزيرة نت.
وأوضح طاووز أن نسبة من المصلين في الشمال السوري باتوا يخشون ارتياد المساجد وحضور مجالس العلم حتى في فترات الهدوء، بسبب الخوف من هجمات جوية مفاجئة للنظام، أو نتيجة ذكريات مؤلمة لا زالت عالقة في أذهانهم من قصف سابق.
ولفت إلى أن سجل النظام منذ عهد حافظ الأسد حافل باستهداف وتدمير الجوامع والكنائس على حد سواء، متجاهلاً بشكل صارخ كافة القوانين والأعراف الدولية التي تجرّم استهداف دور العبادة خلال الحروب.