مشروع "مرونة" ... نحو حلول مستدامة للاجئين السوريين في تركيا
غازي عنتاب - نيو ترك بوست
لا شك أن الأعداد الهائلة من اللاجئين السوريين على الأراضي التركية تشكل تحديات كبيرة بالنسبة للبلد المضيف والسكان المحليين، كما تستدعي جهودا واسعة لإدارة تلك الأعداد وتوفير سبل الحياة الكريمة لها، فضلا عن دمجها مع المجتمع المحلي.
وفي هذا الإطار، أطلقت تركيا مشروع "مرونة" في فبراير/شباط 2018، بتمويل من الصندوق الائتماني للاتحاد الأوروبي بميزانية قدرها 50 مليون يورو، ويستهدف المشروع خلق فرص عمل لمئات اللاجئين السوريين في 11 ولاية، والمئات من السكان المحليين.
المشروع تم تنفيذه استجابةً للمشروع الذي ينفذه برنامج الأمم المتحدة الإنمائي حول الأزمة السورية، بالتعاون مع وزارة الصناعة والتكنولوجيا، بهدف وضع خرائط طريق لمختلف القطاعات ومناقشة أساليب جديدة في الصناعة التحويلية.
وحول تفاصيل المشروع قالت سحر الجشي(Seher Alacacı)، مساعدة ممثل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في تركيا، "هدفنا هو خلق المزيد من فرص العمل في 11 ولاية، وتوفير فرص عمل لـ 2000 شخص، 50% منهم سيكونون من السوريين والباقي من المجتمعات المضيفة، في غضون عامين".
وأضافت الجشي في تصريحات لصحيفة "ديلي صباح" التركية، أن البرنامج يستهدف مجموعتين: أولاً السوريين، الذين فروا من ويلات الحرب ولجأوا إلى تركيا، وثانياً المجتمعات والبلديات التي تأثرت بسبب النمو السكاني السريع.
وأضافت "نهدف من هذا المشروع إلى المساهمة في خلق مرونة اقتصادية واجتماعية وثقافية ومؤسسية وفردية لكلتا المجموعتين".
ويمكن تصنيف أهداف المشروع ونطاقاته إلى ثلاثة مجالات رئيسية تتعلق بالتدريب المهني والتقني، ودورات اللغة التركية لـ 52.000 سوري، وتحسين الخدمات البلدية لأكثر من 307.000 أشخاص.
وأكدت أنه في نطاق هذا المشروع، سيتم تدريب السوريين والمجتمعات المضيفة على تنظيم المشاريع، وأنشطة مختلفة تهدف إلى زيادة الوعي حول قضايا مثل خدمات التوظيف، ودعم مشاركة المرأة في سوق العمل على مدار السنة.
وقالت الجشي إن التدريب اللغوي هو عنصر هام آخر في المشروع، لأنه يزيل واحداً من أكبر الحواجز التي تواجه السوريين في عالم الأعمال، ويساعدهم في الحصول على عمل رسمي.
كما أعلنت أن مراكز الكفاءة والتحويل الرقمي في كل من إزمير ومرسين وغازي عنتاب -حيث يقيم عدد كبير من السوريين- ستبدأ العمل هذا العام، مما يساعد على رفع مستوى الوعي حول ما يسمى بـ"الثورة الصناعية الرابعة" والتحول الرقمي، وذلك من خلال التدريب النظري والعملي للشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم، و تقديم الخدمات الاستشارية للشركات لتحقيق التصنيع الممنهج. وأضافت أن هذه المراكز سترفد المشروع الرئيسي، وستوفر ما يقدر بنحو 75.000 فرصة عمل.
وأضافت "سيتم إنشاء هذه المراكز لزيادة إنتاجية الشركات، وتوفير الدعم الفني اللازم لإنتاج منتجات ذات قيمة مضافة عالية، ودعم إمكاناتها في خلق وظائف جديدة".
وسيتم تقديم الخدمات الاستشارات والتوجيه مجاناً لخمس شركات أو أصحاب أعمال ضمن أربعة قطاعات، هي الآلات والمعادن، والكيماويات والبلاستيك، والأغذية، والمنسوجات. وعند انتهاء التدريب سيكون بمقدور الشركات المختارة أن تطور استراتيجيات العمل، وأن تدخل الاسواق العالمية، وتحقق إنتاجاً أكثر كفاءة، كما سيكون لديها أساسيات الابتكار والإبداع.
وأشارت الجشي إلى أن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في تركيا، يقدم أيضاً الدعم التقني لوزارة الصناعة والتكنولوجيا لمساعدة منطقة "بولاتيلي شاهين بيه" الصناعية المخطط إنشاؤها، على جذب المستثمرين المحليين والدوليين وإنتاج منتجات ذات قيمة مضافة عالية.
وأوضحت أن التقييمات والتقارير سيتم إعدادها رسمياً بعد انتهاء المشروع. وستترجم النتائج إلى خرائط طرق لكل القطاعات المستهدفة. وسيساعد ذلك الحكومة التركية والمنظمات الدولية على تقييم القطاعات والمجالات التي يمكن أن تستفيد بشكل أفضل من توظيف السكان السوريين وتصنيف مهاراتهم، لتوجيههم في الاتجاه الصحيح في عالم الأعمال.
وتابعت قائلة "علينا أن نستخدم هذا المورد البشري بفعالية، لتقديم إسهامات إيجابية في الاقتصاد التركي. لهذا السبب في كل المشاريع والأنشطة التي نقوم بها، يكون السوريون والمجتمعات المضيفة هم الشريحة المستهدفة، كي يتمكنا معاً من تحقيق التناغم والتماسك الاجتماعي"، مضيفةً أنه بهذه الطريقة، ستساعد الأموال المخصصة للسوريين أيضاً، في نمو الاقتصاد المحلي والبلديات والمجتمع المضيف.
ولفتت "الجشي" إلى أن هذه الاستراتيجية ستساعد أيضاً في تجنب التوترات المحتمل نشوؤها بين الشعبين حول قضايا مثل التوظيف، مضيفة "حيثما توجد اختلافات ثقافية أو اختلافات في ثقافة العمل أو الثقافة الأسرية، سيكون هناك صراع. نحاول خلق بيئة عمل يمكن من خلالها للمجتمع السكاني أن ينمو، ضمن ثقافة مشتركة تتجاوز الاختلافات".
وفي معرض التأكيد على حصولهم على العديد من التطبيقات لتنفيذ مشاريع لمساعدة السوريين، قالت "الجشي" إنهم يبحثون عن أفكار ومشاريع مستدامة وطويلة الأجل تستند إلى شراكات تتماشى مع الأهداف والأولويات الإنمائية لتركيا.
وحول دعم المشروع مالياً عبرت "الجشي" عن خيبة أمل، إزاء حجم التمويل الذي تلقوه من المتبرعين، لأنه لا يزال غير كافٍ، وتابعت "بعض المتبرعين يريدون نتائج فورية، لذلك يتبرعون تجاه المساعدات الإنسانية الطارئة، لكننا نحاول من خلال هذا المشروع الوصول إلى خطة تنمية طويلة الأجل، ونقل هذه الاستراتيجية إلى جدول الأعمال الوطني والدولي".
وأكدت "الجشي" أن العقبة الأكبر هي الافتقار إلى آليات التنسيق على المستوى الوطني والمحلي، كما أن اللاجئين السوريين ليسوا متجانسين وأن احتياجاتهم متنوعة.
وأردفت قائلة "لا يمكننا القول إن هذه هي بالضبط احتياجات جميع السوريين، لأن كل مجموعة فرعية لها احتياجات مختلفة، وهذه المشكلة وحدها تخلق عدم التماسك الاجتماعي". وأشارت إلى أن الحلول التي تركز على مجال معين، أو قطاع معين في هذه الحالة، حققت نتائج أفضل وأكثر إنتاجية.
كما أبرزت "الجشي" الحاجة إلى سياسات تراعي المجتمع المضيف المحلي أيضاً، قائلةً: "النموذج الذي نتوقعه من أجل إزمير لا يتناسب مع غازي عنتاب، وقد لا يكون النموذج الموجود في غازي عنتاب هو الأفضل لولاية كهرمان مرعش".
وباعتباره المنظمة الدولية الأطول خدمة في تركيا، فقد أراد برنامج الأمم المتحدة الإنمائي إجراء تقييم للنتائج في نهاية المشروع وفي السنوات التالية، بهدف رؤية التغيرات الاجتماعية والاقتصادية في المنطقة.
من جانبه قال "عدنان أونفيردي" رئيس غرفة الصناعة في غازي عنتاب، إنه من خلال 7 مليارات دولار من الصادرات في عام 2018 و 3.6 مليار دولار من قيمتها في الأشهر الستة الأولى من عام 2019، ينبغي أن تلعب غازي عنتاب دوراً أكبر في رؤية تركيا المستقبلية، بسبب بنيتها التحتية الصناعية ومجموعة القطاعات المتنوعة وإمكانات القوى العاملة، وموقعها الجغرافي السياسي.
وأكد أن غازي عنتاب، باعتبارها بوابة طريق الحرير التاريخي إلى الأناضول، تواصل دعم الاقتصاد الوطني بفضل المشاريع الريادية ومستويات الإنتاجية العالية.
وأوضح أنه بعد تخديم المنطقة الصناعية المنظمة في "ولاتلي شاهين بيه" المخطط لها، بطريق سريع يضم نفق "حسا دورت يول" ليصلها بميناء اسكندرون، ستقصر المسافة بينها وبين الميناء لتصبح 87 كم فقط، مما يمهد الطريق إلى أن تصبح غازي عنتاب مركزاً تجارياً دولياً يربط بين آسيا وأوروبا".
وشدد على أن انتهاء الأزمة في سوريا سيمهد لظهور استثمارات كبيرة في هذه المنطقة، قائلاً: "أولئك الذين يستثمرون في هذه المنطقة اليوم سيكونون الفائزين في الغد".
وأضاف "بالرغم من الصعوبات التي نواجهها في المنطقة، تستمر صادراتنا من غازي عنتاب إلى سوريا في الازدياد يوماً بعد يوم. نود بالطبع زيادة حجم أعمالنا، ولتحقيق ذلك، نعمل على تعزيز صناعة مدينتنا وزيادة القوة الوظيفية لدينا. وكجزء من هذا الهدف، نأمل أن نساهم في ورش العمل التي تهدف لوضع خرائط طرق قطاعية وكذلك في المؤتمرات التي تدعم الأساليب الجديدة في التصنيع. نعتبر أن كل خطوة أو مشروع يدعم تطوير صناعتنا، ذو قيمة كبيرة".
ووفقاً لـ"أونفيردي"، فإن رجال الأعمال السوريين من خلال الدخول في شراكات جديدة مع نظرائهم الأتراك وتطوير فعالياتهم في غازي عنتاب، لن يخلقوا فرص عمل جديدة للسوريين فقط، بل سيساعدون أيضاً في إعادة بناء بلدهم الذي مزقته الحرب.
وصرح "مصطفى كمال أكغول"، رئيس قسم الإنتاج بالإدارة العامة للصناعة والإنتاج بوزارة الصناعة والتكنولوجيا، أنه ضمن نطاق البرنامج، قامت المصانع النموذجية في كل من غازي عنتاب وأضنة ومرسين وإزمير، بتسريع جهودهم لفتح مراكز الكفاءة التي تحدد مهارات الأداء.
وأكد أن مركز التخطيط والتحويل الرقمي في غازي عنتاب سيتم افتتاحه خلال شهر ديسمبر.
وأضاف: "كجزء من هدفنا المتمثل في توفير 2000 فرصة عمل، تم حتى الآن توفير التدريب لحوالي 1000 شخص"، مكرراً أهمية تعزيز الصناعة وكذلك الحفاظ على الوظائف الحالية. وأوضح قائلاً: "استفاد من هذه التدريبات قرابة 650 شخص من رجال الأعمال في كل قطاع".
يشار إلى أن عدد السوريين في تركيا زاد من 14 الف و237 في 2011 إلى 3.6 مليون في 2019، من إجمالي 4.9 مليون أجنبي، حسب بيانات دائرة الهجرة التركية.