شُبان غزة بإسطنبول.. إبحثوا عن عمل في الوطن ولا تأتوا

شُبان غزة بإسطنبول.. إبحثوا عن عمل في الوطن ولا تأتوا
شُبان غزة بإسطنبول.. إبحثوا عن عمل في الوطن ولا تأتوا

تقرير: شُبان غزة بإسطنبول.. إبحثوا عن عمل في الوطن ولا تأتوا

يسعى مئات الشُبان الفلسطينين المغتربيين في بلاد الأناضول جاهدًا للحصول على فرصة عمل تمكنهم من الحصول على أبسط مقومات الحياة.

وما أن يصل هؤلاء الشُبان وغالبيتهم من قطاع غزة من مدينة إسطنبول التركية ذات الطابع الأوربي معيشيًا، يبدأ هؤلاء الشُبان بتجديد أحلامهم وطموحاتهم التي واشكت على التلاشي في بلادهم، على أمل أن تحقيقها.   

وبعد مرور أشهر من الحياة في الغربة يصتدم الشاب الغزي من جديد بواقع الحياة هنا، حيث يشعر بشح فرص العمل، لاسيما وأن تركيا تعد من أكبر الدول التي تستضيف لاجئيين من جميع الدول العربية.

واقع إسطنبول هذا، دفع الشُبان الفلسطينيين لاسيما  الغزيين بالتفكير بطرق عدة لمواجهة واقعهم في إسطنبول.

وأول الحلول المقترحه بين هؤلاء الشُبان للخروج من أزمتهم الجديدة هي الهجرة إلى أوروبا بطريق غير شرعي، وثاني هذه الحلول هو الحصول على فرصة عمل براتب بسيط يمكنهم من العيش فقط ودفع مستلزماته اليومية، وآخرها وهو المكروه لديهم وهو العودة إلى الوطن.  

هذه الأوضاع دفعت الشاب الفلسطيني إبراهيم السيد (27 عامًا) للموافقة على العمل بأحد المطاعم العربية، رغم أن راتبه لا يساعده في الحصول على حياة كريمة.

ويتحدث السيد لـ"نيوترك بوست" وهو يحمّل في يده اليسرى ثلاثة أطباق وفي يده اليمنى طبقين من المأكولات التركية ليقدمها لإحدى العائلات العربية بأحد المطاعم في مدينة إسطنبول، ويقول إن: سبب عمله هنا هو عدم رغبته بالعودة إلى قطاع غزة.

ورغم صعبة الحياة في إسطنبول إلا أن السيد يعتبر أن العودة إلى مكان مثل القطاع لا يختلف كثيرًا عن العيش في إسطنبول بدون مال.

ويتحرك السيد وبيديه الأطباق برشاقة وبطريقة احترافيه بين طاولات الزبائن لتقديم طلباتهم ونيل رضاهم من المطعم العربي الذي يعمل به في منطقة الفاتح وسط مدينة إسطنبول.

ووصل السيد إلى مدينة التركية مع بداية تساقط الثلوج منتصف فصل الشتاء الماضي، مليئًا بالطاقة والحوية ومتفتحًا لحياة جديدة بعيدًا عن المشاكل السياسة والاقتصادية والأمنية التي عاشها في غزة.

والسيد الذي انهى دراسته من جامعة الأزهر في مدينة غزة من قسم المحاسبة، سعى جاهدًا للحصول على فرصة عمل في إحدى الشركات العربية المنتشرة في تركيا، ولكنه أمضى ما يزيد عن 6 شهور ولمن يتمكن من ذلك بعد فوافق على العمل كـ"جرسون" بأحد المطاعم العربية.

ويقول السيد لـ"نيوترك بوست": عندما قررت الانتقال إلى تركيا والخروج من غزة، لم أتوقع أن تكون المنافسة بهذه القوة بين الأيدي العاملة لاسيما الطبقة المتعلمة من الشباب العربي.

وفرضت تركيا مع بداية هذا العام بعض القوانين، التي صعبت كثيرًا حصول الفلسطيني والعربي على فرصة عمل في إسطنبول.

وتشترط تركيا على أصحاب الشركات  ورجال الأعمال توظيف 5 مواطنين أتراك مقابل كل عامل عربي باستنثاء السوري.

وبدأت أحلام السيد تتلاشي من جديد ويسيطر عليه الإحباط، بعدما شعر بأن أحلامه بالعمل كمحاسب بإحدى الشركات في إسطنبول انحسرت بين جدران المطعم وأريكاته.

واخطأ السيد نفسه كثيرًا لأنه اعتقد قُبيل انتقاله إلى إسطنبول أن الفلسطيني وتحديدًا ابن قطاع غزة، يمكن أن يجد عمل بسهولة لتضامن الأتراك مع القضية الفلسطينية ولكن هذا ما لم يكن على أرض الواقع.

وصُدم السيد بحجم الجهل التام بقضية بلاده لدى المواطنين الأتراك، وعدم معرفتهم بمكان قطاع غزة على خريطة العالم.

ويعتقد غالبية الأتراك أن الإسرائيليين يعيشون مع الفلسطينين سويًا وأن الشباب الفلسطيني مازال يقاتل الإسرائيلي بالحجارة، فيما يعتبر البعض الآخر أن الفلسطينين ليسوا عربًا.

هذه الأحداث والمفاجأت غيرت في مجريات حياة السيد في إسطنبول حيث دفعته لمطاردة لقمة العيش وليس أحلامه فقط.

يذكر أن نسبة الفقر في قطاع غزة ارتفعت العام الماضي إلى 53%، فيما تخطت معدلات البطالة الـ80%، وفق بيانات المركز الفلسطيني للإحصاء (حكومي)، واللجنة الشعبية لرفع الحصار عن قطاع غزة (غير حكومية).

ووجه السيد رسالة لجميع شبان غزة الذي يفكرون جديًا بالانتقال إلى مدينة إسطنبول قائلًا: لا تنتقل إلى تركيا قبل حصولك على عمل وأنت في غزة. مؤكدًا أن فكرة الحصول على عمل وأنت هنا صعبة جدًا، وكونك شاب فلسطيني لن يساعدك في ذلك.

وحياة السيد لا تختلف كثيرًا عن حياة مؤمن عبد الكريم، من حيث الصعوبات والمفاجئات التي واجهوها هنا في إسطنبول بعد انتقالهم إلى غزة.

ويسرد عبدالكريم تفاصيل أيام وصوله الأولى لإسطنبول، بالقول: كنت سعيد بتغير أجواء قطاع غزة وحركة المواطنين السريعة والحياة المليئة بالإنشغال، كنت أشعر أن لي مكان هنا وأن هذه الدول التي يجب أن يعيش فيها كل فلسطيني في قطاع غزة.

ويضيف الشاب الذي يبلغ من العمر( 25 عامًا)، بعد خمسة شهور من البحث عن فرصة عمل في جميع المجالات قررت التفكير بجدية في الهجرة غير الشرعية إلى الجزر اليونانية، للوصول إلى أوروبا.

واعتبر عبدالكريم أن الانتقال إلى تركيا بدون أهداف سيدخل المغترب بمزيد من المشاكل في عالم رأس مالي حاد، وسيدفعه لأفعال ربما لا يُحمد عقباها.

ويعمل الشاب عبدالكريم في مصنع ملابس في منطقة زيتون برنو منذ ما يزيد عن شهرين لتحصيل بعض المال من أجل دفعهم إلى لأحد المهربين والانتقال بعد ذلك إلى أوروبا.

ويخضع قطاع غزة لحصار خانق فرضته إسرائيل منذ سيطرة حركة حماس عليه في صيف 2007، ويشتمل على منع أو تقنين دخول المحروقات ومواد البناء والكثير من السلع الأساسية، ومنع الصيد في عمق البحر.

وقد نتج عن الحصار الطويل الخانق تعطل جميع المصانع وزيادة نسبة البطالة لتتجاوز 80% وتصبح أعلى نسبة بطالة في العالم، إضافة إلى النقص الحاد في الأدوية والمواد الطبية كافة.

وتلقى الشاب الغزي خلال حديثه مع "نيوترك بوست" اتصالًا هاتفيًا مع والدته في قطاع غزة، وبدأ يخبرها بأن الأمور هنا تحت سيطرته وأنه لا يفكر نهائيًا في العودة إلى القطاع.

وعن سؤالنا لماذا يضلل الحقيقة عن والدته، برر ذلك بالقول جميع الشبان في تركيا يضللون أهاليهم هنا، ولا يخبروهم الحقيقة، حتى لا يطلبون منعهم العودة إلى الحصار من جديد وأنا مثل باقي هؤلاء الشباب لا أفكر نهائيًا بالعودة إلى القطاع وهذا ما يجبرني لتضليل أهلي والبقاء هنا.

وشهد قطاع غزة ثلاثة حروب طاحنة تسبب في تدمير كامل للبنية التحتية وإغلاق العديد من المصانع التي كانت تضم المئات من المواطنين والشبان.

 

مشاركة على: