علّامة سوري: السلطان عبد الحميد الثاني قدّم للإسلام خدمات كبرى
إسطنبول - نيو ترك بوست
أكد العلّامة السوري محمد أبو الهدى اليعقوبي، أحد أبرز المشايخ الصوفية والعلماء المسلمين في العالم، أن السلطان العثماني عبد الحميد الثاني، قدم للإسلام خدمات كبرى، رغم التحديات والأوقات العصيبة التي كانت تمر بها الدولة العثمانية.
وقال اليعقوبي، إن "السلطان عبد الحميد الثاني (1842-1918) كان رجلا عظيما، قدم للإسلام خدمات كبرى، وجاء في وقت عصيب واجهته الدولة العثمانية، وقد واجه تحديات كبيرة لكنه استطاع لأكثر من ثلاثين عاما الحفاظ على بنيان الدولة".
وأضاف في مقابلة مع وكالة "الأناضول" التركية، أن "خدمات هذا السلطان للإسلام تجاوزت حدود الدولة التركية المعاصرة، وتجاوزت بآثارها حدود الدولة العثمانية التي كانت في ذلك الوقت. ولقد كان ينظر بعيدا إلى ما بعد زمانه بمائة أو مائتي عام".
وأشار إلى أن أعظم إنجازاته كانت طبعة صحيح البخاري التي تسمى بالطبعة السلطانية، قائلا "حتى ذلك الوقت، لم تكن هناك طبعة صحيحة متقنة لصحيح البخاري، وعبد الحميد الثاني رأى بثاقب نظره أن صحيح البخاري أهم كتاب بعد كتاب الله عز وجل".
وتابع "وجه السلطان عبدالحميد التعليمات لإنجاز هذا الأمر، وكلّف شيخ الأزهر بتحويل المشروع من المطابع التركية إلى المصرية، وشكلت لجنة في مصر من 16 عشر عالما على رأسها شيخ الأزهر حينها، قاموا بتصحيح النسخة ومقابلتها ومراجعتها استنادا لنسخة كانت عنده في مكتبته الخاصة، وهي النسخة اليونينية".
وأردف "ثم طُلبت نسخة أخرى مشهورة لعبد الله بن سالم البصري؛ والأخير إمام ومن كبار المحدثين في مكة توفي عام 1134، وكان له أيضا أصل عظيم مهم جدا خدم الصحيح لـ20 عاما، وهو يقابل نسخته ويراجعها".
بعد ذلك تم جلب تلك النسخة أيضا ونشرت طبعة جديدة تعتمد على النسخة اليونينية ونسخة عبد الله بن سالم البصري، وضعت فيها كافة الفروقات بين النسخ، وكافة الرموز التي وضعها الإمام اليونيني للإشارة إلى كل الاختلافات في نسخ صحيح البخاري.
وحسب العلامة السوري، فإن الطبعة السلطانية لصحيح البخاري تعتبر أصح النسخ حتى اليوم بعد مرور 130 عاما، وتتحدى بجودتها المطابع العصرية إلى هذا الوقت.
وحول مسيرته مع التصوف، قال اليعقوبي، إنها "بدأت من خلال صحبتي لشيخي وأستاذي وهو والدي، لذلك نشأت في مجالس الذكر، ومنذ نشأتي الأولى، وجدت نفسي محاطا بأهل الأدب والأخلاق العالية، أهل الصفاء والصدق والإخلاص والمحبة، وعلى رأسهم والدي رحمه الله تعالى الذي كان علاّمة كبيرا في علوم الشريعة الإسلامية، وكان أحد من يشار إليهم بالبنان من أولياء الله تبارك وتعالى في دمشق".
وأضاف "كنت أدرّس في دمشق (سوريا)، في جامع درويش باشا وهو أحد المساجد العثمانية الشهيرة بالمدينة، وكان والدي من قبل مدرسا فيه، وكنت أخطب في جامع الطاوسية".
وما بين عامي 1991 إلى 1996، عمل اليعقوبي على نشر العلوم الشرعية وعملت بالدعوة في السويد، لينطلق بعدها إلى عدد من الدول بإفريقيا الجنوبية، والشرق الأقصى، وبعض الدول الأوروبية الأخرى.
وتوجه العلّامة السوري عام 1997 إلى الدعوة إلى الله وتعليم العلوم الشرعية في بلاد الغرب؛ الولايات المتحدة الأمريكية أولا ثم في بريطانيا ثانيا.
وفيما يتعلق بحال الدين الإسلامي في عصرنا الحالي، أوضح اليعقوبي أن "الإسلام تعرّض للتحريف على أيدي المسلمين، ومعظم المسلمين الذين انتقلوا إلى بلاد الغرب من الجيل الجديد الذي نشأ هناك، لا يدركون الصواب من الخطأ في الدين، وخصوصا عند تلقيهم معلومات خاطئة عن الإسلام، ما يسبب انحرافا في السلوك أحيانا".
وأضاف "حاولنا إعادة الناس إلى الجد الوسط، لأن الدين وسط كما أخبر الله سبحانه وتعالى عن الأمة الإسلامية، والنبي عليه الصلاة والسلام نهى عن التشدد في الدين، ونهى عن التنطع والغلو أيضا".
وشدد على أنه "لا يجوز لنا باسم دعوات التجديد والحداثة أن نخرج من الإسلام خطوة خطوة من خلال إباحة المحرمات، فالناس بحاجة إلى العلوم الشريعة، وهذا ما حملني على التوجه إلى الغرب للدعوة إلى الله، والدعوة كما تعلمون لا يمكن أن تبنى إلا على علم".
يقول اليعقوبي أيضا إن دروس الحديث النبوي الشريف تعد مجالس مباركة بدأت منذ قرون طويلة، وتمثل سُنّة متبعة لدى العلماء لرواية الحديث النبوي الشريف، وتنقله بالسماع من الشيوخ.
وبالنسبة له، فإن مجالس تدريس الحديث تسمى "مجالس السماع"، لأن الأصل فيها هو السماع من الشيخ، و"هذا التقليد كاد أن يندثر في العالم الإسلامي مع طغيان الدراسات الجامعية، لذلك نحاول قدر المستطاع إحياء هذه التقاليد".
ويتطرق اليعقوبي إلى كتابه "المدخل إلى صحيح البخاري"، معتبرا أنه أول كتاب يصدر ليكون مفتاحاً لـ"صحيح البخاري"، حيث يحتاج إليه الدارس ويستفيد منه.
ويعلن العلاّمة أنه سيقدم دورة في تدريس الحديث في جامع السلطانة مهرماه بإسطنبول، دون تحديد موعد دقيق، كما قدم شكره للحكومة التركية، للتسهيلات التي تقدمها للمسافرين والسياح ولطلبة العلم.
ويشير أن "هذه الدروس هي مؤتمر عالمي، ونحن دعونا إليها من خلال إعلانات بسيطة، ولكن رغبة الناس في طلب العلم حملتهم على المشاركة، ولدينا أكثر من ألفين من الطلبة والعلماء والأئمة والخطباء والمدرسين ممن سيأتون من نحو 50 من البلدان الإسلامية وغير الإسلامية للمشاركة، ثلثهم من النساء".
وينبّه إلى وجود "صحوة جديدة في العالم الإسلامي"، معتبرا أن "الصحوة التي بدأت في الثمانينات كانت مزيفة مبنية على الغضب الذي ينتج عنه رد فعل غير منضبط لا يمكن أن يثمر وأن ينتج نتائج طيبة، ووصلت بنا إلى (تنظيمي) القاعدة وداعش وما نراه. نحن الآن نشهد صحوة جديدة مبنية على العلم".
وتطرق العلّامة الإسلامي إلى الملف السوري، مفتتحا حديثه حوله بالدعاء بالفرج لأهل سوريا، وناشد القوى الدولية الكبرى للعمل على وقف القتال وحماية المدنيين وإيجاد حل سياسي للأزمة السورية.
واعتبر اليعقوبي أن "الحلول العسكرية تؤدي إلى المزيد من الضحايا، لذلك لا بد من أن نجد حلا يكفل للشعب السوري الأمن والأمان، من خلال وقف القتال أولا، ثانيا العودة للاجئين إلى بلادهم بشكل آمن".
وأضاف "كل سوري يتمنى العودة، لكن هل يرجع تحت القصف؟! لا يمكن أن يعود وهو مهدد بالسجن من قبل النظام؟! لا يمكن. فلا بد من ايجاد حل سياسي للأزمة السورية يقوم على انتخابات جديدة، وتغيير نظام الحكم ربما بشكل تدريجي حتى نصل إلى وضع يمكن للملايين الذين غادروا سوريا أن يأمنوا على أنفسهم عند العودة".