الفلسطينيون يُحيون الذكرى الـ15 لإستشهاد "ياسر عرفات"
يحيي الفلسطينيون في الوطن والشتات، اليوم الإثنين، الذكرى الـ15 لرحيل الزعيم ياسر عرفات، الذي توفي في 11 نوفمبر/ تشرين الثاني من العام 2004.
ويتذكر الفلسطينيون زعيمهم الراحل، الذي يعد الأب الروحي للقضية الفلسطينية، ويطلق عليه الفلسطينيون، وأنصار حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) التي تزعمها لسنوات طويلة بـ "القائد المؤسس" بإقامة الفعاليات الثقافية المختلفة ووضع أكاليل الزهور على ضريح الراحل ياسر عرفات في مدينة رام الله.
وعن حياة الرئيس الرحل تحدث موسى الوزير، مدير مؤسسة "ياسر عرفات" بغزة للأناضول وقال حياته كانت بسيطة جدا ومتواضعة وبعيدة عن مظاهر الترف ، وهذا ما يوحي به منزله الذي عاش به منذ 1995 وحتّى 2001.
وبين أن المنزل المملوك لصندق الاستثمار الفلسطيني (مؤسسة اقتصادية رسمية)، الذي كان الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، يقطن به غربي قطاع غزة، يحتفظ بملامحه المتواضعة والبعيدة عن مظاهر الترف.
وقال الوزير :" رفض الرئيس الراحل، الملقّب بـ"الختيار" والمُكنّى بـ"أبو عمار"، عام 1995 أن يتم تسجيل هذا "العقار" باسمه الشخصي، فقد قال آنذاك إنه "ملكٌ عام، وليس خاص
وتهتم مؤسسة "ياسر عرفات" بالحفاظ على مقتنيات الرئيس الراحل، وإحياء ذكرى وفاته التي توافق الحادي عشر من نوفمبر/ تشرين ثاني من كل عام.
وأشار إلى أن الرئيس الراحل لم يكن يعيش كافة تفاصيل حياته في هذا المنزل وانما كان يتردد إليه أوقات الليل.
وأوضح مدير مؤسسة ياسر عرفات أن أثاث المنزل يدلل على الحياة التي كان يعيشها الراحل كما هي ملابسه التي تقاربت ألوانها "الحكيمة" من بعضها البعض، فهي لم تحمل علامات تجارية (ماركات) عالمية، فقد كانت "شعبية" توحي بشيء من البساطة.
وقال الوزير: "هذه الملابس البسيطة الشعبية يمكن لأي فلسطيني أن يحصل على ملابس مشابهة لها آنذاك، فهي غير مرتفعة السعر".
ستائر خفيفة بـ"نقوشات" ناعمة جدا كانت تزيّن جدران تلك الغرفة، وتُخفي خلفها نوافذا زجاجية، شكّلت في يوم من الأيام تهديدا حقيقيّا لحياة "الختيار".
** رفض إجراءات الحماية
ولفت الوزير أن الراحل ياسر عرفات رفض إضافة أي معدات تساهم في حمايته من أي أذى.
سواتر ترابية (أكياس مُعبّأة بالتراب)، هي أبرز وسائل الأمن التي وافق الرئيس الراحل على استخدامها لحماية نفسه من الإصابة جرّاء الاستهدافات الإسرائيلية.
وتحدث الوزير عن وجبات الغذاء والعشاء، فقد كان الرئيس الراحل يتناولها داخل غرفة مكتبه، الذي كان في مقرّ "المنتدى"، غربي غزة، آنذاك.
وقال الوزير:" لم يكن يجلس في المنزل لساعات طويلة، كان مشغولا بتطورات القضية ولم يهتم بالأمور الحياتية والمظاهر".
ما يميز المنزل عشرات الأوسمة والدروع التكريمية والهدايا الرمزية التذكارية كالخناجر والمنحوتات الخشبية التي نّقشت بداخلها خريطة فلسطين وقبة الصخرة، والتي قدّمت يوما ما للرئيس الراحل "عرفات" وفقاً للوزير.
وأشار إلى أن هذه التذكاريّات المعروضة في مكان خاص، لم تُرفق بمعلومات تعريفية توضح ظروف تقديمها للرئيس الراحل.
وأرجع ذلك إلى صعوبة الحصول على المعلومات حولها، بسبب مغادرة الرئيس القطاع عام 2001 متوجها لمدينة رام الله، ومن ثم وفاته بعد مرور نحو 3 أعوام، وما تلاها من أحداث الانقسام الصعبة.
وقال الوزير :"فقد منزل "أبو عمار" بعضا من مقتنياته إبان أحداث الانقسام عام 2007، فيما تتواجد المقتنيات الأبرز في متحفه المُقام بمدينة رام الله، بالضفة الغربية، كما يتواجد جزء منها بالقاهرة.
** مؤسسة لإحياء الذكرى
وأنشأت مؤسسة "ياسر عرفات"، بعد وفاة "أبو عمار" لإحياء ذكرى استشهاده.
وأوضح الوزير أن مؤسسته تهدف لـ"الحفاظ على مقتنيات والإرث الوطني للرئيس الراحل".
وتدشّن المؤسسة جائزة سنوية تحت اسم "جائزة ياسر عرفات للإبداع والتميّز"، يتقدم إليها مؤسسات وجهات رسمية وغير رسمية، وأفراد والقطاع الخاص.
كما تسعى المؤسسة، وفق الوزير، لبث الروح الثقافية والوطنية في الجيل الناشئ، من خلال تنظيم مسابقات مدرسية ثقافية.
**بداية عرفات
ولد "عرفات" في القدس في 4 آب/ أغسطس عام 1929، واسمه بالكامل "محمد ياسر" عبد الرؤوف داوود سليمان عرفات القدوة الحسيني.
وبدأت مسيرة عرفات السياسية بانتخابه، عام 1952، رئيسا لاتحاد الطلاب الفلسطينيين في العاصمة المصرية القاهرة.
وأسس مع رفاق له حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح)، في أكتوبر/ تشرين الأول 1959.
وأعلن رسميا عن انطلاق الحركة، مطلع يناير/ تشرين الثاني 1965، غداة تنفيذ أول عمليات الحركة المسلحة، حين فجر عناصر منها نفق "عَيْلَبون" داخل إسرائيل، ما أصاب جنديين إسرائيليين.
واجه عرفات صعوبة في العمل المسلح داخل الضفة الغربية عقب هزيمة الجيوش العربية، عام 1967، واحتلال إسرائيل للضفة الغربية وقطاع غزة.
وبموافقة الأردن، بدأ تأسيس قواعد لحركة "فتح" على خطوط التماس المواجهة للضفة، وأقام معسكرات تدريب ومقر قيادة في قرية الكرامة بمنطقة غور الأردن.
وفي 1968، هاجم الجيش الإسرائيلي قوات "فتح" في "الكرامة"، وتصدى عرفات وقواته، المدعومة من مدفعية القوات الأردنية، للهجوم، ما أجبر القوات الإسرائيلية على الانسحاب.
وشكلت "معركة الكرامة" تحولا في حياة عرفات، حيث أعلن انتصار المقاومة ومحو عار هزيمة 1967.
وبرز نجم عرفات، عقب انتخابه في 3 فبراير/ شباط 1969، رئيسا للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية.
وأصبح القائد الأعلى لمنظمة التحرير، التي كانت تضم تنظيمات فلسطينية عديدة، واستمر في هذا المنصب حتى وفاته.
وبعد توليه المنصب، نهج عرفات سياسة المقاومة المسلحة لتحرير فلسطين، وشن سلسلة عمليات عسكرية ضد أهداف إسرائيلية.
وهدفت هذه العمليات إلى إنهاء دولة إسرائيل، وإقامة دولة فلسطينية، يعيش فيها جميع أهل فلسطين بمختلف دياناتهم وطوائفهم متساوين في الحقوق والواجبات.
**مقر قيادة في بيروت
لم يدم تواجد عرفات في الأردن طويلا، حيث غادرها عام 1971، متوجها إلى لبنان.
هذا التحرك كان سببه هو تصاعد المواجهات بين التنظيمات الفلسطينية والسلطات الأردنية، وهو ما يعرف فلسطينيا باسم أحداث "أيلول الأسود".
أسس في لبنان مقر قيادة في بيروت الغربية، و"قواعد مقاومة" في الجنوب اللبناني، المحاذي لشمال إسرائيل.
بدأت المقاومة الفلسطينية شن عمليات مسلحة ضد إسرائيل، انطلاقا من لبنان.
ومع اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية (1975: 1990) وجدت منظمة التحرير نفسها متورطة فيها كطرف من حين إلى آخر.
وفي لبنان دمج عرفات "العمل المقاوم" مع النشاط السياسي.
ففي عام 1974، تم قبول "خطة المراحل"، حيث أعلنت منظمة التحرير أنها مستعدة لإقامة دولة فلسطينية على أية أراضٍ فلسطينية يتم تحريرها.
ورغم ذلك، لم تتخل المنظمة عن هدفها المعلن، وهو "القضاء على دولة إسرائيل"، التي قامت عام 1948 على أراضٍ فلسطينية محتلة.
** نقل القضية إلى الساحة الدولية
ونقل عرفات القضية الفلسطينية إلى الساحة الدولية عام 1974 بخطابه الشهير أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك.
وقال آنذاك عبارته الشهيرة: "البندقية في يدي وغصن الزيتون في اليد الأخرى، فلا تسقطوا غصن الزيتون من يدي".
وشنت إسرائيل عددا من العمليات العسكرية في لبنان، للقضاء على المقاومة، وكان أبرزها الاجتياح الإسرائيلي للبنان، عام 1982.
وبعد الاجتياح، أُجبرت القيادة الفلسطينية، بزعامة عرفات، على التفاوض للخروج نهائيا من لبنان.
وتم إبرام اتفاق تخرج بموجبه "المقاومة" الفلسطينية، تحت الحماية الدولية من لبنان، مع ضمان أمن العائلات الفلسطينية.
**الذروة في تونس
على متن سفينة فرنسية، غادر عرفات بيروت إلى تونس مع عدد كبير من جنوده، بينما غادر آلاف المقاتلين الآخرين إلى شتى البلدان العربية.
ركز عرفات جهوده على العمل السياسي، فكانت ذروة العمل السياسي إعلان الاستقلال الفلسطيني، سنة 1988، من جانب المجلس الوطني الفلسطيني في تونس.
ومطلع تسعينيات القرن الماضي، انخرطت إسرائيل ومنظمة التحرير في مفاوضات سرية، أسفرت عام 1993 عن الإعلان عن اتفاقيات أوسلو للسلام.
وبموجب الاتفاق، أعلن عرفات، بوصفه رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، الاعتراف رسميا بإسرائيل، في رسالة رسمية إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي حينها، إسحق رابين.
في المقابل، اعترفت إسرائيل بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني.
وفي إطار اتفاقيات أوسلو تمت إقامة السلطة الفلسطينية الحالية.
**العودة إلى الوطن
في 1 يوليو/تموز 1994، عاد عرفات مع أفراد القيادة الفلسطينية، إلى الأراضي التي أعلنت عليها السلطة، وهي أجزاء من الضفة وغزة.
والتزم عرفات آنذاك بإيقاف الأعمال المسلحة ضد إسرائيل، ونبذ ما تطلق عليه إسرائيل "الإرهاب".
وفي ذلك العام، فاز كل من عرفات وإسحق رابين وشمعون بيرس (وزير الخارجية الإسرائيلي آنذاك) بجائزة نوبل للسلام.
ولم يلبث عرفات أن انتخب رسميا كرئيس للسلطة الفلسطينية.
واصطدم عرفات بحركتي "حماس" والجهاد الإسلامي الفلسطينيتين، اللتين عارضتا اتفاقيات السلام مع إسرائيل، حيث اعتقلت الأجهزة الأمنية التابعة له المئات من أفرادهما.
وفي يوليو/ تموز 2000، التقى عرفات مع رئيس الوزراء الإسرائيلي حينها، إيهود باراك، في كامب ديفيد.
اللقاء تم تحت غطاء وإشراف الرئيس الأمريكي حينها، بيل كلينتون، بهدف التوصل إلى حل نهائي للقضية الفلسطينية.
لكن عرفات رفض القبول بالحل المطروح، واعتبره منقوصا، ولا يلبي طموح الفلسطينيين، وهو أراضي عام 1967 (ما قبل 5 يونيو/ حزيران) بما فيها الأحياء الشرقية من مدينة القدس.
**حصار إسرائيلي
مع اندلاع انتفاضة الأقصى (الانتفاضة الثانية)، في سبتمبر/ أيلول 2000، اتهمت إسرائيل عرفات، بالتحريض على أعمال العنف.
وفي 29 مارس/آذار من ذلك العام، حاصرته القوات الإسرائيلية داخل مقره بالمقاطعة مع 480 من مرافقيه ورجال الشرطة الفلسطينية.
ودمرت الدبابات الإسرائيلية أجزاء من مقر القيادة الفلسطينية، ومنعته من السفر لحضور القمة العربية في بيروت، عام 2002، ومن المشاركة في أعياد الميلاد بمدينة بيت لحم (جنوبي الضفة).
تحت الحصار، تدهورت الحالة الصحية لرئيس السلطة الفلسطينية، أواخر أكتوبر/ تشرين الأول 2004.
تم نقل عرفات بطائرة مروحية إلى الأردن، ثم أقلته أخرى إلى مستشفى بيرسي في فرنسا، يوم 29 من الشهر نفسه، بعد تدخل الرئيس الفرنسي حينها، جاك شيراك.
ورسميا، أعلنت السلطة الفلسطينية، في 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2004، وفاة عرفات
ودُفن في مبنى المقاطعة برام الله، بعد أن رفضت إسرائيل أن يُدفن في القدس كما كانت رغبته قبل وفاته.
في 25 نوفمبر/ تشرين الثاني 2012، أخذ خبراء روس وفرنسيون وسويسريون عينات من جثمان عرفات، بعد فتح ضريحه في رام الله، لفحص سبب الوفاة.
واستبعد الخبراء فرضية الاغتيال، وقالوا إن وجود غاز "الرادون" المشع في البيئة الخارجية قد يفسر ارتفاع المواد المشعّة في العينات.
لكن معهد "لوزان السويسري" للتحاليل الإشعاعية كشف في تحقيق بثته قناة "الجزيرة" الفضائية القطرية في العام 2012، وجود "بولونيوم مشع" في رفات عرفات، وسط تقديرات بأنه مات مسموما بهذه المادة.