لماذا ستصبح تركيا الدولة الأولى في استثمارات العملات المشفرة؟
في الأسبوع الثالث من شهر شباط الفائت قال الرئيس التنفيذي لشركة تيسلا إيلون ماسك "إن العملة المشفرة هي المستقبل. العملة الورقية ستتلاشى قريباً". عندما ذكرتُ قول ماسك أمام الأستاذة الجامعية اللبنانية الأميركية سهاد كحيل سارعتني بالرد "لدى تركيا أزمات تؤهلها كي تكون أول دولة تتعامل رسمياً بالعملة المشفرة".
التشكيك بنبوءة ماسك أمر سخيف. كل شيء يدل على أن العملة الورقية ستصبح من الماضي. تعبرُ في فضاءِ المؤشرات المالية حاليًا، غيومٌ سوداء ضخمة تحوم فوق رأس العملة الورقية لتضع البشرية على عتبة ضربة قاضية للعملة التقليدية مقابل زيادة ثقة الأفراد بالتشفير المالي. وحسب كحيل، المتخصصة في الإعلام الحديث، "الأتراك يتفاعلون كثيراً مع العملة المشفرة"، وقد أدى توجههم إلى اقتناء هذا النوع من المال إلى جعل التجربة التركية الراهنة بمثابة عيّنة "sampler" لما سيكون عليه الواقع المالي في المستقبل.
عين الخبراء على تركيا
حطمت العقوبات الأميركية المفروضة على أنقرة حائط الأمان النقدي الذي كان يتكئ عليه الشعب التركي. الليرة الورقية في بلدهم ليست بخير أبداً، ففي 9 أيار الماضي عادت لتسجل أدنى مستوى لها، ولكن على الضفة الثانية من المداولات سجلت الليرة الافتراضية وبقية النقود المشفرة الاخرى أرقاماً ممتازة. إذ على عكس التجارب التي تحصل في دول اخرى لتعزيز مكانة العملة الورقية وابقائها اعلى من مستوى الثقة الممنوح للعملة الجديدة، تتخذ العملة الجديدة في تركيا مساراً مختلفاً، وهو ما يراقبه الخبراء عن كثب.
يحمل 18 في المئة من الأتراك العملة المشفرة، وينظرون إليها على أنها مستقبلهم وخشبة نجاتهم، وفي الوقت نفسه تؤكد تحليلات المواقع المهتمة بنقل مستجدات العملة الافتراضية بأن تركيا أصبحت موطنًا لأكبر عدد من مالكي العملات المشفرة في أوروبا. لم يكن هذا التحول ليحدث لولا الأزمة المالية التي تحاصرها. ففي عالم التشفير يتفوق الأتراك بمليارات الدولارات على الفرنسيين والهولنديين والبريطانيين، ويتفقون كذلك على الولايات المتحدة الأميركية بحيث لم تتجاوز نسبة حاملي العملة المشفرة فيها الـ8 بالمئة.
تأخذنا الأرقام المتضاربة إلى تصور واقعي عن ثقة ما زالت في مراحل نموها الأولى يبنيها الشعب التركي مع العملة الرقمية. ثمة حاجة لدى سكان اسطنبول والأناضول وأنقرة وغيرهم إلى اعتماد طرق جديدة لحيازة الأموال. فقبل أيام أعلنت شركة "أنطالية للمنازل" الرائدة في مجال العقارات عن قبولها مدفوعات عبر الـ"بتكوين"، ومن غير المستبعد أن تستنسخ العديد من الشركات التركية تجربة "أنطاليا".
ويبدو أن شهر أيار واعدا، فما أن انطلق الأسبوع الأول منه حتى حقق البتكوين ارباحاً مذهلة. لقد تخطى حاجز الستة آلاف دولار ويتوقع محللون أن يصل إلى 7200 دولار بداية عام 2020. هذه التحولات الإيجابية تزامنت مع تأكيد أندي سونغ، مدير العمليات المالية في شركة "Okex" التي تراقب عمل شركات العملات الرقمية على أن تركيا "بلا شك هي الدولة الوحيدة التي تمتلك نسبة عالية من ملكية التشفير المستقلة في أوروبا والشرق الأوسط".
وأضاف "تحوي تركيا واحدة من أكثر المجتمعات الواعدة في مجال التشفير المالي." ووفق سونغ، لا يوجد أي مكان واعد في العالم في مجال العملة المشفرة أكثر من تركيا. تحتل الليرة المشفرة المرتبة الخامسة عالمياً، ومن الأسباب الرئيسية التي أدت إلى ارتفاع معدل التشفير هو التقلب المستمر لليرة الورقية، ما يدفع المزيد من الناس إلى اعتماد العملة المشفرة.
واحد من بين كل خمسة أتراك، يستخدمون العملة المشفرة، ويرجح احصاء أعده المركز الفرنسي "إبسوس" المتخصص بالشأن المالي بأن الرقم سيتضاعف في السنوات المقبلة. ويبين الإحصاء الذي أجراه المركز في 15 دولة أن 51 في المائة من الأتراك يؤمنون بأن قيمة العملة المشفرة سترتفع في السنوات القادمة، وأنهم يتداولون مالياً في مكان آمن، وبحسب المركز نفسه سيستثمر 45 في المائة من الشعب التركي ماله في المداولات المشفرة.
على المرء أن يراقب تركيا جيداً، وأن يولي اهتماماً خاصاً بسلوك الأتراك المالي وهم يصارعون وينفذون انقلاباً أبيضاً على علاقتهم التقليدية مع المال وكيف يرسمون تجربة فريدة من نوعها مع عملة المستقبل. فعلى الرغم من الخضات التي تجتاح أسواق العملة المشفرة، إلا أن الخبراء يجمعون على ان النموذج السائد حالياً في العالم المشفر سيخضع إلى الكثير من التعديلات التي ستحمي المداولات المالية وتجعلها أكثر شفافية وتكسبها المزيد من الحصانة والثبات والثقة. الأتراك إلى هذه اللحظة يصنعون النقلة النوعية "العنيفة" التي تحتاجها البشرية لتضع أول مسمار في نعش العملة الورقية.
حلا نصرالله
صحافية تتابع قضايا التكنولوجيا-مدونات الجزيرة نت